السعودية واسرائيل الحلف غير المعلن

الإثنين ٢٧ يوليو ٢٠٠٩ - ٠٢:٢٤ بتوقيت غرينتش


نشرت «صنداي تايمز» أخيرا خبرا عن تقرير للموساد يفيد بأن السعودية ستسمح بعبور الطائرات الإسرائيلية فوق أراضيها إذا ما قررت ضرب إيران.

وأضافت الصحيفة أن الموساد تعمل بجهد لتطوير العلاقة السرية مع المملكة السعودية. طبعا، السعودية نفت الخبر. والإعلام العربي يتجاهل كعادته أية أخبار تسيء إلى سمعة المملكة التي يتقاطر إليها ليبراليو العالم للثناء على طقوسها في قطع الرؤوس ورجم العشاق.

الحديث عن علاقة بين السعودية والكيان الإسرائيلي ليس ابن عصر بوش. فمن المعروف أن السعودية اختارت أن تكون بمنأى عن الصراع العربي ـ الإسرائيلي منذ البداية. لم تكن في وارد النظر في أمر مساعدة شعب فلسطين لصد العدوان الصهيوني.

طبعا، كان الملك بن عبد العزيز ينظر بعين الريبة إلى كل ما يفعله الهاشميون. لكن رغم نصائح مستشاريه من أهل الشام ومن الرحالة «فيلبي»، لم ينظر في أمر تدخل سعودي جدي لنصرة شعب فلسطين. على العكس: كان عبد العزيز يمثل الجناح الأكثر تآلفا مع الصهيونية منذ الثلاثينيات.

ولنتذكر أن الموقف السعودي (كما نتبينه من وثائق الأرشيف البريطاني ومراسلات حافظ وهبة، مستشاره البولاقي) كان مهادنا لقرار لجنة «بيل» في 1937 بتقسيم فلسطين (وكان القرار يتضمن طرد عشرات الآلاف من العرب من المواقع الخصيبة التي خصصت لدولة يهودية). كذلك نصح بريطانيا بجعله أكثر قبولا من العرب فيما كان العرب (وحتى بعض الحكومات) يرفضون القرار بالقاطع.

لكن الحكومة السعودية خافت من أن تجاهر بموقف صريح من القرار المذكور، واختارت أن تلحق بالركب العربي في رفض القرار (علنا).

أراد الملك فهد أن يثبت لواشنطن أن خدمات السعودية لا تنحصر بالنفط ومعاداة الشيوعية وكان موقف الملك عبد العزيز تتحكم به أهواء متناقضة: فهو كان كريها جدا في خطابه العنصري تجاه اليهود (كيهود) وتجاه ما كان يسميه «المرض اليهودي».

وكان يخشى أن يؤثر أي موقف معلن بمهادنة الصهيونية على الوضع الداخلي في المملكة، وخصوصا أن النقمة على الحكم كانت تتنامى من جانب «الإخوان» المتشددين. كذلك كان الملك طامعا بلقب خليفة المسلمين أو حاكم العرب المطلق، مع أن الملك المصري كان ينازعه في هذا الطموح.

وإذا كان هناك من أي ترسب لمعارضة سعودية للصهاينة، فإنها لم تكن تتعلق بشعب فلسطين: كان الملك يخشى فقط توسع الدولة اليهودية المزمعة وإلحاق أراض سعودية بها. لكن الارتباط السعودي بالحكم البريطاني (بالرغم من تودد سعودي نحو الحكم النازي في أواخر عام 1937، لكن عبد العزيز عاد وثبت تحالفه الذيلي مع بريطانيا بعد تمنع هتلر عن بيعه السلاح ـ ويحتفظ الملك السعودي الحالي في مكتبه الخاص بخنجر نازي ممهور بالصليب المعقوف مهدى من هتلر إلى عبد العزيز، كما أخبرني سفير أميركي سابق في السعودية).

لكن الأبرز في الموقف السعودي من القضية الفلسطينية والموقف من الصهيونية كان في تلك المبادرة السرية للرحالة «فيلبي» (وهو أبو الجاسوس المعروف فيلبي). مبادرة فيلبي لا تزال سر الأسرار (خصوصا في العالم العربي) والوثائق البريطانية لا تعلم عنها الكثير.

ما نعلمه أن الرحالة «فيلبي» جال في بريطانيا في أواخر الثلاثينيات والأربعينيات مروجا لفكرة بيع فلسطين لليهود مقابل 20 مليون جنيه إسترليني تدفع نقدا للملك عبد العزيز، بالإضافة إلى تبن بريطاني (وصهيوني ضمني) لجعل عبد العزيز ملكا على كل العرب.

لم يتحدث «فيلبي» يوما عن تفاصيل المبادرة وخلفيتها، والسعودية كعادتها تلعب السياسة بالسر، وغالبا ما تأتي التصاريح العلنية إما لستر فضيحة وإما لإخفاء مؤامرة شنيعة. لكن الحكومة البريطانية أخذتها على محمل الجد وبحثتها رسميا مع حاييم وايزمان في عام 1942، كذلك فإن الرئيس الأميركي، روزفلت، كان على علم مسبق بها.

ولا ندري إذا كان الدبلوماسيون السعوديون الذين كانوا يلتقون دوريا بالمسؤولين الصهاينة (كما روى بن غوريون في كتابه عن لقاءاته مع العرب) قد بحثوا في شأن تلك المبادرة. والمؤرخة القديرة إليزبث مونرو (التي كتبت تاريخا مرجعيا عن أفول السياسة البريطانية في الشرق الأوسط) أدرجت قسما في سيرتها عن «فيلبي» لتحليل القليل المعروف عن المبادرة.

فقد ذكرت أن الملك السعودي كان مضطرا للنأي بنفسه عن المبادرة بسبب الخوف من ردة الفعل لأنها تسربت إلى دول لم يفترض أن تعلم بها. وافترضت مونرو أنها أتت من «فيلبي» أصلا مع أنها لم تقدم دليلا. النفي السعودي الرسمي لا يبدد الشك، بل يزيده. ما علينا. ماتت تلك المبادرة، وإن كنا نعلم من خلالها أن آل سعود كان يمكنهم أن يبيعوا فلسطين وشعبها بنحو عشرين مليون جنيه. لم تبع فلسطين، والملك السعودي لم يتسع ملكه.

لكن الدور السعودي الرسمي خفت بعد إنشاء دولة فلسطين. الصراع بين أخوة آل سعود في الخمسينيات وأوائل الستينيات (حتى تثبيت دعائم حكم فيصل) ساد في تلك الفترة، وكانت السياسة الخارجية مهووسة بالصراع مع عبد الناصر، كما يروي «مالكولم كر» في كتابه عن «ال