هل أبو محمد المقدسي و أبو قتادة الفلسطيني بريئان؟

هل أبو محمد المقدسي و أبو قتادة الفلسطيني بريئان؟
الجمعة ٢٦ سبتمبر ٢٠١٤ - ١١:٤٢ بتوقيت غرينتش

لم يمر وقت طويل على اطلاق سراح ابي محمد المقدسي أبرز منظري تيار ما يسمى "السلفية الجهادية" من السجن في الاردن ، حتى برأ القضاء الاردني ساحة ابي قتادة ، الاب الروحي للقاعدة في اوروبا ، واسقطت عنه جميع التهم التي حُكم بسببها بالاعدام ، وأمرت باطلاق سراحه فورا.

عودة منظري السلفية الجهادية الى حياتهما الطبيعية جاءت في ظروف غير طبيعية تمر بها المنطقة ، على خلفية الاحداث التي تشهدها سوريا منذ اربع سنوات وتداعيات هذه الاحداث على المنطقة برمتها ، مما أثار الكثير من علامات الاستفهام حول هذه القضية ، لاسيما ان من اكثر اللاعبين الذين ساهموا في رسم المشهد الاقليمي الحالي ، هم من منفذي تعاليم هاتين الشخصيتين السلفيتين.
يرى الكثير من المراقبين ان الفترة التي قضاها او محمد المقدسى في السجن وهي اربع سنوات ، وكذلك تبرئة ابو قتادة واطلاق سراحه فورا ، لا تتلائم مع خطورة الرجلين ودورهما مواقفهما وارائهما التي كانت اسبابا للكثير من الاحداث الخطيرة التي وقعت ومازالت تقع في منطقتنا والعالم ، فالرجلان ليسا شخصين عاديين قاما بارتكاب بعض الجرائم وحوكما بسببها وندما عليها.
ورغم ان الرجلين ليسا مجهولين للمتابعين ، الا اننا سنمر مرورا سريعا على اهم مراحل حياة كل منهما ، وعلى ابرز مواقفهما من مختلف القضايا التي مرت بالمنطقة والعالم.

-أبو محمد المقدسي

ابو محمد المقدسي

هوعاصم طاهر البرقاوي المعروف بابي محمد المقدسي ، فلسطيني من مواليد 1959 ، يعتبر من أبرز منظري التيار "السلفي الجهادي". سجنته السلطات الاردنية اكثر من مرة  بسبب آرائه ، وهو أستاذ لأبي مصعب الزرقاوي ومن اكبر مناصريه وداعميه رغم الخلافات الجزئية التي وقعت بينهما في طريقة "العمل الجهادي".

ترك فلسطين بعد ثلاث أو أربع سنين من ولادته ورحل مع عائلته إلى الكويت حيث مكث فيها إلى أن أكمل دراسته الثانوية وفي أواخر دراسته الثانوية ، وفي الكويت شارك في محاولة اغتيال فاشلة استهدفت الفنان الكويتي عبدالحسين عبد الرضا .

وانتقل الى العراق ودرس في جامعة الموصل ، الا انه ترك الدراسة الجامعية وانتقل الى السعودية وهناك تعرف على كتب ابن تيمية وتلميذه ابن القيم ومحمد بن عبد الوهاب ومشايخ الوهابية ، بعدها سافر إلى باكستان وأفغانستان ودرس في المعهد الشرعي للقاعدة واصبح احد القضاة الشرعيين في معسكر القاعدة وربطته علاقة وثيقة مع كبار زعماء القاعدة امثال أيمن الظواهري وأبي عبيدة البانشيري وأبو حفص المصري وأبي مصعب السوري وهناك الف عدة كتب رد فيها على من اسماهم بالكفار.

استقر به المقام في الاردن عام 1992 وأخذ يتصل بعناصر القادة من الاردنيين الذين عادوا من افغانستان لتنظيمهم ، على اثرها اعتقل وحكم عليه بالسجن الا انه اطلق سراحه بعد ان أمضى نصف محكوميته وبعد أحداث 11 ايلول / سبتمبر أفتى المقدسي بمشروعية هذه العمليات ودافع عن المهاجمين وألف رسالة بعنوان هذا ما أدين الله به، ثم اعتقل على إثر ذلك لعدة أشهر ثم خرج من المعتقل ليواصل دعوته وتحريضه على الجهاد.
واعتقل عام 2010 حكمت عليه محكمة امن الدولة الاردنية بالسجن اربع سنوات بتهمة دعم حركة طالبان الأفغانية عن طريق نقل زكاة أموال بقيمة ثمانمائة دولار للحركة في افغانستان وتجنيد مقاتلين. وعندما تم الافراج عنه في حزيران / يونيو الماضي ، كان التيار السلفي الجهادي في الاردن في مقدمة المرحبين به و سارع التيار ببث رسالة تهنئة لمن وصفوهم "الأمة وأتباع التوحيد والجهاد." وقال محمد الشلبي، أحد أبرز أتباع التيار، الملقب بـ"أبو سياف" : "نبشر الأمة، وخاصةً أتباع منهج التوحيد والجهاد، بخروج شيخ المنهج الإمام الشيخ أبو محمد المقدسي، كما كان "قتادة" نجل ابو قتادة من بين المرحبين و المهنئين بالمقدسي.

وهو في السجن كان يتوسط لوقف القتال بين "المجاهدين" في "داعش" و النصرة" ورجح موقف الظواهري من النزاع ، ودعا مقاتلي "داعش" للانضمام ل"جبهة النصرة" بقيادة أبو محمد الجولاني.

وآخر مواقفه من التطورات في سوريا والتحالف الدولي ضد "داعش" كانت الرسالة التي ارسلها يوم الثلاثاء 23 ايلول /سبتمر الحالي ، إلى من وصفهم بـ”المجاهدين” تحت عنوان “اللهم انصر المجاهدين وأنج المسلمين المستضعفين واهزم الصليبيين والمرتدين” واعتبر الضربه الجوية لامريكا وحلفائها على "داعش" بانها "حرب صليبية" وانها تشن "على الإسلام والمسلمين في سوريا والعراق بمشايعة من المرتدين.. مبديا خشيته على "كثير من المجاهدين وعلى قياداتهم" . وحذر من أن الحملة التي تطال اليوم "الدولة الاسلامية" و"النصرة" قد تصيب غدا "كل فصيل يريد وجه الله ونصرة دينه وتحكيم شرعه" ودعا "داعش" و"النصرة" و"سائر الفصائل الإسلامية" إلى حل خلافاتها وإطلاق سراح السجناء لديها “لنصرة إخوانهم في هذه النازلة".

-أبو قتادة الفلسطيني

ابو قتادة الفلسطيني

هو عمر محمود عثمان المعروف بأبي قتادة ، فلسطيني من مواليد 1960 في بيت لحم متهم بالإرهاب من قبل عدة بلدان حول العالم كما ضم اسمه ضمن القرار الدولي رقم 1267 الصادر من مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة الذي صدر في عام 1999م والذي يختص بالأفراد والمؤسسات التي ترتبط بحركة القاعدة أو حركة طالبان.

كان مطلوباً من قبل حكومات الجزائر، وبلجيكا، وفرنسا، وامريكا ، وإسبانيا، وألمانيا وإيطاليا والاردن . وله كتب عديدة روج فيها للحركة السلفية الجهادية.
سافر إلى بريطانيا في 1993 بجواز سفر إماراتي مزور، وطلب اللجوء السياسي بدعوى الاضطهاد الديني، ليمنح اللجوء في العام اللاحق.
وفي الاردن اتهم بالتخطيط للقيام بعمل ارهابي ضد المدرسة الاميركية في عمان في نهاية 1998وحكم عليه بالاعدام غيابيا عام 1999 لكن تم تخفيف الحكم مباشرة الى السجن مدى الحياة مع الاشغال الشاقة، واتهم ايضا بالتخطيط لتنفيذ هجمات ارهابية ضد سياح أثناء احتفالات الالفية في الاردن عام 2000 وحكم عل اثرها بالسجن 15 عاما.

تعتبر السلطات الاميركية ابا قتادة ، بانه الاب الروحي لمنفذي هجمات 11 ايلول / سبتمبر ، وذلك بعد العثور على اشرطة فيديو لخطابات لابي قتادة  في شقة في هامبورغ بالمانيا ، كان يستخدمها ثلاثة من منفذي الهجمات ،  وكان يسكن الشقة المصري محمد عطا زعيم منفذي الاعتداءات.

واصدر ابو  قتادة في بداية موجة الارهاب التي ضربت الجزائر في التسعينيات،  فتوى شرعن فيها قتل النساء والأطفال والعجزة بهدف الوصول الى العدو الحقيقي ، وعرفت بفتوى ''التترس'' التي تلقفتها الجماعات المسلحة  في الجزائر.

ولم يترك ابو قتادة ، تفجيرا انتحاريا نفذته القاعدة في العراق او في لبنان او في سوريا او في امريكا او في اوروبا الا وايده ودعمه ، حتى انه اعتبر التفجيرات الارهابية التي ضربت الضاحية الجنوبية في بيروت ولبنان واسفرت عن سقوط عشرات القتلى ومئات الجرحى من المدنيين بانها تاتي "دفاعا عن النفس" ، ويكن عداء غريبا وصريحا لحزب الله لبنان ، وفي المقابل يكيل المديح بمناسبة او بدونها لطالبان والقاعدة و"النصرة" والمجموعات التكفيرية الاخرى.

-الجريمة بين التحريض والتنفيذ

بعد السرد السريع لسيرتي الرجلين ، لا نبالغ ان قلنا ، لولا هذين الرجلين ومن هم على شاكلتهما ، لما مات الالاف من الشباب العربي والمسلم قتلا وذبحا وتفجيرا ، في اصقاع الارض ، فلولاهما لما استرخص الشباب ارواحهم وارواح الاخرين بهذا الشكل الماساوي ، فجريمة الرجلين هي التحريض على ارتكاب الجريمة ، وهي جريمة ان لم تكن اسوء ، فهي لا تقل بشاعة عن جريمة القتل ذاتها.

فقهاء القانون يعرفون التحريض بانه: " خلق التصميم على ارتكاب جريمة لدى شخص اخر بنية دفعه الى تنفيذها, او مجرد محاولة خلق التصميم عنده".

ويؤكد فقهاء القانون ان مجرد التحريض هو جريمة حتى لو لم يسفر هذا التحريض عن فعل ، الامر الذي يكشف خطورة التحريض على ارتكاب الجرم  . ويقولون في التحريض ايضا انه "جريمة مستقلة بحد ذاتها أي يسال المحرض سواء نجح التحريض ام لا" ، و " لا جدوى من عدول المحرض عما حرض عليه"، و" يعامل المحرض كما لوكان فاعل الجريمة".

واضح جدا ان القوانين تغلظ العقوبة للمحرض بهدف الردع  وقاية للمجتمع ، فهناك حالات يكون فيها دور المحرض  اخطر بكثير من دور الفاعل ، وهذه الحالات هي حالات الارهاب ، التي تعتبر من اخطر الجرائم التي ترتكب ضد المجتمعات ، فالقانون يعاقب على المحرض في جرائم الارهاب حتى لو لم ينتج عن تحريضه أثر ، وهو ما يطلق عليه في لغة القانون ب"التحريض غير المتبوع باثر".

يبدو ان خطورة المحرض ، لاسيما اصحاب الفتاوى التي تكفر الاخرين وتحض على العنف والكراهية ، تكمن في ان المحرض او صاحب الفتوى ، هو العقل المدبر وراء الجريمة ، بينما قد يكون المنفذ شابا غريرا ساذجا بسيطا ، ارتكب جريمته تحت تاثير التحريض والفتوى ، وهذه الحالة تنطبق الى حد كبير على ما يجري في منطقتنا من قتل وذبح وتنكيل وسلب ونهب ، على يد المجموعات التكفيرية الارهابية ، بفعل التحريض والشحن الطائفي البغيض.

هنا يتضح لنا مدى خطورة الدور الذي يقوم به امثال ابو محمد المقدسي و ابو قتادة ، في مجتمعاتنا ، وحجم الجرائم التي اُرتكبت ضد بلداننا وامننا واستقرارنا ، بسبب تعاليمهم وافكارهم الشوهاء ، التي يسوقونها على انها دين والدين منها براء ، والاخطر من كل ذلك هو ان يُترك هؤلاء طلقاء ، في مجتمعاتنا ، ليدسوا المزيد من السموم في عقول ابنائنا وبناتنا ، وهي جريمة كبرى بحق حاضرنا ومستقبلنا ، تتحمل مسؤوليتها الحكومات التي تتعامل بهذه الطريقة المريبة مع رموز الارهاب هذه.

منيب السائح - شفقنا