عاشوراء أو فكر التغيير في عقيدة الامام الحسين(عليه السلام)

عاشوراء أو فكر التغيير في عقيدة الامام الحسين(عليه السلام)
الأحد ٠٢ نوفمبر ٢٠١٤ - ٠٦:٥١ بتوقيت غرينتش

كل عام وتحديدا يوم العاشر من محرم الحرام تحل علينا ذكرى كبيرة تجمع بين حدثين كبيرين الأول يخص غرق فرعون الطاغية والثانية موضوع مقالنا هذا تخص جريمة قتل سيد شباب أهل الجنة يتعلق الأمر بإمام عظيم لم يقبل وجود الظلم في الأرض فكان وفيا لعقيدة جده خاتم الرسالة محمد (صلى الله عليه وآله).

 انه الإمام الحسين بن علي ولد فاطمة بنت محمد عليهم السلام الذي لم يخرج حسب قوله "أشِراً ولا بطراً، ولا مُفسِداً ولا ظالماً، وإنما خَرج لطلب الإصلاح في أمة جَدِّه محمد صلى الله عليه وآله". وكيف لا يتصدى الإمام للظلم وقد جاءت عقيدة جده المصطفى بغرض تخليص العباد من ظلم العباد وإقامة شريعة الله والعدل في الأرض، لقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) في شأن الإمام الحسين "الحسن والحسين ابناي من أحبّهما أحبّني، ومن أحبّني أحبّه الله، ومن أحبّه الله أدخله الجنة، ومن أبغضهما أبغضني، ومن أبغضني أبغضه الله، ومن أبغضه الله أدخله النار".
نقف عند هذا الحدث مدركين منذ البداية أن الحروف والأسطر لا تسع للحديث عن عقيدة وفكر التغيير لدى الإمام الحسين (عليه السلام) الذي ليس له مثل، لأنه فكر رجل أحبه الله ورسوله وورث العلم من أبيه الذي كان أعلم الناس ولم يسجد لصنم فكرم الله وجهه في أحاديث الناس.
إن الحديث عن الإمام الحسين (عليه السلام) يتطلب منا استحضار نفس التضحية والقدرة على قهر شهوات النفس والتعبير عن اللحظة التاريخية في التصدي للظالمين ونصرة المستضعفين، فالإمام لو أراد العيش أمويا لكان أسعد الناس فوق الأرض، لكن عقيدته ومنهجه تفوق أن يكون إنسانا شهوانيا أو دنيويا وليس غريبا أن الإمام لما سئل يوما ما عن عوامل ثبات الإيمان تحدث عن الورع وعن سبب زواله تحدث عن الطمع، لذلك لم يقبل الظلم في حياته، كما أنه لم يقبل الظلم في أمة جده فكان يحمل فكرا لا يقف تصوره في وضع الكلمات والمفاهيم وإنما جسد حقيقة التغيير في منظومة تجمع بين الكلمة والسلوك من خلال سعييه إلى اقتلاع الجور من الأرض وصولا إلى إحقاق العدل بين مجتمع الناس.
هكذا نجد عددا كبيرا من العلماء والمفكرين تحدثوا بإسهاب عن فكر التغيير الذي يمكن لأي متحرر أن يسعى إلى إتباعه والاهتداء إليه يقول المؤرخ الفرنسي موريس دوكابري "الحسين ضحى بنفسه لصيانة شرف وأعراض الناس، ولحفظ حرمة الإسلام، ولم يرضخ لتسلط ونزوات يزيد. إذن تعالوا نتخذه لنا قدوة، لنتخلص من نير الاستعمار، وأن نفضل الموت الكريم على الحياة الذليلة".
وعن شهامة الإمام وعدم قبوله بالمساومة في نصرة القضايا العادلة والإيمان الثابت بمعتقده يقول المؤرخ الأمريكي المعروف واشنطن اروين "كان بميسور الحسين النجاة بنفسه عبر الاستسلام لإرادة يزيد، إلاّ أنّ رسالة القائد الذي كان سبباً لانبثاق الثورات في الإسلام لم تكن تسمح له الاعتراف بيزيد خليفة، بل وطّن نفسه لتحمّل كل الضغوط والمآسي لأجل إنقاذ الإسلام من مخالب بني أُميّة. وبقيت روح الحسين خالدة، بينما سقط جسمه على رمضاء الحجاز اللاهبة، أيها البطل، ويا أسوة الشجاعة، ويا أيها الفارس يا حسين!" من هنا يظهر جليا أن الإمام كان رمزا للتضحية والبطولة وساهم في التعبير عن رسالة الإسلام بوجهها الصحيح الذي جعلها تتبوأ مكانا في حديث الناس يقول الفيلسوف الألماني ماربين "قدم الحسين للعالم درسا في التضحية والفداء من خلال التضحية بأعز الناس لديه ومن خلال إثبات مظلوميته وأحقيته، وأدخل الإسلام والمسلمين إلى سجل التاريخ ورفع صيتهما. لقد اثبت هذا الجندي الباسل في العالم الإسلامي لجميع البشر أن الظلم والجور لادوام له. وان صرح الظلم مهما بدا راسخاً وهائلاً في الظاهر إلا انه لايعدو أن يكون إمام الحق والحقيقة إلا كريشة في مهب الريح".
فالحسين من هذا المنطلق أسس ثقافة وسلوكا لمنظومة تربي الناس على بناء الذات وتنشئتها نشأة قوية تجعلك رجل تغيير بامتياز فهو إمام وقدوة ورجل حق يقر به الجميع ولهذا نختم بما قاله المسيحي العربي بولس سلامة "الحسين (عليه السلام)، مهما كتبنا عنه، فلن نتجاوز فيه ما قاله رسول الله (صلى الله عليه وآله) "مكتوب على ساق العرش: إن الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة" فهو برأي بولس لا يقاس بالثوار، بل بالأنبياء و في شأنه لا تقاس كربلاء بالمدن، بل بالسماوات، ولا تقاس عاشوراء بحوادث الدهر، بل بمنعطفات الكون فمع الحسين (عليه السلام) كل هزيمة انتصار وبدون الحسين (عليه السلام) كل انتصار هزيمة. لأن قصة عاشوراء لم تكتمل فصولها، فإن كل يوم عاشوراء، وكل أرض كربلاء. أيها الناس.. إن الشهادة تزيد في أعمار المستشهدين، ألا ترون كيف أن "عبد الله الرضيع" يعتبر اليوم من كبار عظماء الرجال؟ تمزقت رايته.. ولم تنكس وتمزقت أشلائه ولم يركع وذبحوا أولاده وإخوانه وأصحابه ولم يهن إنها عزة الإيمان في أعظم تجلياتها.
قبل عاشوراء، كانت كربلاء اسماً لمدينة صغيرة، أما بعد عاشوراء فقد أصبحت عنواناً لحضارة شاملة يقول بولس سلامة.

* عبد الله الحمزاوي