الى متى تبقى كلماتنا في أغمادها؟

الى متى تبقى كلماتنا في أغمادها؟
الأحد ٣٠ نوفمبر ٢٠١٤ - ١١:٠٣ بتوقيت غرينتش

رغم ان المؤتمر الذي تستضيفه طهران يومي 3 و 4 من شهر كانون الاول / ديسمبر لوزراء اعلام الدول الاسلامية، سبقه تسعة مؤتمرات مماثلة، الا ان الظروف الاستثنائية التي تمر بها الامة الاسلامية، ضاعفت من اهمية مؤتمر طهران، وكذلك ضاعفت من المسؤولية الملقاة على عاتق من يواجهون الحرب الاعلامية الضروس التي تُشن على المسلمين.

الدورات السابقة لمؤتمرات وزراء الاعلام في الدول الاسلامية، كانت تعقد وهناك اجماع شبه تام بين وسائل الاعلام الاسلامية، مهما اختلفت توجهاتها ومشاربها، على هوية العدو الرئيسي للامة، وعلى ضرورة واهمية الوحدة بين المسلمين، وعلى طبيعة الاخطار والتحديات المحدقة بالامة، وكيفية مواجهتها، اما اليوم فانقلبت الامور راسا على عقب، ولم يعد العدو هو ذلك المتربص بالبيت الاسلامي من الخارج يتحين الفرص للانقضاض عليه، بل خرج العدو بين ظهراني المسلمين، يرفع شعارهم ويحمل رايتهم ويزايد عليهم في دينهم، فاختلق اعداء للمسلمين من بين المسلمين، وحاول ويحاول شطب الصهاينة، مغتصبي اقدس مقدسات المسلمين والمتربصين بالامة الدوائر، من ذاكرة الانسان المسلم، وعاث في المجتمعات الاسلامية فسادا، فالتبس الامر على الكثيرين، بعد ان اعطب بوصلتهم، التي تشير في كل لحظة الى جهة ما بانها العدو الجديد، فيتقاتل المسلمون، وتُسفك دماؤهم، وتُهدم بيوتهم، وتُتشتت مجتماعتهم، وتُتفكك دولهم.
ان تراجع اهمية القضية الفلسطينية وحتى تراجع اهمية المسجد الاقصى والمقدسات الاسلامية في فلسطين المحتلة وفي سوريا والعراق وباقي الدول الاسلامية الاخرى، الى قعر سلم اولويات الانسان المسلم، مرده حالة التيه التي يعيشها هذا الانسان الذي يتعرض ليل نهار، لقصف اعلامي لا يرحم، افقده توازنه، واصبح كالمشلول تقوده الاحقاد والعصبية والطائفية الى حيث تريد، دون ادنى مقاومة او تردد، فهذا الانسان الذي كانت تثور دماء الغيرة الاسلامية في عروقه لمجرد رؤيته طفلا فلسطينيا يُقتل على يد الصهاينة، او بمجرد ان يتناهى الى مسامعه ان المسجد الاقصى في خطر، اما اليوم تبخرت غيرته وتيبست كرامته، فلا حركة تصدر عن جوارحه وهو يرى بام عينه قوات الاحتلال الصهيوني والمستوطنين الصهاينة يدنسون المسجد الاقصى ويعلنون صراحة عن نيتهم هدمه، وهو موقف يشبه موقفه من اعلان الصهاينة ان "اسرائيل دولة يهودية"، فهو اعلان يعتبر مقدمة لطرد ما تبقى من الفلسطينيين من ارض ابائهم واجدادهم.
عندما يكون هذا هو موقف الانسان المسلم المعطوب البوصلة من اقدس مقدساته، فان موقفه من قضايا دون ذلك كالوطن والمواطنة والاخوة الاسلامية والمراة والحياة والاخر بشكل عام، سيكون كوارثيا، كما هو حال المسلمين اليوم، حيث تُباع المراة والطفل بالاسواق، وتُذبح الشباب، وتُمثل بالجثث، وتؤكل احشاء البشر، وتُحز الاعناق بهدف التلذذ، ويُصلب الناس احياء وامواتا، وتُقطع الاطراف، وتُفجر الجوامع والمساجد والحسينيات والتكايا والكنائس والجامعات والمدارس ورياض الاطفال والمستشفيات والمعامل والمقاهي والمطاعم، على رؤوس من فيها، والملفت ان كل هذه الجرائم تنفذ على صيحات الله اكبر ولله الحمد، والملفت ايضا ان كل ضحايا هذه المجازر هم مسلمون يشهدون الا اله الا الله وان محمدا رسول الله (ص)، ومؤمنون بالله ورسله وكتبه وملائكته وبيوم الحساب وبالجنة والنار.
التشويه لم يطل الحياة والدين والانسان اثر هبوب الريح الطائفية الصفراء، بل شمل التاريخ والحضارة والتراث والثقافة، فازيلت معالم الحضارات من اساسها في العراق وسوريا وليبيا ومالي وافغانستان وباقي المناطق الاخرى في العالم الاسلامي، وباسم الدين ايضا، و فجرت ونبشت قبور لانبياء واولياء وصحابة ورموز دينية و وطنية وادبية وفنية، بهدف تجريد الانسان المسلم من كل بعد تاريخي وثقافي ومعنوي يربطه بالارض والحضارة والدين، وجعله هائما تائها لا جذر له ولا انتماء، ولا لون له و لا امتداد، خال من اي شعور انساني او ديني او وطني، فيكون متقبلا لاي لون ولاي فكرة مهما كانت متطرفة، فيتحول الى قوة مجردة للقتل والفتك والتدمير، ومن امثال هذا الانسان هم اعضاء وانصار "داعش" و"النصرة" وباقي المجموعات التكفيرية.
هنا يطرح سؤال كبير وكبير جدا نفسه على الجميع، وهو كيف يتحول الانسان الى مثل هذا النموذج العدمي؟، ومن هي الجهة التي يصب في مصلحتها ان يتحول الانسان المسلم الى مثل هذا النموذج؟، وكيف يمكن مقاومة عملية المسخ هذه و وقفها؟، وكيف يمكن اصلاح ما دمره هذا الانسان والجهات التي تحركه؟.
السبب الرئيسي الذي ساهم في مسخ الانسان المسلم، هو الاعلام الطائفي، بشقيه التقليدي والحديث، التقليدي ويتمثل بالمنابر والخطب والتجمعات والكتب والصحف والمجلات، والحديث ويتمثل بالفضائيات والفضاء المجازي و وسائل الارتباط الحديثة الاخرى، وابطال الاعلامين القديم والحديث هم علماء السوء والاعلاميون الماجورون والجهات المرتبطة بالصهيونية والغرب وامريكا، فجميع هؤلاء انخرطوا في حلف غير مقدس هدفه فصل الانسان المسلم عن واقعه وبالتالي عن قضاياه المصيرية، فانهارت بسبب ذلك منظومته المعرفية، وتكدست في داخله القضايا الثانوية مع القضايا الاولية، واختلط المهم بالتافه، والاهم بعديم الجدوى.
عملية غسل الدماغ التي تعرض لها الانسان المسلم، لم تحدث في ليلة وضحاها، ولا بصورة سلسة وبسيطة، بل اُنفقت عليها مليارات الدولارات، وعلى مدى عشرات السنين، وجندت لها امكانيات ضخمة، تحولت جميعها الى معاول تنهش في روح وعقل الانسان المسلم، في غياب شبه كامل للصوت الاسلامي الاصيل المتمثل بالنخب الدينية والفكرية والاعلامية، الذين تركوا الساحة ليزعق فيها الصوت الطائفي المشبوه، بدعم وتحريض من الصهيونية العالمية، التي وجدت في هذا الصوت التكفيري، انجع وسيلة لزرع الضد النوعي في المجتمعات الاسلامية، وهو ضد ينخر بالمجتمع الذي يصاب به، كما تنخر الارضة بالخشب.
الاعلام الغربي، لم يقف مكتوف الايدي، بل تدخل وبقوة في صياغة هذا الضد النوعي، المتمثل ب"الاسلام" التكفيري الطائفي المتزمت والمتخلف، للضرب به على الاسلام الحقيقي المنفتح والمتسامح، بعد ان عجز الغرب على مدى عقود طويلة، عن الحاق الهزيمة بارادة الانسان المسلم منذ الغزو الاستعماري للبلدان الاسلامية، وحتى بعد زرع الكيان الصهيوني في قلب العالم الاسلامي، والمتابع للاعلام الغربي اليوم، يتلمس وبسهولة التاثير الواضح لهذا الاعلام على الانسان المسلم، الذي بات يسبح في المجال المغنطيسي له، الذي يوجهه كيفما يريد ومتى ما يريد؟.
بالكلام والصور شوه ودمر، الاعلام التكفيري الصهيوني الغربي، الشخصية الاسلامية، وسلاح الكلمة والصورة هو امضى اسلحة الاعلام بشكل عام، لذا آن الاون للاعلاميين في الدول الاسلامية ان يخرجوا هذا السلاح من غمده، وان يستخدموه بالشكل الذي يقلص من تاثير الاعلامي التكفيري الصهيوني الغربي على الانسان المسلم، وان يعيد اليه توازنه، ليصحح موقفه من قضايا الامة، ويعيد ترتيب الاولويات كما كانت قبل انتشار وباء التكفير والطائفية في العالم الاسلامي.
ان مؤتمر وزراء الاعلام في الدول الاسلامية الذي تحتضنه طهران، يعتبر فرصة ذهبية امام العالم الاسلامي للوصول الى رؤية شاملة في كيفية التصدي للاعلام التكفيري الصهيوني الغربي، الذي يستهدف الشباب المسلم بقوة الكلمة والصورة، فليس هناك من قوة يمكن ان تؤثر على الانسان كما تؤثر عليه الكلمة، فالنخب الاعلامية اليوم في العالم الاسلامي مدعوة اكثر من اي وقت مضى، الى عدم التقليل من قوة سلاح العدو، والى عدم تكرار اخطاء الماضي في ترك الاعلام التكفيري الصهيوني الغربي، يهيمن على الاثير ويلعب بعقول شبابنا كيفما شاء، فنحن في وسط حرب اعلامية ضروس، وقد ولى زمن الوقوف على الحياد، اما ان نكون مع الاسلام والشعوب الاسلامية وقضاياها الحقة وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، ونخرج الكلمات من اغمادها، ونشهرها على اعداء الامة من التكفيريين والصهاينة، واما ان نواصل التفرج على ما يحدث، بينما التكفيريون والصهاينة يأتون على ما تبقى من ديننا واوطاننا وتراثنا وشخصيتنا، عندها سيأنفنا حتى الموت.

* ماجد حاتمي