السعودية .. حرباً على سوريا وسلماً مع "إسرائيل"

السعودية .. حرباً على سوريا وسلماً مع
الإثنين ١٩ أكتوبر ٢٠١٥ - ١٠:٣٢ بتوقيت غرينتش

تضع السعودية ، كل المواقف المعارضة وحتى الناصحة ، التي تتخذها الحكومات الاخرى ، من سياستها ومواقفها في المنطقة ،وحتى من النقد الذي يوجه الى هذه السياسة من قبل الاعلاميين ، تضعه في خانة “الحسد والشعور بالغيرة ” ، من “النجاحات الباهرة للقيادة السعودية على الصعد الداخلية والاقليمية والدولية” ، ول“احتضان السعودية للحرمين الشريفين” ، وتطلق العنان لامبراطورياتها الاعلامية ولجيوشها من السياسيين المرتزقة ، لشن هجوم شامل لاخطوط حمراء فيه ، على كل من تجرأ من هؤلاء ، وتعرض او انتقد المملكة السعودية وسياستها الاقليمية والدولية.

اذا ما تجاوزنا سياسة السعودية الكارثية من اليمن ، والتي انتهت الى حرب مدمرة لا افق لها ، بعد ان تخلى عنها حتى حلفائها في الدول الخليجية ، بسبب العناد الذي يصفه بعض الكتاب العرب والسعوديين بالعناد “البدوي” ، واذا ما تجاوزنا ايضا سياستها العقيمة والعبثية في العراق ، والمتمثلة بمعاداة النظام السياسي الجديد في العراق ، على خلفية طائفية كريهة ، انتهت بانتشار حالة من الكراهية لدى الشارع العراقي من السعودية ، لن تزول حتى في المستقبل المنظور، واذا ما تجاوزنا قرارها الظالم والتعسفي والذي احدث شرخا كبيرا بين الشعب البحريني والسعودية والمتمثل باحتلال هذا البلد ، لمساعدة النظام الخليفي المستبد في قمع ثورة البحرين ، والذي سيكون له ارتدادات كبيرة ، رغم كل النفوذ السعودي الذي لن يبقى على حاله في المستقبل القريب ، واذا ما تجاوزنا سياسة السعودية في تعطيل انتخاب رئيس للبنان ، رغم مرور فترة طويلة على شغور هذا المنصب ، والانعكاس السلبي لهذا الامر على الوضع السياسي الاجتماعي والامني في لبنان ، واذا ما تجاوزنا السياسة السعودية القديمة الجديدة ، والمتمثلة في استخدام المجاميع التكفيرية ، الخارجة من الرحم الوهابي ، المذهب الرسمي للسعودية ، كوسيلة ضغط لتمرير اهدافها السياسية في المنطقة ، والتي ادخلت العديد من الشعوب العربية والاسلامية في انفاق مظلمة ودامية ، اذا ما تجاوزنا كل هذه الساسات الكارثية ، الا اننا سنكون مضطرين للتوقف امام سياسة “العناد الاخرق والغبي” للسعودية من الحرب المفروضة علي سوريا ، والذي يهدد استمراره امن واستقرار كل منطقة الشرق الاوسط.

المعروف ان في العام 2011 ، عندما بدات المؤامرة الكبرى ، ضد سوريا، بسبب موقفها من “اسرائيل” وعضويتها في محور المقاومة وتصديها للمشروع الامريكي الصهيوني العربي الرجعي ، كان الخطاب الرسمي ل“اصدقاء سوريا” ومن بينهم امريكا وفرنسا وبريطانيا وتركيا وقطر والسعودية ومن ورائهم “اسرائيل“، ان لا مستقبل للرئيس السوري بشار الاسد ، وكانوا يضعون مواعيد لسقوطه ، كانت تتراوح بين اسابيع واشهر ، بعد ان نصبوا انفسهم اولياء على الشعب السوري ، وانصار للديمقراطية والحرية والكرامة الانسانية!! ، الا ان هذه المجموعة من “اصدقاء سوريا” ، بعد مرور خمسة اعوام على حربهم الظالمة على سوريا وتجنيدهم كل شذاذ الافاق من التكفيريين والمجرمين ، انقلب خطابها 180 درجة ، حيث بدانها ومنذ فترة ، نسمع حديثا عن ضرورة محاربة الارهاب “الداعشي” و “القاعدي” ، والتوصل الى صيغة سياسية لانهاء الازمة في سوريا حتى مع بقاء الاسد.

الوحيد من بين “اصدقاء سوريا ” الذي مازال يجتر ذات الخطاب العقيم ، هو السعودية ، التي مازالت تؤكد على ان لامكان للاسد في مستقبل سوريا ، واصبحت كمن يغرد خارج السرب ، بل ان العناد “البدوي الاجوف” دفع السعودية الى ان تهدد باسقاط الاسد حتى بالقوة العسكرية ، لا من قبل مرتزقتها من “داعش” و “النصرة” ، بل بتدخلها العسكري المباشر كما فعلت في اليمن ، واصبح هذا الموقف اكثر عناد لاسيما بعد التدخل الروسي القوي في الازمة السورية ، بطلب من الحكومة السورية ، حيث كرر وزير خارجية السعودية موقف بلاده ، وهو في موسكو وعند مضيفيه الروس.

تداعيات الحرب المفروضة على سوريا ، على المنطقة والعالم ، جعل جميع الدول تفكر وبجدية بوقف هذه الحرب ، حفاظا على السلام والاستقرار الاقليمي والدولي ، الا ان مثل هذا الشعور بالمسؤولية ازاء المنطقة وشعوبها ، لا يوجد له اي صدى في السعودية ، التي ربطت مستقبلها ومستقبل المنطقة ، بمصير الرئيس السوري بشار الاسد ، في عناد وحقد لا يمكن تفسريهما الا بالتعصب البدوي.

الملفت ان العديد من المراقبين ، يقفون حيارى من موقف السعودي من سوريا الرافض لكل الوسائل السياسية ، والمعادي لكل الحلول التي يمكن ان تحفظ للمنطقة امنها واستقرارها ، وحتى انها تضغط على من اختلقتهم من معارضة سوريا ، لمنعهم من الجلوس مع ممثلي الحكومة السورية ، خوفا من ان يضفي ذلك بعض “الشرعية” على الحكومة السورية حسب اعتقادها ، بل انها تشن هجوما ظالما وكاسحا عبر امبرطورياتها الاعلامية ، ضد كل الحكومات التي اعادت النظر في مواقفها من سوريا كما هو حال تونس وبعض الدول الخليجية ، وكأن هذه الدول ارتكبت كبيرة من الكبائر.

الذي يجعل هؤلاء المراقبين اكثر حيرة ، هو الموقف السعودي “الاستجدائي” و “الذليل” من “اسرائيل” ، عدوة العرب والمسلمين والمغتصبة لاقدس مقدساتهم ، والتي تمعن يوميا قتلا وتنكيلا بالشعب الفلسطيني ، وتعمل على اقتلاعه من ارضه ، وتسرع الخطى لتهويد القدس ، وتحاصر نحو مليوني انسان في غزة ومنذ اعوام طويلة ، حيث لا يمر يوم الا وتنقل لنا وكالات الانباء في العالم لقاءات وتصريحات من مسؤولين سعوديين كبار ، يؤكدون على ضرورة عقد معاهدة سلام مع “اسرائيل” وتسوية كل “المشاكل” معها للتفرغ ل“العدو المشترك” للسعودية و “اسرائيل” ، وهذا العدو ليس الا الجمهورية الاسلامية في ايران ، بينما لا نجد اي اذان صاغية من قبل “اسرائيل” لكل هذا الاستجداء السعودي الذليل ، فنراها ماضية في “احتقار” الحكومات العربية وعلى راسها السعودية وقطر.

هنا يطرح هذا السؤال نفسه وبقوة لدى المواطن العربي ، وهو : لماذا ترفض السعودية الجلوس مع ممثلي حكومة عربية تختلف معها في قضايا سياسية عادية ، وتدفع بالمنطقة الى الخراب والدمار بسبب ذلك ، بينما تتلمس كل الاعذار لجرائم الصهيونية ، وتستجدي السلام مع هذا العدو الشرس المتربص بامن واستقرار وخيرات وثروات الشعوب العربية ، وينتهك اقدس مقدساتها؟، ارى ان من حق هذا المواطن ، ان يشكك بعروبة واسلامية ال سعود ، بعد ان اخذ يرى بام عينه كيف يعمل النظام السعودي كفكي كماشة مع الكيان الصهيوني ، لاقتلاع العرب والمسلمين من ديارهم عبر الفتن والحروب والفوضى والدمار ، والا بماذا يُفسير الموقف السعودي الفاضح والمكشوف من سوريا و “اسرائيل“؟.

*سامح مظهر/ شفقنا