في ذكرى أربعين الإمام الحسين(ع)

في ذكرى أربعين الإمام الحسين(ع)
الثلاثاء ٠١ ديسمبر ٢٠١٥ - ٠٥:١٩ بتوقيت غرينتش

مرت فاجعة كربلاء المؤلمة لتسجل أفجع يوم عرفه التأريخ، وأن مأساة كربلاء أمثولة كل متاس في دنيا الفجائع والاحداث. وفجعت كربلاء يوم انتهت المعركة لتبتدئ مسيرة الطف من جديد وتدك هذه الأرض التي انتقلت إلى أرض الشام بعد أن تواصلت تلك الأنفاس بصبر النفوس التي لم تخذل.

الاربعون..هو اليوم العشرون من شهر صفر، وفيه وصلت عائلة الإمام الحسين عليه السّلام إلى كربلاء قادمين من الشام، وهم في طريقهم إلى المدينة المنوّرة..العشرون من صفر، موعد مع ذكرى المواساة لسبايا بيت النبوة والرسالة عليهم السلام، موعد مع احياء ذکری أربعينية قبلة الثوار وابا الاحرار وسيد الشهداء الإمام الحسين واهل بيته الاطهار وصحبة الابرار عليهم السلام، في هذه الذكرى التي نراها حاضرة بكل مأسيها وعلى مر السنين يتجدد العبق الكربلائي في قلوب عشاق الحسين ومحبيه. أربعينية الحسين تجدد فينا ذكريات مفجعة ولكن الحسين عليه السلام طرزها بالفخر والهمة والصلابة. ان هذه الذكرى تدعو إلى الحماس والوثوب لا إلى الاستسلام والحزن والأسى، لاسيما وقد تكالبت علينا اليوم كل القوى الاستكبارية وعملائها الاذلاء، فهيات هيات منا الذلة، ونحن تلاميذ مدرسة الحسين مدرسة البطولة والصمود والكرامة والشجاعة. ان أربعينية الحسين (سلام الله عليه)،لا تستدر الدموع والحسرات، وإنما تُلهب العزائم ويُذكيها لقمع الإرهابيين واعوانهم اينما كانوا. ان ذكرى اربعينية الإمام الحسين عليه السلام، تحفز في الحياة نشيد الأمل والتفاني من أجل رفعة الإسلام وتهز النفوس للتغيير والاستعداد لظهور الامام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف، فهي مقدمة وارضية لذلك اليوم الموعود.
ولم ينته ذلك التاريخ الذي بقي يفسّر لنا معنى الجهاد ومعنى استعادة تلك الذكرى ويوم الأربعين بالذات كما ورد عن أبي ذر الغفاري وابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم "ان الأرض لتبكي على المؤمن أربعين صباحاً بالسواد والشمس بكت عليه أربعين صباحاً بالكسوف والحمرة والملائكة بكت عليه أربعين صباحاً وما اختضبت امرأة منا ولا أدهنت ولا اكتحلت ولا رجلت حتى أتانا رأس عبيد الله بن زياد ومازلنا في عبرة من بعده". لذا فأن إقامة المآتم عند قبره الشريف عليه السلام، في كل سنة تجديداً لذلك العهد إنما هو إحياء لتلك النهضة الحسينية وتعريف بعمق المصيبة حيث أولئك النخبة من العظماء والأبطال الذين ساروا في مسيرة الزمن مشدودي الخطى نحو رايات العزّة والشموخ..ومع الأربعين يتجدد اللقاء مع نهضة سيد الشهداء وقد فاز مع أصحابه الميامين بالخلود الأبدي في جنات النعيم.. وبقي النزيف المضيء يلتحف الذاكرة.. حيث كربلاء الرمز وجسد الحسين عليه السلام وأصحابه وروح التحدي.. لذا فقد ذكر الإمام الحسن العسكري عليه السلام علامات المؤمن خمس "صلاة إحدى وخمسين وزيارة الأربعين والجهر ببسم الله الرحمن الرحيم والتختم باليمين وتعفير الجبين" لذا فأن تأبين أبي عبد الله الحسين عليه السلام، في الأربعين إنما هو علامة من علامات المؤمن حتى أن إقامة المأتم في يوم الأربعين تشكّل أهمية تلك الزيارة المخصوصة لسيد الشهداء تعبيراً عن الولاء المطلق وتجديداً للعهد إليه عليه السلام. فتأبين سيد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام، بهذه المناسبة أي الأربعين إنما هو تعبير عن الولاء والمشايعة وإحياء للنهضة الحسينية بكل مفرداتها، وتجديد الذكرى لوفاء الامام الحسين واهل بيته وصحبه الأبرار للرسالة المحمدية ولمقصد سام وغاية ربانية نبيلة، لان الحسين عليه السلام حياة لاتموت ولأنها ولدت لتبني وتبدع، وهي ثورة وعطاء لمستقبل زاهر بايدي المكافحين والثائرين. الأربعون ذكرى دمٌ قد أطاح بكلّ العروش الظالمة، وهو قذيفة في وجه كل جبّار متغطرس، وهو خلود وعطاء لكل الأجيال.. وهي قوة لمواجة التحديات الكبرى التي تلف حياة الامة. عادت هذه الذکری کما في کل السنوات... تُبكي صاحب العصر والزمان (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، تلهب نفوس الموالين بالأحزان، تلفح بحر البيداء قلوباً أضحى النصر محجّتها، ونيل المعالي على نهج الحسين (سلام الله عليه) قبلتها.. في أربعينية سيد الشهداء عليه السلام في كل عام، تلتهب هذه الشعلة الحسينية في قلوب المحبين والعاشقين، لتبقى الحرارة المتجددة التي لن تبرد أبدا. وتقترن اسم السيدة الطاهرة عقيلة الهاشمين السيدة زينب بنت الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهما السلام، مع هذه الذکری الأليمة لانها کانت (سلام الله عليها) لها الدور البطولي في ذاك العصر، حيث كانت الصوت الثائر على الظلم والطغيان الى جانب صوت ابن اخيها وامامها، الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام، ومن هنا انطلقت مواكب الکرامة والعزة وايقاظ الضمائر الميتة.
وقد ورد في کتب السيرة بان عَطا قال: كنت مع جابر بن عبد الله الأنصاري يوم العشرين من صفر، فلمَّا وصَلنا الغاضرية اغتسل في شريعتها، ولبس قميصاً كان معه طاهراً، ثم قال لي: أمَعَكَ من الطيب يا عَطا؟ قلت: معي سُعد. فجعل منه على رأسه وسائر جسده، ثم مشى حافياً حتى وقف عند رأس الحسين عليه السلام، وكَبَّر ثلاثا، ثم خرَّ مغشياً عليه، فلما أفاق سَمِعتُه يقول: السلام عليكم يا آلَ الله (بحار الأنوار).
وكان يزيد قد أمر بِرَدِّ سبايا الحسين عليه السلام، إلى المدينة، وأرسل معهم النعمان بن بشير الأنصاري في جماعة. فلمَّا بلغوا العراق، قالوا للدليل: مُر بنا على طريق كربلاء، وكان جابر بن عبد الله الأنصاري، وجماعة من بني هاشم قد وردوا لزيارة قبر الإمام الحسين عليه السلام. فبينا هُم كذلك إذ بِسَوادٍ قد طلع عليهم من ناحية الشام. فقال جابر لعبده: اِنطلق إلى هذا السواد وآتِنَا بخبره، فإن كانوا من أصحاب عُمَر بن سعد فارجع إلينا، لعلَّنا نلجأ إلى ملجأ، وإن كان زين العابدين عليه السلام، فأنت حُرٌّ لوجه الله تعالى. فمضى العبد، فما أسرع أن رجع وهو يقول: يا جابر، قمْ واستقبل حرم رسول الله  صلى الله عليه وآله، هذا زين العابدين قد جاء بِعَمَّاته وأخواته. فقام جابر يَمشي حافي الأقدام، مكشوف الرأس، إلى أن دنا من الإمام زين العابدين عليه السلام، فقال عليه السلام: أنْتَ جَابِر؟. فقال: نعم يا بن رسول الله. فقال الإمام عليه السلام:( يَا جَابر هَا هُنا واللهِ قُتلت رجالُنا، وذُبحِت أطفالُنا، وسُبيَتْ نساؤنا، وحُرقَت خِيامُنا). وفي كتاب الملهوف: إنهم توافوا لزيارة قبر الحسين عليه السلام في وقت واحد، وتلاقوا بالبكاء والحزن، وأقاموا المأتم، واجتمع عليهم أهل ذلك السواد، وأقاموا على ذلك أياماً ( أعيان الشيعة ).
فسلام عليه وعلى الائمة الهداة الميامين من آبائه وأنبائه، سلاما دائما مع الخالدين.

• محمد بسطامي