أوروبا بين الفاشية والوهابية

أوروبا بين الفاشية والوهابية
الثلاثاء ٠٨ ديسمبر ٢٠١٥ - ٠٥:٠٨ بتوقيت غرينتش

يبدو ان اوروبا استيقظت بعد سبات “مادي” عميق، اثر تلطخ شوارع مدنها بدم ضحايا الارهاب الوهابي، الذين تساقطوا على وقع التفجيرات الانتحارية واطلاق النار العشوائي على مواطنيها في الشوارع والمسارح والمقاهي، بعد ان كانت تعتقد ان هذه المشاهد خاصة بجغرافيا الشرق الاوسط.

يبدو ان صوت التفجيرات في قلب اوروبا، ومساحة الأرض الذي غطتها الدماء هناك، جعلت المسؤولين في اوروبا، يعيدون حساباتهم، التي كانت تدور دائما حول كيفية الحصول على النفط السعودي الرخيص، وعقد صفقات الأسلحة بمئات المليارات من الدولارات مع الأنظمة الرجعية المتخلفة وفي مقدمتها النظام السعودي، دون الاعتناء بالسرطان الوهابي الذي كان يتمدد شيئا فشيئا الى ربوعها، لذلك اخذت اصوات حكيمة ومسؤولة في اوروبا ترتفع، وتنادي الى وضع حدود للجشع الأوروبي، الذي شل حتى أجهزة الاستخبارات الاوروبية، التي كانت تتغاضى عن السرطان الوهابي المدعوم سعوديا، والذي نخر عقول عشرات الالاف من الشباب المسلم في اوروبا، وحولهم الى قنابل موقوتة.
بعد فرنسا التي ضربتها الوهابية بدأت، السلطات هناك بإغلاق المساجد الممولة من السعودية، والمسؤولة عن نشر الفكر الوهابي الهدام، أغلقت بلجيكا اكبر مسجد في العاصمة بروكسل، والذي استأجرته السعودية لمدة 99 عاما دون مقابل، والذي تحول الى اكبر مركز للترويج للوهابية الظلامية في بلجيكا، وقررت بريطانيا وايطاليا والعديد من الدول الأوروبية الأخرى السير على ذات المنهج، بعد ان تبين لهم، ان الوهابية هي الخطر المميت الذي يهدد المجتمعات الاوروبية.
أكثر المواقف الأوروبية صراحة وصرامة، ازاء الوهابية، وضرورة استئصالها من اوروبا، فجاءت من المانيا، البلد الأوروبي الأكثر حساسية من باقي الدول الاخرى ازاء الافكار المتطرفة والمتعصبة والعنصرية والهدامة، بعد تجربتها المرة والقاسية مع الفاشية، حيث أخذت الأصوات تتعالى للتصدي للوهابية مع تم ويتم التصدي للفاشية الجديدة واليمن المتطرف في المانيا واوروبا.
اول من دق ناقوس الخطر الوهابي في المانيا كان جهاز الإستخبارات الاتحادية الألماني (بي.إن.دي ) الذي أعرب في بيان علني ونادر من نوعه عن قلقه من السياسة الخارجية المتهورة للسعودية في المنطقة، والمتمثلة بمساندتها للمجموعات المسلحة في سوريا، واستعدادها لخوض مزيد من المخاطر في اطار تنافسها الاقليمي، وحمل البيان السعودية مسؤولية الأحداث التي تشهدها سوريا والبحرين والعراق، كما سلط البيان الضوء على ترسيخ ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لأقدامه في السلطة، محذرا من المخاطر التي قد تحل من تركيز السلطات في أيدي الأمير محمد بن سلمان.
رغم ان الحكومة الالمانية وبخت جهاز الاستخبارات الاتحادية (بي.إن.دي)، معتبرة البيان لا يمثل وجهة نظر الحكومة الالمانية، الا ان نائب المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ووزير الاقتصاد الألماني زيجمار جابرييل، وبعد ذلك بوقت قصير جدا، حذر السعودية من تمويل التطرف الديني في ألمانيا، وقال جابرييل الذي يشغل أيضا منصب رئيس الحزب الاشتراكي الديمقراطي الشريك بالائتلاف الحاكم في تصريحاته لصحيفة “بيلد أم زونتاج” الألمانية الأسبوعية: ان تمويل مساجد وهابية في جميع أنحاء العالم يتم من المملكة العربية السعودية. وهناك الكثير من الإسلاميين الذين يشكلون خطرا ويأتون إلى ألمانيا من هذه المجتمعات.
وفي تصريح لافت وغير مسبوق لمسؤول اوروبي كبير قال جابرييل:”إنه يتعين علينا أن نوضح للسعوديين أن فترة التغاضي مضت”، وطالب باتخاذ إجراء حاسم ضد المساجد السلفية الوهابية في ألمانيا، معتبرا الوهابية ليست أقل خطورة من التطرف اليميني.
ومن جانبه حذر رئيس الكتلة البرلمانية للحزب الاشتراكي الديمقراطي توماس أوبرمان من انتشار الوهابية في ألمانيا، بسبب تمويل السعودية للمساجد الوهابية، حيث دعا في تصريحات لصحيفة “فيلت أم زونتاج” الألمانية الأسبوعية في عددها الصادر اليوم الى ضرورة “أن تكون هناك مراقبة دقيقة لهذه المساعي من خلال حماية دستورية”، فالوهابية هي ايدولوجية داعش وتسهم أيضا في تطرف مسلمين معتدلين في دول أخرى، وهو ما لا تحتاجه المانيا ولا ترغب فيه، وفقا لتعبير اوبرمان.
الصوت الأعلى المحذر من مخاطر الوهابية في المانيا كان لرئيس الكتلة البرلمانية لحزب الخضر الألماني المعارض، أنطون هوفرايتر، الذي طالب الغرب بفرض عقوبات اقتصادية على السعودية، وقال في تصريحات لصحيفة “زاربروكر تسايتونج” الألمانية ان السعودية: “ليست فقط ديكتاتورية وهابية، يتعرض فيها المخالفون للرأي بشدة للقمع وحتى للقتل. السعودية تدعم أيضا الإيديولوجية الوهابية بأموال كثيرة في جميع أنحاء العالم”.
ان كراهية الاخر، والتحريض على القتل لمجرد الاختلاف، وممارسة القتل بدوافع عنصرية وشوفينية ودينية ومذهبية، تعتبر القاسم المشترك بين الفاشية والوهابية، وهذا الامر هو الذي الذي جعل النخب السياسية في المانيا، تدق ناقوس الخطر، وتعلن ان المجتمع الالماني والاوروبي، مهدد مرة اخرى بايدولوجية ظلامية عنصرية، مدعومة من نظام سياسي قبلي ومتخلف، وهذا التحذير يُحسب للنخب الالمانية عندما لم تفرق بين السعودية والوهابية، فلولا السعودية لما كانت الوهابية، ولكن رغم ذلك لابد من ان تعمم الظاهرة الالمانية على اوروبا كلها والعالم، لتقف الحكومات امام مسؤوليتها، في حماية مجتمعاتها من السرطان الوهابي قبل ان يستفحل.

• سامي رمزي - شفقنا