النمر قضى واقفا.. وعاش قوم وهم في الناس أموات!

النمر قضى واقفا.. وعاش قوم وهم في الناس أموات!
الأحد ٠٣ يناير ٢٠١٦ - ٠٦:٢٨ بتوقيت غرينتش

عندما يعيش الأنسان بعيدا عن قيم السماء والسنن الكونية والنواميس الإلهية يلجأ الى صرف الحسابات المادية، محاولا من خلالها كسب المزيد من المنفعة وتلافي الضرر.. وهنا، قد تكون حساباته موفقة أو لا تكون.

أبعاد العامل الغيبي أو القيمي من التحرك السياسي، يعد جزءا من هذه النظرة المادية التي لا تعترف بنحو معين بالقدرة الالهية وقوانين السماء.. حتى تحولت مقولة " الله أقوى من في السماء واميركا أقوى من في الارض" جزءا من الواقع الذي يفرضونه علينا لدى بعض شرائح امتنا وللاسف الشديد، تصور مادي تركنا معه قوانين وسنن إلهية، مثل: { إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم } و{ وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى } و{ إن الله يدافع عن الذين آمنوا...} و{ إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الاشهاد } و{ حتى إذا استيئس الرسل وظنوا انهم قد كذبوا جاءهم نصرنا...}، وعشرات الآيات التي أسقطها كثيرون من حساباتهم في الحياة.

الشيخ نمر باقر النمر، والذي قضى نحبه يوم أمس 2الثاني من يناير(2016) على يد سجانه الوهابي التكفيري المجرم، كان خروجا على السياق العام في التعاطي مع الموقف، كما هو الحال في تيار وجبهة المقاومة، الأقل عدديا قياسا باكثر من مليار ونصف المليار مسلم.. كما كانت الثورة الاسلامية في ايران خروجا على النظام العالمي (نظام القطبين حينها) وكما ان حزب الله في لبنان يعد خروجا على المألوف الطائفي، وكما المقاومة في فلسطين خروجا عن نسق التسوية والاستسلام أمام العدو الصهيوني.. وهكذا شباب الربيع والثورة في كل البلاد العربية من البحرين الى تونس، يعدون خروجا على الواقع المؤلم والمتخلف، الذي يقول بالخنوع للأمير والرئيس والملك والسلطان والحاكم الجائر وان ضرب ظهرك بالسوط!

نمر باقر النمر قضى واقفا، في زمن الانبطاح أمام الواقعية السياسية التي لازال البعض يلوكها.. ومضى شهيدا.. وبقي حيا بنص القرآن الكريم { ولاتحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون}.. لأنه مارس أرقى وأعظم انواع الجهاد، وهو "كلمة حق عند سلطان جائر".
صرخ في وجوههم الكالحة واستفزهم في مضاجعهم الوسخة ووجه صفعة على نواصيهم سيبقى دويها مدى التاريخ.. لم يهب كونه من أقلية مذهبية ومواطن من الدرجة الثانية كما يرونه في مملكتهم.

ولإن الذين يحكمون ذباحين يفتخرون بالسيف على نظامهم القبلي، وإن ورائهم جيش من وعاظ السلاطين ولاعقي قصاع الامراء.. من الذين يقلبون الحق باطلا وبالعكس باشارة من السلطان او بهمسة أذن (لان بعضهم اعمى الله عينيه ايضا).

نعم نمر باقر النمر لم يسقط الى الارض وان غيَب قبره الشريف، بل صعد الى السماء مضرجا بدمه الطاهر، وترك لنا من دمه ليرى ماذا سنفعل به؟! ندفنه في التراب ام نجعله زيتا لواقع ومستقبل مشرق.. ننير به دربنا او نلطخ به جباهنا ونندب في تراجيدية مملة صاحبه.. وامامنا أسوة في ذلك ابنة امامنا الذي ننسب انفسنا له، زينب بنت علي بن ابي طالب (عليهم السلام) التي صرخت بوجه الطاغية يزيد: أما علمت أن القتل لنا عادة وكرامتنا من الله الشهادة.. فوالله لا تمحو ذكرنا ولا تميت وحينا.. وما جمعك الا بدد وايامك الا عدد.

والشيخ النمر من الذين يصدق عليهم القول:
قد مات قوم وما ماتت مكارمهم... وعاش قوم وهم في الناس اموات

لان هؤلاء لم يسقطوا الحسابات الالهية في حياتهم ومن عقولهم، لم يستوحشوا طريق الحق لقلة سالكيه كما يقول الأمام علي (عليه السلام)، فكانوا رمزا يحتذى بهم، واستمروا مشاعلا في طريق الحق.. يبددون الظلمات ويشعَون نورا لمن تلاهم في المسير.

ولماذا نبتعد في التاريخ الذي قد يرى البعض صعوبة في قبوله.. ألم يقاوم اليمن وشعبه الطيب كل صواريخ ورصاصات وقنابل العدوان السعودي الاميركي وهو لا يملك شيئا يذكر في ميزان القوة العسكرية.. ولا زال يقاوم منذ اكثر من تسعة شهور هذا العدوان الذي شارك فيه جميع مرتزقة العالم من كولومبيا الى اندونيسيا وجيوش الرجعية العربية والاسلامية.. شاركت فيه طائرات التورنيدو واف 15  واف 16 واف 18 والميراج والصواريخ الذكية والغبية واكثر دبابات ومدرعات العالم تطورا واحدث البارجات الحربية.. فرد عليها اليمنيون، بتوشكا وقاهر-1- وصواريخ محلية الصنع لا يتجاوز مداها 15- 18 كيلومترا، لكنها كانت مثالا لقوله تعالى {وما رميت إذ رميت، ولكن الله رمى }.. ولا يزال اليمنيون المؤمنون المقاومون يمرغون انوف فراعنة البترودولار وامراء الرمال في وحل الهزيمة.. وما غزة أيضا ببعيدة علينا حيث سحق المقاومون الابطال الجيش الذي سمى نفسه بسبب ضعف العرب وخيانة حكامهم بالذي لا يقهر!

وبالطبع فان الحديث عن الحسابات الربانية لا يقضي تجاهل السنن الكونية وشروط التحرك والانتصار والنجاح، لانها جزء من القانون الذي وضعه الباري عز وجل.. لذلك قال تعالى {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل..} والقوة هنا من المقولات الواسعة التي تشمل العلم والاقتصاد والاجتماع والاعلام والقضايا العسكرية بالطبع، لانها من رباط الخيل الذي اشارت له الآية بشكل خاص.

إن المملكة الوهابية السعودية، ومن يقف خلفها سعت في البداية الى عسكرة الاحتجاجات في شرق الجزيرة العربية وخاصة تلك الموجة التي قادها الشيخ الشهيد النمر.. فاستفزت أهل العوامية باكثر من عملية عسكرية دون جدوى وفي اعتقال الشيخ النمر مارست أسلوبا همجيا لاثارة رد فعل يمكن من خلاله ضرب الحراك الجماهيري في الاحساء والقطيف، وايضا دون جدوى.. ولانها لم تستطع ان توجه للشيخ الشهيد أية تهمة في العنف والارهاب الذي تمارسه هي بحق من يختلف معها، فقد اعلنت عن اعدامه مع ثلاثة من اتباع مدرسة اهل البيت (عليهم السلام)، مع 43 ارهابي وهابي ينتمون الى مدرستها الفكرية والعقدية.. سعيا منها الى اتهامه بالارهاب الذي تمارسه هي وعقيدتها المنحرفة، على قاعدة "رمتني بدائها وانسلت!".

لذلك فان الثأر للشيخ النمر يجب ان يبتعد عن الانفعال، رغم ان حكومة آل سعود لا تفهم الا القوة ولا تذعن الا الى تمريغ انوف امرائها بالتراب.. ينبغي ان يتم التأكيد على مواجع هذا النظام الهمجي والعمل على تدمير أسس بنيانه المعوج من أجل اقتلاعه جذريا وتخليص العالم من شروره.. لانه مع وجود هذه الغدة السرطانية الثانية (الى جانب الكيان الصهيوني السرطاني اللقيط) ستبقى المؤامرات مستمرة، تتخذ في كل حقبة وعقد شكلا آخر، خاصة مع تقزم الوضع العربي والاسلامي وتغول المال النفطي القادم من مشيخات الخليج الفارسي والمرتزقة الذين اسقطوا الله عزوجل من حساباتهم وهم بكثرة ـ للأسف ـ في جميع الميادين.

إن رسالة الشيخ الشهيد نمر باقر النمر هي القضاء على الاستبداد والظلم والاستعباد والقهر اينما كان، هذا الظلم والاستعباد الذي تديره اليوم امريكا والكيان الصهيوني والسعودية في العالم ومنطقتنا.. وسط صمت قبور يلف العالم بكل منظماته التي تدعي التحرر وحقوق الانسان، وشعوبه المشغولة باعياد الميلاد! وحكوماته التي هي جزء من منظومة الظلم والاستعباد.

تأكدوا أن هذه الغدة السرطانية علاجها الاقتلاع فقط، لا ينفع معها إلا المبضع والسكين.. وبهما فقط سيتخلص العالم من الرجعية والتخلف والارهاب والقتل والتكفير وكل المساويء والآثام التي يديرها النظام السعودي الوهابي المتخلف.

لكن تذكروا دائما هذا المثل " الذي يقتلك بالسم.. اقتله بالسكر"!.

بقلم: علاء الرضائي