إيران لن تُستدرج الى حرب طائفية

إيران لن تُستدرج الى حرب طائفية
الأربعاء ٠٦ يناير ٢٠١٦ - ٠٧:١٦ بتوقيت غرينتش

عاملان رئيسيان يقفان وراء السياسة الطائشة التي تعتمدها السعودية منذ اكثر من عام ، في التعامل مع قضايا وبلدان المنطقة وخاصة مع ايران ، الاول هو المفاوضات النووية بين ايران ومجموعة 5+1 ومانتج عنها من اتفاق ينهي الحظر الاقتصادي الشامل المفروض على ايران نهائيا ، والثاني وصول قيادة شابة الى سدة الحكم في السعودية.

صحيح ان اهداف السياسة السعودية قبل هذين العاملين كانت هي ذاتها ، الا انها كانت تختفي وراء ظاهر متحفظ ، ولكن تلاقي هذين العاملين اخرجا هذه السياسة من ظاهرها التقليدي ، وجعلاها متهورة بشكل سافر ، فكلنا يتذكر كيف كانت ردة فعل السعودية على المفاوضات التي اجرتها ايران مع امريكا في سلطنة عمان ، فقد رفض وزير الخارجية السعودية السابق الامير فيصل القاء كلمة بلاده امام الجمعية العامة للامم المتحدة ، كما اعتذرت السعودية عن قبول عضويتها في مجلس الامن الدولي ، وما تبع ذلك من تشكيل “كوكتيلات” من التحالفات “السنية” العشرية والثلاثينية والثنائية خلال اقل من عام ، تمخض عنها شن عدوان على اليمن تحت ذرائع واهية ، اتت على ما بناه هذا البلد خلال نصف قرن ، كما تبنت نهجا اكثر تطرفا من امريكا والغرب في سوريا عبر ضخ الاموال والاسلحة للمجموعات المسلحة التي تقاتل الجيش السوري بهدف اسقاط حكومة الرئيس السوري بشار الاسد ، وانفقت مئات المليارات من الدولارات لكسب تاييد الحكومات الغربية والعربية والاسلامية والافريقية لمواقفها ضد ايران ، عبر شراء اسلحة ومنح قروض ومساعدات ، وشنت حربا نفطية ضد ايران عبر اغراق اسواق النفط ، وكانت النتيجة تسجيل الميزانية السعودية لعام 2015 عجزا تجاوز المائة مليار دولار.

يمكن ادراج الرفض السعودي الذي يصل الى درجة العناد لاي حلول سياسية في سوريا واليمن ، بل وافشال كل مسعى اقليمي او دولي يمكن ان يساهم في تسوية هاتين الازمتين ، ضمن السياسة السعودية الصدامية ، التي ترى في استخدام القوة العسكرية والمال ، وسيلة يمكن ان تحقق بها اهدافها في المنطقة ، بعد ما اعتبرته “خيانة” تعرضت لها من حليفتها الاقوى امريكا.

“الخيانة” الامريكية من وجهة نظر السعودية ، لم تكن سوى “رفض” امريكا تحقيق الامنية الكبرى والوحيدة للسعودية ، والمتمثلة بشن هجوم عسكري ساحق ماحق ينتهي بتدمير ايران بشكل نهائي ، بينما الحقيقة التي لا تريد السعودية الاعتراف بها هي ان حلفيتها الاقوى ، ما كانت لتجلس وتتفاوض مع ايران ، لو كان بمقدورها اخضاع ايران بالقوة العسكرية ، لذلك لم يكن هناك اي “رفض” بل “عجز” امريكي ، وقد اعترف الرئيس الامريكي باراك اوباما نفسه بهذا العجز وبشكل علني عندما قال انه يتمنى ان يفك آخر مسمار في البرنامج النووي الايراني ، ولكن مثل هذه الامنية لا يمكن ان تتحقق.

الامنية السعودية ب”تدمير” ايران ، اشار اليها وزير الدفاع الأمريكي السابق روبرت غيتس، في مذكراته التي جاءت تحت عنوان، “الواجب..ذكريات وزير دفاع”، حيث كتب يقول عن لقاء له مع الملك السعودي السابق عبد الله بن عبد العزيز عام 2007 ، “ان الملك عبدالله طالبه بأن تشن واشنطن هجوما عسكريًا شاملا على أهداف عسكرية في ايران وليس فقط على الأهداف الايرانية التي تحوم الشكوك حول كونها مصانع للتسلح النووي. وهدد الملك السعودي، خلال هذا اللقاء، بانه اذا لم تشنّ أمريكا هذا الهجوم العسكري فان السعودية ستتخذ الأجراءات من جانبها وباستقلال عن القرار الأمريكي، للدفاع عن مصالحها”.

"الاجراءات التي هدد باتخاذها الملك السعودي عبدالله حينها ضد ايران ، هي التي يتم تنفيذها حاليا من قبل السعودية ، تحت قيادة محمد بن سلمان ، فكل هذه الاجراءات تهدف بالنهاية توريط امريكا في مواجهة عسكرية مع ايران."

الاجراءات التي هدد باتخاذها الملك السعودي عبدالله حينها ضد ايران ، هي التي يتم تنفيذها حاليا من قبل السعودية ، تحت قيادة محمد بن سلمان ، فكل هذه الاجراءات تهدف بالنهاية توريط امريكا في مواجهة عسكرية مع ايران ، عبر استدراج طهران الى مواجهة مع السعودية ، التي لا تنفك ومنذ اكثر من عام تستفز ايران بشكل صارخ ، عبر استخدام الخطاب الطائفي وتشكيل تحالفات “سنية” في مواجهة “ايران الشيعية” ، واخر هذه الاستفزازات الطائفية الكريهة ، كانت جريمة اعدام العلامة اية الله الشيخ نمر باقر النمر ، التي لم يكن لها اي مبرر ، سوى النفخ في نار الفتنة الطائفية ، التي ترى فيها السعودية بابا كبيرا يمكن ان يفتح المنطقة على مواجهة عسكرية مع ايران.

"من حسن حظ شعوب المنطقة ، ان القيادة في ايران على معرفة تامة بنوايا واهداف السعودية ، لذلك نراها تتجنب اي مواجهة عسكرية مع السعودية ، لا خوفا من المواجهة لا مع السعودية ولا مع امريكا ، بل حرصا منها على عدم اعطاء الذرائع لاعداء العرب والمسلمين."

من حسن حظ شعوب المنطقة ، ان القيادة في ايران على معرفة تامة بنوايا واهداف السعودية ، لذلك نراها تتجنب اي مواجهة عسكرية مع السعودية ، لا خوفا من المواجهة لا مع السعودية ولا مع امريكا ، بل حرصا منها على عدم اعطاء الذرائع لاعداء العرب والمسلمين ، لجر المنطقة الى اتون الفوضى الذي تتمناها الصهيونية العالمية ، رغم كل استفزازات السعودية ، حتى ان القيادة الايرانية لم ترد على التصرفات السعودية اثر حادث سفارتها في طهران ، الذي جعلت منه السعودية قميص عثمان ، لتأليب الاخرين على ايران ، رغم كل الشكوك التي تحوم حول الحادث ، وتنديد الحكومة الايرانية به وارسالها رسالة بهذا الشان الى مجلس الامن ، حيث قامت السعودية بقطع العلاقات الدبلوماسية مع ايران ، وحرضت بعض الدول العربية لكي تحذو حذوها ، وقادت ومازالت حملة تخويف من ايران.

ومن حسن حظ المنطقة، ان شعوبها تتمتع بوعي يجعلها تميز وبدقة بين النظام السعودي ، صاحب التاريخ المعروف من القضايا العربية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية ، ورافع لواء المذهب الوهابي ، الذي يعتبر عقيدة الجماعات التكفيرية في العالم دون استثناء ، وبين نظام الجمهورية الاسلامية في ايران ، الذي وضع منذ اليوم الاول القضية الفلسطينية على سلم اولوياته ، ودفع ومازال يدفع اثمانا باهظة لموقفه المبدئي والثابت من هذه القضية ، ويكفي هذا النظام فخرا ، انه متهم من قبل امريكا والصهيونية والغرب ، بانه الممول والداعم لجميع حركات المقاومة في المنطقة ، “شيعية وسنية” وفي مقدمتها حزب الله وحماس والجهاد الاسلامي ، لذلك تثق هذه الشعوب ثقة مطلقة ، بإيران وبأنها لن تستدرج الى صراع طائفي مها بلغت الاستفزازات الطائفية السعودية، لانها تؤمن ايمانا مطلقا بالوحدة الاسلامية وبالمصير المشترك للشعوب الاسلامية ، وتتصرف ازاء ذلك بمسؤولية عالية.

* ماجد حاتمي / شفقنا