السعودية والغوص في وحل الإوهام

السعودية والغوص في وحل الإوهام
الأحد ٢٤ يناير ٢٠١٦ - ٠٧:١٥ بتوقيت غرينتش

المتتبع للتصريحات الايرانية والسعودية ازاء العلاقة بين ايران والسعودية، وازاء القضايا الاقليمية، يشعر بالبون الشاسع بين هذه التصريحات التي تعكس ثقة وقوة ورؤية واضحة للاحداث من الجانب الايراني، وخوف وذعر وتخبط وفوضى وانعدام اي رؤية للاحداث من الجانب السعودي، فبينما التصريحات الايرانية تدعو الى التهدئة والتعامل بمسؤولية للحفاظ على امن واستقرار المنطقة، نرى التصريحات السعودية تدعو الى الحرب الطائفية وتشكيل تحالفات عسكرية على اسس مذهبية، دون التفكير بالتداعيات الخطيرة لهذه التصريحات عن امن واستقرار شعوب المنطقة.

السعودية ومنذ ان تولى الملك سلمان وابنه محمد الحكم، والمنطقة تدخل كل يوم في ازمة جديدة، دون اي مبرر سوى هلع ال سعود من كل شيء بسبب تخبط سياستهم ازاء كل شيء وخاصة ازاء التطورات الداخلية في السعودية، حيث يرى الملك سلمان وابنه ان افضل طريقة لاسكات باقي الاصوات داخل اسرة ال سعود والتي تعترض على سياسة الملك الرامية الى تمهيد الارضية لاعتلاء ابنه العرش، عبر اشعال النزاعات والحروب الخارجية.
ان ابن سعود يعيش اوهاما منها امكانية حذف ايران من المعادلة الاقليمية والدولية، وامكانية تحقيق اهدافه بالمنطقة عبرالحروب والمال وشراء الذمم والمرتزقة وتجنيد التكفيريين، بينما الحقائق على الارض تؤكد كل يوم انه يغوص ويغرق في وحل هذه الاوهام، التي دفعه اليها الامريكيون والصهاينة.
خلال عام واحد من حكم ابن سلمان، ورط السعودية في حرب لا افق لها في اليمن اسفرت عن تدمير كل البني التحتية في هذا البلد العربي الابي الفقير، واغرق الأسواق بالنفط، فتدنى سعر النفط الى الحد الذي سجلت الموازنة السعودية عجزا قياسيا، انفق مئات المليارات من الدولارات لكسب ود بعض الدول، ودفع الاخرى الى الحياد، ازاء الحروب التي يشنها على سوريا والعراق والبحرين وليبيا، الامر الذي دفع السلطات السعودية الى سحب 12 إلى 14 مليار دولار شهرياً من الصندوق السيادي، وهو ما سيؤدي الى افراغ الصندوق خلال ثلاث سنوات.
في الوقت سجلت الميزانية السعودية لعام 2015 عجزاً بلغ 98 مليار دولار، وتوقع ان تسجل ميزانية العام الحالي عجزا مماثلا، وما ترتب عن ذلك من خفض الدعم على مواد أساسية وفرض ضرائب لاول مرة، يحاولون تسريب معلومات عبر ما يسمونها مصادر ديبلوماسية، كما ذكرت بعض وسائل الاعلام التابعة للسعودية وقطر، ان السعودية وقطر وتركيا سترسل قواتها البرية الى العراق وسوريا لمحاربة “داعش” !!، بمساعدة امريكية وبريطانية، لتمكين “المعارضة السورية” من السيطرة على الأراضي التي يتم طرد “داعش” منها!!
الملفت ان الاوهام التي تغرق فيها السعودية، اصبحت كالمرض العضال الذي لن تبرأ منه السعودية بوجود القيادة الحالية، التي اصبحت العوبة الى درجة كبيرة بيد امريكا والصهيونية، فهذا الهذيان حول ارسال قوات سعودية الى سوريا، ترشح ايضا عن وزير الخارجية السعودي عادل الجبير الذي اكد امكانية إرسال السعودية قوات خاصة إلى سوريا، في مقابلة مع شبكة “سي .ان. ان” الامريكية، الامر الذي يعني ان هناك جهات تغذي الهلع المرضي لدى ال سعود من اجل الدفع بالاوضاع الى طريق مسدود.
في مقابل هذه المواقف والتصريحات الصبيانية للسعودية، قال وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، وأمام المشاركين في منتدى دافوس، مخاطبا السعودية ألا داعي للقلق وايران هنا للعمل معا، وعليها أن تفهم أن المواجهة مع ايران ليست في مصلحة احد، وأن ايران لاتريد استبعاد احد من المنطقة، مؤكدا أن ايران والسعودية يمكنهما أن يصبحا لاعبين مهمين في المنطقة، وان حقيقة عدم الاستقرار في المنطقة ناشئة من خشية السعودية من عدم وجود توازنات في القوى بالمنطقة، مشيرا الى أن الرياض تعيش الوهم أن بامكانها حذف ايران من معادلات المنطقة بدعم من حلفائها الغربيين.
وهم حذف ايران يقابله وهم سعودي اخر هو فرض اليهمنة على اليمن بقوة السلاح والمرتزقة والتكفيريين، ولكن بعد مرور اكثر من 10 اشهر على العدوان السعودي على اليمن، لم تحقق السعودية ايا من اهدافها، بل زادت الطين اليمني بلة، بعد ان مهدت الارضية امام “داعش” والقاعدة للسيطرة على عدن وعدد من المدن اليمنية.
اما الاهداف التي حققتها “عاصفة الملك سلمان على الشعب اليمني فكانت على النحو التالي:
-  24 ألفا و293 مواطنا منهم ثمانیة آلاف و278 شهیدا و16 ألفا و15 مصابا، جلهم من الاطفال والنساء.
- تدمير 530 طریقا وجسرا و163 خزانا وشبکة میاه و140 محطة ومولد کهربائی و167 شبکة اتصالات و14 مطارا و10 موانئ.
- تدمیر 345 ألفا و722 منزلا و615 مسجدا و810 مدرسة ومرکزا تعلیمیا وتوقف ثلاثة آلاف و809 مدرسة وتضرر 39 جامعة و242 مستشفی ووحدة صحیة و16 مؤسسة إعلامیة.
- تدمير ألف و113 منشآة حکومیة ومرافق عامة و547 مخازنا غذائیا و421 ناقلة مواد غذائیة و276 محطة وقود و271 ناقلات وقود و191 مصنعا و124 مزرعة دواجن و59 موقعا أثریا و41 ملعبا ریاضیا وثمان صوامع غلال.
هذا ولم يفلت من العدوان السعودي حتى مراكز رعاية المكفوفين حيث اعلن نائب المدیر العام التنفیذی لصندوق رعایة وتأهیل المعاقین محمد الدیلمی إن عنایة الله تدارکت 100 طالبا کفیفا كانوا فی السکن الداخلی لمرکز “النور” للکفیفین، عندما قصفته الطائرات السعودية، تحت ذريعة جاهزة ومعدة سلفا، وهي وجود مقاتلي حركة انصار الله في المركز.
الكارثة ان اوهام ال سعود وخاصة سلمان وابنه محمد دفعتهما للارتماء باحضان الصهيونية وبشكل علني، باعتراف المدير العام لوزارة الخارجية الصهيونية دوري غولد الذي كشف النقاب عن أنّ كيانه بات قادرا على الاتصال، تقريبًا، بكل الدول العربية. وكانت وسائل إعلام صهيونية كشفت عن زيارة سرية قام بها مؤخرًا وزير الاقتصاد الصهيوني يوفال شطاينتس لدولة الإمارات العربية، فقد ذكرت القناة الثانية بالتلفزيون الصهيوني أنّ الوزير التقى مجموعة من الجهات، مؤكدة أنّ أبو ظبي وعددًا من “الدول العربية المعتدلة” تجمعهما مصالح مع “إسرائيل” مقابل إيران.
وفي ذات السياق ذكرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» أن دولا “سنية” مهمة ترى أن “إسرائيل” جزءا من الحل وليست جزءا من المشكلة، وتتفق “اسرائيل” في الموقف من إيران . اما صحيفة هآرتس فنقلت عن قائد المستوطنين الأسبق في الضفة الغربية يسرائيل هارئيل أن: الصدع السني الشيعي يخدم مصالح “إسرائيل” الإستراتيجية. وان التطورات الاخيرة في السعودية بعد إعدام الشيخ نمر تشكل فرصة لإنعاش التعاون بين المملكة و“إسرائيل”.
للاسف الشديد ان الاوهام التي يغرق فيها ال سعود، لن تؤدي الى غرق السعودية لوحدها، بل تضر كثيرا بأمن واستقرار بلدان المنطقة برمتها، بسبب اذرعها المؤلفة من “داعش” والقاعدة والجماعات التكفيرية الاخرى، وبسبب الامكانيات المادية التي تمتلكها والتي عن طريقها تشتري ذمم دول ومنظمات، لذلك فالمنطقة مقبلة على احداث في غاية الخطورة، قد تدخلها في نفق مظلم لا تخرج منه الا بعد حروب تحرق الاخضر واليابس، ولكن يبقى هناك امل في ان تقف عجلة الوهم السعودي المتدحرج بفضل حكمة وذكاء القيادة الايرانية، التي لم تنجر مواجهة عسكرية مع السعودية، فهذه المواجهة هي الفخ الامريكي الصهيوني الذي نُصب للمنطقة، من خلال إغراق السعودية في وحل الاوهام.

* سامي رمزي - شفقنا