الرياض تقفل أبوابها بوجه جعجع نهائيا

ماذا يجري بين لبنان والسعودية؟

ماذا يجري بين لبنان والسعودية؟
الثلاثاء ٢٦ يناير ٢٠١٦ - ٠٩:٢٩ بتوقيت غرينتش

مناسبة السؤال هي المقالات الصحافية التي نُشرت في عدد من الصحف السعودية في الأيام الأخيرة، وتضمنت انتقادات مباشرة لموقف "النأي بالنفس" اللبناني في الاجتماعات العربية والإسلامية الأخيرة، وخصوصاً في مواجهة محاولات خليجية لإدانة "حزب الله" بالاسم، على خلفية مشاركته في الحرب السورية.

يتزامن ذلك مع همس في الأروقة اللبنانية المغلقة عن مراجعة سعودية لملف العلاقات مع لبنان وجدوى الدعم السياسي والاقتصادي والمالي للمؤسسات اللبنانية، وخصوصا مؤسسة الجيش اللبناني.

واللافت للانتباه أن الزميل داود الشريان استعاد في مقالة منشورة له، أمس، في الزميلة "الحياة" قيام الرياض بـ"رفع يدها" عن لبنان مع اقتراب صدور القرار الاتهامي للمحكمة الدولية ضد "حزب الله" في العام 2010، "بسبب تراجع الرئيس بشار الأسد عن وعود والتزامات للملك عبدالله بن عبد العزيز"، وأكمل أنه من الصعب التكهن بأن الرياض ستتخلى عن لبنان فجأةً، لكنها ربما لجأت إلى إمساك اليد عن مساعدته، والتشدد في منح اللبنانيين تأشيرات عمل، والتلويح لرجال الأعمال السعوديين بوقف الاستثمار في لبنان، وختم "هل تتفهم القوى اللبنانية خطورة خطف لبنان من محيطه العربي"؟

ما كتبه الشريان كان قد تردد صداه في بيروت في اليومين الماضيين. قيل إن الانفعال السعودي بلغ نقطة اللاعودة. الترجمة عبّر عنها الرئيس سعد الحريري بمهاجمة مواقف وزير الخارجية جبران باسيل في الاجتماعين العربي والإسلامي، لكن الموقف اللافت للانتباه هو موقف رئيس الحكومة تمام سلام الذي هاجم إيران بحدة للمرة الأولى منذ توليه رئاسة الحكومة، وانتقد الموقف غير المنسق لوزارة الخارجية في منظمة التعاون الإسلامي، علما أنه كان "نسخة طبق الأصل" عن موقف لبنان في جامعة الدول العربية بكامل "علم وخبر" رئيس الحكومة!

هنا، يطرح السؤال حول حقيقة المراجعات السعودية والسياسية، وما تكون لدى السفارة اللبنانية في السعودية من معطيات جعلها تقرع "جرس الإنذار"، من دون إغفال حقيقة أن الانفعال السعودي والحريري ترافق مع مناخ لبناني وإقليمي تميزت وقائعه بأنها جاءت عكس المزاج السعودي.

ولعل الاستنتاج الذي توصل إليه السعوديون، وربما متأخراً، أنه برغم احتساب الحكومة الحالية سياسياً عليهم، فإنهم عندما يحتاجونها في ضائقتهم الإقليمية، يجدونها في مكان آخر، وما زاد الطين بلة، أن السعودية "انخرطت" في مبادرة ترشيح النائب سليمان فرنجية إلى رئاسة الجمهورية، ليتبين لها أن خياراً كهذا يمكن أن يصنف إعلامياً بأنه "تنازل سعودي كبير" لدمشق وطهران، لم يكن من الممكن صرفه لبنانياً، ولو أنه بات يشكل "تنازل الحد الأدنى" في حسابات حلفاء فرنجية المحليين والإقليميين الذين قال أحدهم إن هذه المبادرة "عبارة عن سيناريو سعودي يقف خلفه سعد الحريري..".

وبرغم الضغط السياسي الذي مارسه السعوديون على رئيس "القوات" سمير جعجع، فإنه رفض زيارة الرياض ما لم يحدد له موعد في "الديوان"، لأجل الحصول على ضمانات محددة، فكان جوابهم بإهماله ظناً منهم بأنه لن يقدم على خيار تبني ترشيح العماد ميشال عون مخافة أن يفقد الحاضنتين السياسيتين (السعودية والحريرية) اللتين أمنتا خروجه من السجن قبل عقد ونيف من الزمن.

وشكلت "مشهدية معراب" صدمة للسعوديين، حتى أنهم، "منعاً لأي التباس" (مقابلة "العربية" مع جعجع، والتلميح إلى أن ما قام به رئيس "القوات" كان منسقاً مع جهة سعودية ما)، تعمدوا إيصال رسالة لا تحتمل أي التباس ولا يعرف مضمونها أحد سوى سعد الحريري ومفادها "ممنوع دخول سمير جعجع إلى السعودية بعد الآن!".

وشكل قرار محكمة التمييز العسكرية بالإفراج عن ميشال سماحة صدمة قبل ذلك للسعوديين وسعد الحريري، حتى أن الكاتب السعودي المعروف جميل الذيابي كتب قبل يومين في جريدة "عكاظ" مقالة عنيفة بعنوان "كشروا عن الأنياب.. واطردوا الأشرار"، وقال فيه: "تخيلوا حتى بعض عناصر المؤسسة العسكرية (الجيش) التي دعمتها السعودية على مر عقود، أخرجت المجرم ميشال سماحة من سجنه.. علما أن تلك المؤسسة لا تزال تتلقى الهبات والمساعدات والسلاح (السعودي) للقيام بدورها الوطني لا أن تتحول خنجراً إيرانياً".

وبعد أن اعتبر أن لبنان "بات مستعمرة إيرانية"، سأل الذيابي: "ماذا استفادت الدول الخليجية من لبنان سوى الصداع والمشكلات وحلب الجيوب.. والمقابل هو صفر مكعب"؟

وما كتبه الشريان والذيابي مر عليه رئيس تحرير "الشرق الأوسط" سلمان الدوسري بلغة ديبلوماسية، فكتب تحت عنوان "من هم أصدقاء إيران"، قائلا إن جميع الدول الحاضرة في منظمة التعاون الإسلامي "كانت في كفة، وإيران وحدها مع لبنان بالطبع في كفة أخرى".

وفيما يقول أحد المتابعين للموقف السعودي إن حجم الضغط السعودي على "المستقبل" كبير جدا، يضيف مستشهداً بتجربة الرئيس رفيق الحريري "عندما كان ليس فقط أحد أذرعة السعودية في لبنان والمنطقة والعالم، بل كان قادراً على التأثير في الخيارات السعودية لبنانياً وإقليمياً.. والمؤسف أن استشهاده ترك فراغاً لم يملأه أحد من بعده".

من هذه الزاوية صار التلويح بالتعرض لمصالح أكثر من نصف مليون لبناني في الخليج (الفارسي) "يمر مرور الكرام"، على حد تعبير المتابع نفسه، الذي يضيف أن لبنان هو الحلقة الأضعف، "فالسعوديون يتلقون ضربات متتالية في اليمن وسوريا والعراق.. وها هم يكتشفون متأخرين عشر سنوات أن لبنان صار جزءاً من النفوذ الايراني!".

ووفق المتابع نفسه، فإن التهديد السعودي بالانكفاء عن لبنان يساوي اليوم التفريط بالطائف، ويضيف: "اذا أردنا أن نعرف لماذا تبنى سعد الحريري أحد أبرز مرشحي "8 آذار"، فعلينا مراجعة استطلاعات الرأي التي تملكها أكثر من مؤسسة لبنانية وكلها تشي بأن إجراء الانتخابات البلدية والاختيارية في الربيع المقبل سيشكل كارثة لـ"تيار المستقبل" في كل من بيروت وطرابلس وصيدا.. إلا اذا انبرى من يطرح التأجيل لتفادي شرب هذه الكأس المرة أو بادر السعوديون الى فتح صناديقهم بما يكفل إقفال الديون المتراكمة وتمويل الانتخابات الآتية".

"من الواضح أننا أمام مجرد تهويل سعودي برفع اليد عن لبنان، في موازاة المسعى المحموم إقليميا ودوليا لإيجاد تسوية في سوريا، وفي هذه الحالة اذا لم يؤهّل اللبنانيون أنفسهم سياسيا للقطاف الآتي إقليميا بتوافق أميركي ـ روسي غير مسبوق، سيكون لزاماً عليهم أن يدفعوا ثمن الحلول الآتية أو أن يكونوا هم الثمن بكل ما تعنيه هذه الكلمة، كياناً وصيغة وتوازنات" على حد تعبير المتابع للمشهد العربي.

السفير