رسائل من حلب لجنيف: الجيش يكتسح شمالاً ويضع «الطوق» موضع التنفيذ

رسائل من حلب لجنيف: الجيش يكتسح شمالاً ويضع «الطوق» موضع التنفيذ
الثلاثاء ٠٢ فبراير ٢٠١٦ - ٠٧:١٥ بتوقيت غرينتش

في خطوة تسعى إلى تتويج «معركة حلب الكبرى»، فتح الجيش السوري وحلفاؤه أمس جبهة الريف الشمالي. وعلاوة على الأهمية الاستراتيجية الكبرى لتقدم الجيش على هذا المحور، يكتسب توقيت العمليات أهمية إضافية، نظراً إلى مزامنتها مع اكتمال نصاب الحاضرين في «جنيف».

جبهة جديدة فتحها الجيش السوري وحلفاؤه في إطار «معركة حلب الكبرى»، مسرحها هذه المرة الريف الشمالي. ولا تعتبر العملية مفاجئة في حد ذاتها، بل هي في واقع الأمر تحصيل حاصل في إطار خطط الجيش لقلب موازين القوى جذرياً في عاصمة الشمال.

ويبدو توقيت فتح العمليات الجديدة محملاً برسائل سياسية في الدرجة الأولى، خاصة أن معلومات حصلت عليها «الأخبار» قبل أيام كانت قد أشارت إلى يوم الخميس الماضي بوصفه موعداً محتملاً لفتح المعركة. ويبدو أن مزامنة العمليات العسكرية مع اكتمال النصاب في جنيف استدعت تأجيل الساعة الصفر حتى صباح أمس الاثنين. الهجوم الذي شنه الجيش السوري وحلفاؤه أدى حتى مساء أمس إلى السيطرة على قرية دوير الزيتون، وعلى قسم كبير من قرية تل جبّين، وسط استمرار الاشتباكات.

ومن المرجح أن مناطق الاشتباك الجديدة ستشهد معارك استنزاف خلال الأيام القادمة، وسطَ محاولات المجموعات المسلّحة استقدام تعزيزاتٍ إلى المنطقة وشن عمليات مضادة، في محاولة لاستعادة ما تمّت خسارتُه، فيما يُعتبر تثبيت السيطرة ضرورةً حيوية للجيش قبلَ الانتقال إلى مهاجمةِ نقاطٍ جديدة.

كذلك تعتبر التلال والمناطق المرتفعة في المنطقة هدفاً حيويّاً للجيش وحلفائه (مثل تل مصيبين جنوباً، وتل سوسين شمالاً) نظراً إلى ما تمنحه من أفضلية عبر فرض سيطرةٍ ناريّة على طريق بسط السيطرة على مساحات أوسع.

وعلى رأس المكاسب التي تؤمنها السيطرة المستقرة على دوير الزيتون يأتي وصل مناطق سيطرة الجيش في باشكوي بمثيلاتِها في الخطوط الخلفيّة، بحيث تتحول باشكوي من نقطة سيطرة متقدّمة ومنعزلة إلى رأس سهم يصلح لمواصلة العمليات.

ويمنح التقدم الأخير خيارات عدة للجيش وحلفائه في شأن توجيه بوصلة المعارك القادمة، فالانطلاقُ من باشكوي وتل جبّين نحو كلٍّ من حردتنين ورتيان يوفر للجيش رسم نصف قوس على طريق عزل المنطقة كلياً عن العمق الحيوي للمسلحين في أقصى الريف الشمالي، والمفتوح على خطوط إمداد تركيّة. لذلك يمكن لخطط الجيش وحلفائه أن تنحو منحى توسيع السيطرة شمالاً من تل جبّين نحو مسقان، سعياً إلى توسيع النطاق الآمن وتطويق حردتنين.

ويمكن للجيش، أيضاً، أن يختار الانطلاق بشكل مستقيم من باشكوي نحو بيانون التي تعتبر آخر عقبة أمام فك الحصار عن بلدتي نبّل والزهراء، وفي هذه الحالة يمكن لقوّات الدفاع المتمركزة في البلدتين أن تفتح بدورها خطّاً هجوميّاً نحوَ بيانون.

"تتحول باشكوي من نقطة سيطرة متقدمة إلى رأس سهم يصلح لمواصلة العمليات"

وينبغي الأخذ في عين الاعتبار أن السيناريو الأخير سيترك خطوط إمداد المسلّحين مفتوحة من تل رفعت نحو نقاط الاشتباك، على عكس السيناريو الأول.

وتجدر الإشارة إلى أن عمليات الجيش في محافظة حلب، ومنذ بدء «معركة حلب الكبرى»، باتت تولي أهمية قصوى لتثبيت السيطرة والتمترس قبل الانطلاق إلى مهاجمة نقاط جديدة، وهو ما قد يرجّح كفة أحد السيناريوين: الأول أو الثاني.

في المقابل، أعلنت المجموعات المسلحة أمس «النفير العام» في كامل الريف الشمالي. وأكدت مصادر ميدانية معارضة لـ«الأخبار» أن «الإمدادات والتعزيزات التي انطلقت أمس نحو تل جبّين وباشكوي ليست سوى مقدمة لأرتال جديدة تتأهّب للانطلاق».

وتبدو معارك الريف الشمالي مصيرية بالنسبة إلى المجموعات المسلحة، إذ إن نجاح الجيش في إنفاذ خططه هناك سيؤدّي في المرحلة الأولى إلى فصل مناطق سيطرة المسلّحين شمالاً وقطعها في المنتصف، بحيث تغدو المجموعات المسلّحة المتمركزةُ في كلّ من أرض الملّاح، وحريتان، وعندان، معزولة تماماً عن العمق الحيوي في أقصى الشمال، وهو ما سيجعل من نجاح الجيش في إحكام «طوق حلب» في مرحلة تالية أمراً شبه محسوم.

ويعتبر «الطوق» أحد أبرز الأهداف العسكرية التي يسعى الجيش إلى إنجازها في حلب، سعياً إلى عزلِ المجموعات المسلحة المسيطرة على أحياء حلب الشرقية عن أي إمدادات، وحصارها في تكرار لنموذج حمص القديمة.

ومن المنتظر أن تشتمل معركة «الطوق» بطبيعة الحال على عملياتٍ يشنها الجيش في الريف الغربي تستهدف المنصورة، كفر داعل، بابيص وما وراءها، التزاماً بأسلوب تشتيت الجبهات الذي بات الجيش حريصاً عليه. وهو أمر سيؤدي إلى تعطيل أي إمدادات من إدلب عبر الريف الغربي.
ويكمل من صعوبة وضع المسلحين في الريف الحلبي حرص الجيش على مزامنة عملياته هناك مع أخرى يشنها في محيط الباب (ريف حلب الشرقي) أحد أبرز معاقل «داعش»، ما يسهم في تعطيل خطوط إمداد الوقود اللازم لآليّات «جبهة النصرة» وحلفائها
صهيب عنجريني/ موقع الاخبار