الجثث الطافية على بحر إيجة رسالة أردوغان الى أوروبا

الجثث الطافية على بحر إيجة رسالة أردوغان الى أوروبا
الثلاثاء ٠٨ مارس ٢٠١٦ - ٠٨:٢٢ بتوقيت غرينتش

“يقتل القتيل ويمشي في جنازته”، مثل مصري معروف، يُضرب على الشخص الذى يتفنن فى المكر والدهاء، والقدرة على الإيقاع بالآخرين، وجُبل على الخداع والحيلة، ويبدو ان هذا المثل يجد تجسيده وبشكل مذهل هذه الايام في شخص الرئيس التركي رجب طيب اردوغان .

اذا ما مررنا من امام سياسة اردوغان في المنطقة، والتي كانت من اهم اسباب الفوضى التي تضربها، مرور الكرام، فاننا سنجد انفسنا مضطرين للوقوف امام سياسته ازاء تركيا وخاصة مأساة اللاجئين السوريين، الذين باتت صورهم وهم هائمين على وجوههم على ابواب اوروبا، العنوان الابرز في الاعلام العربي والاسلامي والعالمي، فاردوغان كان من ابرز المشاركين في صناعة هذه الماساة الانسانية الكبرى، عندما فتح حدود بلاده مع سوريا ليغزوها الالاف من التكفيريين من اكثر من 80 بلدا في العالم، ويعيثوا فسادا في روابعها، رافضا كل الحلول السياسية، اقتناعا منه ان سقوط الحكومة السورية لا يستغرق سوى اسابيع او ايام، ولكن مرت اعوام ولم تسقط الحكومة السورية، فزاد من عناده وتدخل عسكريا في سوريا في اكثر من مرة دعما للتكفيريين، ومدهم بالعتاد والسلاح، فزاد من مأساة السوريين واطال من امد الحرب، فلم يجد بعض السوريين وخاصة الذين كانوا يعيشون بالقرب من الحدود التركية الا الهروب الى داخل الاراضي التركية، في ظل سياسة الترهيب التي كانت تمارسها العصابات التكفيرية، وسياسة الترغيب التي كان يمارسها اردوغان، عندما رسم للاجئين احلاما وردية تنتظرهم في تركيا وانه سيعاملهم معاملة الشعب التركي وفتح الحدود امامهم، وخاصة في الاشهر الاولى للحرب في سوريا.
وتمر خمس سنوات، فينقلب السحر على الساحر، فلم يتمكن اردوغان من اسقاط الحكومة السورية بالعصابات التكفيرية، ولم تقتنع امريكا ولا الغرب بفكرته في اقامة منطقة “آمنة” شمال سوريا، لتكون بداية لتقسيم سوريا واقتطاع اجزاء منها خاصة في حلب، عندها لم يجد اردوغان الا اللعب بورقة اللاجئين، عندما دفع بهم بمئات الالاف نحو اوروبا، للضغط عليها للقبول بفكرته القديمة في اقامة المنطقة “الامنة”، ولمعاقبتها لانها لم تسايره في سياسته في سوريا بشكل عام وتخليها عن فكرة اسقاط الحكومة السورية.
بعد كل المأساة التي تعرض لها اللاجئون في البحر والبحر بين تركيا واوروبا، لم تغير اوروبا من موقفها الذي اخذ يتناقض مع الموقف التركي ازاء التطورات في سوريا، فتفتقت في ذهن اردوغان اهدافا جديدة بعيدة كل البعد عن سوريا وتطوراتها السياسية والميدانية، فالرجل اخذ يبتز الغرب بورقة اللاجئين، من اجل الحصول على اموال الضغط اضافية، والضغط من اجل تسهيل عملية انضمام تركيا الى اوروبا، بعد ان وصلت سياسته نحو الشرق الى طريق مسدود، بسبب نفسه الطائفي الواضح.
اردوغان ارسل رئيس وزرائه داود احمد اوغلو الى العاصمة البلجيكية بروكسل يوم الاثنين 7 اذار/ مارس، من اجل الحصول على اموال اضافية، وبحث انضمام بلاده الى الاتحاد الاوروبي، ويبدو ان اوروبا استجابت للطلب الاول، الا انها ظلت على موقفها القديم من المطلب الثاني، وهو الرفض.
تم تسريب مسودة اقتراح ستطرح في اجتماع اوغلو بالمسؤولين الاوروبيين، تشمل عرض الاتحاد الأوروبي على تركيا ثلاثة مليارات يورو (3.3 مليار دولار) إضافية حتى نهاية 2018 لمساعدتها في إيواء السوريين وهو ضعف المبلغ المعروض سابقا، بالاضافة الى تسهيل الاتحاد الأوروبي الإجراءات المطلوبة من الأتراك للحصول على تأشيرة دخول إلى دول منطقة شينجن بنهاية يونيو حزيران أي قبل الموعد المحدد سلفا لهذا الأمر.
يبدو ان مشهد المئات بل الالاف من الجثث الطافية للاطفال والنساء والشباب السوريين على مياه بحر ايجة، لم يكن سوى رسالة وجهها ارودغان الى اوروبا، التي قرأت الرسالة بشكل جيد فارسلت المليارات اليه، وسهلت للاتراك الحصول على تاشيرة دخول الى دول منطقة شينغن .. ولكن يا ترى هل سينسى السوريون الرجل الذي قتلهم ومشى في جنازتهم؟!!!.
• هاشم مراد خان - شفقنا

208