الشيخ حسين الراضي.. الصوت الذي كسر عصا المملكة

الشيخ حسين الراضي.. الصوت الذي كسر عصا المملكة
الثلاثاء ٢٢ مارس ٢٠١٦ - ٠١:٢٩ بتوقيت غرينتش

لا تشبه الظروف التي تعيشها المملكة السعودية، ظروف دول المنطقة رغم تعقيداتها. المملكة التي تُشعل حروب الخارج، تكمم أفواه الداخل تحت سطوة السيف. فاجعة قطع الرؤوس التي قضى فيها الشيخ نمر باقر النمر وشبان آخرون في بداية العام الجاري، يستفيد منها النظام لبث الرعب وإسكات الأصوات.

في ظل هذا المشهد المظلم، اخترق صوت من الأحساء، جدار الخوف. أسقط صوت الشيخ حسين الراضي هيبة السيف وعرّى منطق الغلبة وكسر العصا التي تلوح بها المملكة... الصورة هنا من شأنها أن تفسر لماذا أقدمت القوات السعودية على اعتقال الشيخ الراضي، بعد تهديده.

من يفهم تعقيدات المشهد الداخلي في السعودية، يُدرك ما يعنيه أن تخرج مواقف بهذه الجرأة من الإحساء. أن تعرف طبيعة المنطقة وأهلها، فإن ذلك من شأنه أن يمكّنك من فهم لماذا يُقال إن مواقف الشيخ حسين الراضي وجرأته تشكل ظاهرة فريدة، ولو أنها أتت بعد مرحلة الشيخ الشهيد نمر باقر النمر، الجرأة المنقطعة النظير والتي كان مسارها محتوماً: لا شيء أقل من الشهادة!

من هو الشيخ حسين الراضي؟
هو الشيخ حسين علي راضي، من مواليد الأحساء عام 1951م. وهو أحد أبرز علماء الشيعة في الأحساء الواقعة جنوب شرق السعودية، وإمام مسجد الرسول الأعظم (ص) بالعمران في محافظة الأحساء.

في عمر الخمس سنوات بدأ الشيخ الراضي دراسته في ما يسمى بـ "الكتاتيب" لتعلم القرآن الكريم، والتحق في السابعة من عمره بالمدارس النظامية، وفي سن الحادية عشرة من عمره ترك الدراسة لتهيئة الأجواء النفسية والعائلية والمادية للذهاب إلى النجف الأشرف، إلى أن تحقق له ذلك في عام 1967م.

في النجف الأشرف، درس على يد أبرز المرجعيات الدينية. وعام 1980م، انتقل الشيخ الراضي إلى قم واستكمل دراسته في البحث الخارج، لينتقل بعدها إلى التدريس، وله مؤلفات وتحقيقات مهمة.

مواقفه الجريئة...
رغم مشاركته في تظاهرات العام 2011 التي خرجت في الأحساء إلى جانب الشيخ توفيق العامر المعتقل منذ تلك الفترة، لم يُعرف عن الشيخ الراضي أنه غاص في السياسة. لفترة طويلة، ظلت خطبه ومواقفه في إطار مسار خاص اهتم به، برز من خلال خطاب كان يركز على مفهوم الوحدة الإسلامية. ويرى من يعرفه أن"استقلالية الشيخ الفكرية التي تبناها من خلال بحوثه الشخصية تؤكد استقلاليته السياسية".

مؤخراً، تحديداً بعد العملية الاجرامية التي أقدمت عليها السعودية بإعدام الشيخ نمر النمر وعدد من الشبان، برز موقف الشيخ حسين الراضي الجريء.  وفي وقت كان الإعلام السعودي يبارك إعدام الشيخ النمر ويصفه بالإرهابي، نعى الشيخ الراضي الشهيد من على منبر جمعة مسجد الرسول الأعظم (ص) ووصفه بأنه "المظلوم الشهيد المجاهد شهيد الحرية والكرامة" وبـ "شيخ الشهداء"، مستنكراً إعدام الشهيد النمر ضمن المجموعة الإرهابية التي قتلت وفجرت في الناس.

وتساءل الشيخ الراضي عن أسباب إعدام الشيخ الشهيد، قائلاً: "هل أعدمته (السلطة) لأنه سبها وتطاول على شخصياتها؟ أو لأنه انتقدها في تصرفاتها في بيت المال بلا حساب ولا كتاب؟ أو العلاقات الداخلية والخارجية والتمييز الطائفي والمذهبي؟" و لأنه طالب بجملة من الحقوق له وللشعب وطالبها بالعدل والإنصاف، أو لأنه طالب بمظاهرات سلمية للاحتجاج على بعض الأمور التي لا ترتضيها؟"

وانتقد الشيخ الراضي إقدام الحكومة على منع المظاهرات والمعاقبة عليها وسياسة تكميم الأفواه ومنع الشعب من أن يعلن آراءه في القضايا المختلفة، "ومن يفعل خلاف رأيها فليس له إلا السجن أو الإعدام"، وفق قول سماحته.
المملكة منبع للتكفير... وتؤمن به كدين

بتاريخ 29 كانون الثاني/يناير 2016، وفي موقف لافت دعا سماحته إلى إيقاف الحرب على اليمن رافضاً التبرير لها، متسائلاً: "هل يجوز التحالف مع أميركا وغيرها لتدمير اليمن واليمنيين؟!"

وعلق على "الانتخابات الشرعية النزيهة" التي تدعي السعودية أنها تسعى إلى  تطبيقها في اليمن بقوله إن "فاقد الشيء لا يُعطيه"، في إشارة إلى المشاركة السياسية والإرادة الشعبية المغيبة تماماً في داخل المملكة، لصالح عملية انتقال بالحكم تجري بالوراثة.

وفي موقف آخر انتقد الراضي الإرهاب، وقال: "لو بحثنا في الأسباب التي تؤدي إلى مثل هذه الحوادث لوجدنا أنّها الثقافة التي تسود في المملكة"، مشيراً إلى أنّ المملكة أصبحت منبعاً للتكفير وقادته "وتؤمن به كدين تدين الله به منذ آلاف السنين والتاريخ شاهد على ذلك".

الاستدعاء والتهديد
مواقف الشيخ الراضي، كانت سبباً لاستدعائه من قبل السلطة السعودية التي أرغمته على التوقيع على تعهدات بعدم إلقاء الخطب والتدخل في السياسة الداخلية، وخرج عائداً إلى منزله، إلا أن رده على الخطوة الأمنية أراده أن يكون علنياً.
في 20 شباط/فبراير الماضي، اعتلى الشيخ الراضي منبر الجمعة متحدثاً عن استدعائه. كشف سماحته أنه هُدد بـ"سحب الولاية من جامع الرسول الأعظم" (ص) ومنعه "من الخطبة والخطابة". وأضاف أنه أخبر السلطة بأنه غير راضٍ بالتعهد مستنكراً: "كيف يكتب في نهايته برضاي وذلك غير صحيح"!.

لم تحدث الخطوة الرسمية أي مفاعيل على مستوى ردع الشيخ الراضي في التعبير عن مواقفه. وبعد تصنيف حزب الله "منظمة إرهابية" وإصدار قرار بخصوص اعتقال من يؤيد أو يتعاطف مع الحزب، صرح الشيخ الراضي بإستنكاره للقرار وقال: "إن كانت جريمة حزب الله قتال إسرائيل و التكفيريين فأنا معهم". وأضاف: "حزب الله الذي أعاد العزة والكرامة للإسلام و المسلمين و العروبة و العروبيين، من حق هذه الشعوب ان تُكرّمه وتُبجّله وتعتز به كمفخرة من مفاخرها وإرثًا حضارياً لها".  واعتبر هذا التصنيف عار يلحق بالأمتين العربية والإسلامية.

وتوجه لأمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله بالقول: "أنت ابن النجباء الأكرمين أنت ابن السلالة الطيبين الطاهرين، أنت العز، أنت الشرف، أنت النصر، أنت نصر الله، أنت الأمل للمحرومين، أنت المدافع عن المظلومين، أنت السهم في عيون الظالمين".

على إثر هذه المواقف التي صرح بها الشيخ الراضي قرر النظام السعودي إخفاء هذا الصوت وتغييبه فبدأ التضييق عليه. مساء الأحد 20 آذار/مارس 2016 تلقى الشيخ بلاغاً شفهياً بمنعه من إمامة الجمعة والجماعة.

ماذا جرى بعدها؟
تنقل مصادر على صلة بالشيخ الراضي لموقع المنار كيف جرت عملية الاعتقال. تقول إن الشيخ لم يلتزم بقرار السلطة، قصد مسجد الرسول الأعظم (ص) أمس الاثنين، وأمّ الصلاة فيه. قبيل صلاة المغرب، كانت 3 سيارات وباص يقفون على باب المسجد.

"بعد فروغه من الصلاة، أخبره بعض الشباب أن الأجواء ليست سليمة خارج المسجد، وأن الوضع ليس طبيعياً"، قال المصدر.

"قال لابأس ابقوا أنتم هنا وأنا  أخرج لهم بمفردي". خرج الشيخ الراضي من المسجد وركب في سيارة أحد المصلين، ما إنّ تحركت السيارة حتى تمت محاصرتها عند أحد الصيدليات من قبل 20 سيارة أمنية رباعية الدفع، ترجل الشيخ من السيارة بهدوء وتم اعتقاله.

من كانوا في المنطقة قالوا إن أجواء الاعتقال أحدثت نوعاً من الترهيب للأهالي، كما أقدمت القوات السعودية على أخذ كاميرا المراقبة الخارجية التي ثبتتها الصيدلية، كونها وثّقت عملية التي وصفت بالبربرية.

أرادت السلطة بخطوتها التصعيدية التي تتلاقى مع سياساتها في العهد الجديد، أن تطوي صفحة الشيخ الراضي، إلا أنها لم تلتفت أنها بخطوتها الجديدة فتحت صفحات، كتبت مسيرته ومواقفه سطورها الأولى.

*إسراء الفاس - المنار

112-4