العراق.. وثیقة الشرف أجهضت طموحات الشعب!

العراق.. وثیقة الشرف أجهضت طموحات الشعب!
الأحد ١٧ أبريل ٢٠١٦ - ٠٩:٢٤ بتوقيت غرينتش

العراقیون الذین یعیشون هذه الأیام مخاض الاصلاحات وحكومة التكنوقراط والاطاحة بالرئاسات الثلاث.. شعب صعب، لا تجد اثنین یتفقون منهم علی وصف زعیم.. فبین لیلة وضحاها قد ینقلبون علی الحاكم، كما حصل مع صالح جبر ابان الحکم الملکي بعد ان كان شدت ورد.. او كما كان في القریب "صدام اسمك هز امریكا ! "...

والغریب ان الحاكم الملعون والمسخوط علیه، بمجرد ان یرحل او یفتك به غرمائه یتحول الی رمز وزعیم ویبدأون بالتحنن الی ایامه.. والأمثلة في ذلك كثيرة !

لست بصدد نقد ثقافة قومي وناسي، فهذا الشعب الممتحن والمبتلی "وین ما یحطها تطلع عوجة " كما یقول المثل العراقي.. اول من یثور واكثر من یدفع التضحیات لیجني ذلك غیره.. یسبح علی بحیرة من الخیرات وهو محروم منها... مشكلة الاغلبیة منه انها انفعالیة تحركها عواطفها لا مصالحها، وقد یكون لذلك اسباب تربویة خیّرة، فالعراقي كریم بكل شئ كرافدیه لكنه في ذروة ربیعة قد یدمر كل ما قام ببنائه في لحظات (اذا تکرم زائدا وفاض!)..

هذه العفویة وهذا الكرم الزائد هو الذي جعل طرید الحجاز یصبح ملکا علی العراق وکأن بطون العراقیات عجزت من ان تلد مثله!
وفیما یدفع اهل الفرات الاوسط من دمائهم ثمن الثورة ضد المستعمر البریطاني تسجل ثورتهم من قبل الطائفیین باسم ضاري المحمود الذي كل ما قام به (ان صحت الروایة) هو قتل ضابط انجلیزي لا احد یعلم علی اي شئ تنازعا، فیما المعارك الطاحنة ومواجهة المدافع البریطانیة بالعصي والسیوف وهوسات "الطوب أحسن لو مگواري" كانت في المنتفك والرمیثة وعلی اسوار النجف...
حتی قال شاعرنا : "لو یدري شعلان انباكت الثورة، چا شگ التراب وگام من گبره"( اي لو یعلم شعلان ابو الجون وهو احد ابرز زعماء عشائر الثورة ان ثورته سرقها اهل الانبار في اشارة الی فیلم "المسألة الكبری" المزیف للتاریخ لشق التراب وقام من قبره..).

ما ارید قوله بعد هذه المقدمة الخلدونیة هو ان ما نشهده حالیا یعود الی اكثر من عامل، في مقدمته:
1-  الكرم العراقي الزائد عند أهل الجنوب والوسط، فبینما كانوا هم من یتحمل ظلم البعث والقومیین والملكیین، اي منذ 1920 قیام الدولة العراقیة الحدیثة، فسحوا المجال للآخرین یشاركونهم في السلطة بحجة اللحمة الوطنیة والشراكة و... الخ، بینما بقی الآخرون یتعاملون معهم بنفس طائفي مقیت، للحد الذي ادخل الشركاء "داعش" الی العراق، وعندما قام اهل الجنوب والوسط بالدفاع عن حرمات الشركاء، بدأوا یكیلون لهم اخسّ التهم واقذر الجزاء..

لا ارید ان ادعو الی طائفیة، لكني اشیر الی امرین بشكل واضح ودون لبس:
أولاٌ، ان هؤلاء الطائفيون لا يمثلون اهل السنة، بل يمثلون مصالحهم الشخصية والعشائریة واجندات اجنبیة (قطرية وسعودية واماراتية واماراتية وتركية وكويتية واردنية... الخ).
ثانياً، ضرورة ترتيب البيت الشيعي والاتفاق على الحدّ الادنى من العمل المشترك لما نراه من ضراروة الهجمة التي تستهدف وحدة العراق ووحدة الصف الشيعي خاصة.. ولأن تماسك الوضع الشيعي ووجود استراتيجية موحدة يقنن شكل التعامل مع الآخرين ويقلل من استفزازاتهم وجشعهم.

2-  غياب الاستراتيجية على مستوى الدولة والمكونات الرئيسية بسبب تقديم المصالح الطائفية والاثنية، وعلى مستوى النخب والتنظيمات والفاعليات التي أصبح كل قسم منها يمثل دائرة ضيقة، في سعي محموم للأستفراد بالقرار والسلطة والغاء الآخر...

وهنا لا يشك أحد بان الدستور الذي وضع وفق قانون ادارة الدولة (الاميركي) ملئ بالالغام والفجوات، وللأسف فأنه كتب بأستعجال وشارك فيه اناس غير مختصين، كان حينها لمعالجة موضوعة الاحتلال حسب المدافعين عنه... لكن أسوء دساتير العالم يمكن ان ينتج حالة ايجابية اذا كانت هناك نفوس ونيات صادقة تعمل على تطبيقه والالتزام بمُرّه.

3-  الفساد، والذي هو موضوع الساحة العراقية في الوقت الراهن، هنا لابد من تسجيل اكثر من ملاحظة:

أ‌. ان الجميع مشترك في فساد الدولة والدوائر وتبعاته الاقتصادية والامنية ومن يدعي الاصلاح بمفرده يعلم اكثر من غيره ان بيته من زجاج... لأن الفساد ليس في سرقة المال العام، بل أهم من ذلك في تجاوز القانون والتحول الى موقع فوق القانون وخارج نطاق المسائلة... ولنكن صريحين من يمكنه محاسبة الزعامات المعروفة الاسلامية والعلمانية، التي في الحكومة والتي خارجها؟! لابل من يجرؤ على مسائلة محمياتها من الاقرباء سبباً ونسباً؟!

ب‌. معالجة الفساد والسعي للإصلاح لايكون بتجاوز القانون، لذلك فأن القانون والأمن يجب ان يكون نقطة مثابة واصل وخط احمر في كل عملية اصلاح... واعتقد ان ماجرى بعد انتخابات نيسان 2014 كان اكبر خطوة نحو افشال الدولة العراقية الجديدة من خلال تغليب الارادة السياسية على الارادة القانونية والتجاوز على الحق الدستوري مع كل الاشكالات التي يمكن ان نوردها على صاحب ذلك الحق.

ج‌. عندما يتم نقد الاسلاميين وتحميلهم الاخفاقات، فهو دليل على ان الاسلاميين هم الوحيدون الذين يتجرعون النقد وان بينهم من يعمل على معالجة الاخفاقات، هذا اولاً... والثاني ان العراق في الحقيقة هو الوسط والجنوب، والّا اين هم أهل الاقليم الكردي من نقد فساد حكامهم وأمرائهم الذين يتوارثون السلطة والمال ويسكتون بالرصاص اصوات المنتقدين؟!
واين أهل الغربية من السرقات والفساد الكارثي الذي يصل في العديد من الحالات الى حدّ الخيانة العظمى ويوجب الاعدام اكثر من مرّة... لأن العديد منهم جمع بين الفساد المالي والتعامل مع الدول المناهضة للعراق وادارة عمليات ارهابية... كما هوالحال بالعيساوي الذي كان ينسق مع "داعش" والهاشمي الذي يسلم وثائق الدولة للقطريين والدايني النائب الذي فجر كافتيريا مجلس النواب بزملائه والبعثي ظافر العاني والقاعديين حارث الضاري وعدنان الدليمي والاتهامات التي توجه لسليم الجبوري و...!
لذلك على أهل الوسط والجنوب ان يلتفتوا الى حقيقة ان هناك من يدفع لخلخلة الوضع وفق اجندات اجنبية معروفة... يريدون ان يمرروا مشاريعهم، لذلك هم ضد حلحلة الوضع وضد حسم المعركة وضد وحدة القرار، فاياكم والفوضى...
ورغم انني لست من دعاة تجاوز القانون، الاّ ان الوضع القائم يحتاج الى حراك مدروس لا انفعالي، فيه من الجرأة الكثير لتجاوز الروية والعرف السياسي الذي تم جعله وابتداعها في العملية السياسية، فاليغيّر النواب رئيس البرلمان وليشعر رؤساء الكتل ( الموقعين على وثيقة الشرف والتي يراها كثيرون مخلة بالشرف لأنها تتعامل مع النواب وكأنه قطيع يسيره رؤساء الكتل البرلمانية) بأن الانتماء للوطن أهم من الانتماء للحزب والكتلة والطائفة والقومية، مادام الأمر لاغبار عليه دستورياً.
طبعاً هذه الفرصة اجهضت بعد بيان كتلة الاحرار ضد دولة القانون وفيما كان المؤمل المزيد من التقارب (العفوي) على هامش اعتصامات النواب، تم شق الصف بما سيؤثر على العدد اللازم من تواقيع وتصويت النواب لاحداث التغيير في داخل البرلمان، بغض النظر عن مبررات ذلك سياسيا ونفسيا..
بل بدأ المعارضون للتغيير يستميلون العديد من النواب المعتصمين للابقاء على الوضع الراهن الذي عزز بوثيقة الشرف بين رؤساء الكتل..

ولماذا لا يتغير رئيس البرلمان ورئيسا الجمهورية والوزراء، هل عقم العراق ان يأتي بغيرهم، وفق سياق مدروس يمكن ان تدعمه المرجعية والحضور الجماهيري...

اختم بان هناك مشروع امريكي سعودي تركي يتقدم احيانا بقفزات كما في احتلال الموصل واسقاط الولاية الثالثة للمالكي.. واحيانا ببطئ نظرا للظروف الاقليمية ورد الفعل الصادر من الطرف الاخر، بينما المشروع المقاوم يواجه عثرات من داخل حاضنة المقاومة والفعاليات الرئيسية التي فيها.

• علاء الرضائي

208