التقريب بين المذاهب الإسلامية ومسؤولية النخب الدينية

التقريب بين المذاهب الإسلامية ومسؤولية النخب الدينية
الثلاثاء ١٧ مايو ٢٠١٦ - ٠٨:٤٢ بتوقيت غرينتش

في هذا الزمن البائس النكد الذي لا يعلو فيه صوت على صوت التكفير والتطرف والكراهية والحقد، الذي اطبق على انفاسنا وسمم حياتنا وجعل بعضنا يقتل بعضا، نرى في الصوت القادم من “ام الدنيا”، كنور في اخر النفق المظلم الذي دفعنا الى داخله الظلاميون، فكان هذا الصوت كقطرات الندى التي تتساقط على وجوهنا التي اصابها الجفاف والجدب.

جميل جدا ان نستمع في زمن الفتن واصوات النشاز الداعية الى خراب ودمار ديار العرب والمسلمين، الى صوت رجل حكيم قادم من ارض الكنانة، يدعو الى حملة للتقريب بين المذاهب الاسلامية، لسد كل ثغرة يتسلل منها الصهاينة والجهلة والمتطرفون، ليعكروا علينا صفو حياتنا ويدمروا مقدرات بلداننا ويحولوا شعوبنا الى لاجئين يغرقون في بحار الدنيا، ومشردين على ابواب اوروبا.

في هذا الزمن البائس النكد الذي لا يعلو فيه صوت على صوت التكفير والتطرف والكراهية والحقد، الذي اطبق على انفاسنا وسمم حياتنا وجعل بعضنا يقتل بعضا، نرى في الصوت القادم من “ام الدنيا”، كنور في اخر النفق المظلم الذي دفعنا الى داخله الظلاميون، فكان  هذا الصوت كقطرات الندى التي تتساقط على وجوهنا التي اصابها الجفاف والجدب.

هذا الصوت ليس الا صوت الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر الشريف، الذي اعلن انه سيطلق خلال الأيام القليلة المقبلة، حملة للتقريب بين المذاهب، والتى من أبرزها “السنة والشيعة والإباضية”، عقب تأسيس كيان باسم “أمانة التقريب المذهبي” من اجل “منع تقسيم المنطقة الى كيانات وتحويل الصراع العربي “الاسرائيلي” الى صراعات بين المسلمين.

هذه المبادرة الكريمة التي اطلقها الاستاذ الكريمة، قائمة على مبادئ  اسلامية سامية، اشار اليها صاحب المبادرة ومنها؛ “نتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر أحدنا أخاه فيما اختلفنا فيه، وأيضا مبدأ “كلامى صواب يحتمل الخطأ وكلام المخالف خطأ يحتمل الصواب”، معتبرا ” التقريب المذهبى تفعيلا لأوامر الشرع وللإصلاح وسعيا لمعالجة الطائفية المجتمعية للمسلمين”

ومن المقرر ان يعقد الدكتور كريمة مؤتمرا صحفيا للإعلان عن تأسيس هذا الكيان عقب عيد الفطر القادم، بعد ان حصل على موافقة الجهات الحكومية بمصر منذ عام 2015 لتأسيس الكيان، الذي يعد إحياء لمبادرة تزعمها الشيخ عبد الحليم شلتوت للتقريب بين المذاهب، لتنطلق بعد ذلك الفعاليات المتمثلة فى الخطب والمؤتمرات والندوات حول التقريب.

ورغم ان الاستاذ كريمة لم يستثن السلفيين من مبادرته، الا انه وكما كان متوقعا، رفض السلفيون المبادرة، وكأنهم يعيشون افضل ايامهم التي تحترق فيها المجتمعات الاسلامية ويضرب فيها التطرف والخطاب الطائفي كل ما فيها من عناصر ايجابية، وهو ما اشار اليه الاستاذ كريمة عندما اعلن أن جميع التوجهات وافقت على مبادرات التقريب عدا السلفيين، مضيفا ان “السلفيين يخدمون المشروع الأمريكي “الإسرائيلي” في المنطقة، ويتلقون توجيهاتهم من الخليج (الفارسی)، حيث يتلقون تمويلهم “، محذرا من مخطط أمريكي “إسرائيلي” وهابي لتفتيت المنطقة على أساس طائفي في ظل حروب مذهبية.

ففي الوقت الذي اعتبر فيه الدكتور أحمد راسم النفيس، القيادى الشيعى المصري، المبادرة خطوة جديدة، وانه يتمنى أن تكلل بالنجاح للتوحيد بين المذاهب ومواجهة محاولى إثارة الفتن، فكل دعوة إلى التقارب بين المسلمين هى محاولات حميدة يجب الشد على يد من يقودونها، معلنا عن استعداده للمشاركة فى الحملة للتقريب بين المذاهب إذا تم دعوته للمشاركة فيها، نرى في المقابل صوت مثل صوت هشام النجار، الذي حكم من الان على المبادرة بالفشل والسبب على حد زعمه هو:”أن إيران تستغل عنوان التقريب بين المذاهب لاختراق جماهير السنة والعمق العربى وقلب مصر والترويج ونشر المذهب الشيعى فى أوساط السنة .. أن الأوضاع الإقليمية اليوم لا تشجع على إنجاح مشروع تقارب فكرى بين المذهبين حيث تحول السياسة وما تقوم به إيران من ممارسات مهددة للوجود العربى وللأمن القومى الخليجى والعربى دون التوصل للتناغم المطلوب، وليس مستبعداً أن يكون المستفيد الأول من مشروع كهذا هو إيران”.

رغم اننا نعلم جيدا ان ما نقلناه عن النجار هذا، قد اصبح خطاب كل الجماعات السلفية الوهابية، وحتى باتت وسائل الاعلام الصهيونية تكرره بالنص لما فيه من مصلحة كبرى لاعداء الامة وفي مقدمتهم الصهاينة المجرمين، وكأن هذه الجبهة عاقدة العزم على تنفيذ المخطط الجهنمي الرامي الى تفتيت دول المنطقة وشرذمة شعوبها حتى النهاية، ولم يكفيها ما نعانيه من تطبيقات هذا المخطط اليوم في العراق وسوريا واليمن وليبيا، فمن وجهة نظر هذا الجبهة؛ لتحترق كل بلاد العرب والمسلمين، وليُقتل مئات الالاف وليشرد عشرات الملايين من العرب، ولتختفي دول عربية من على وجه الخريطة والعالم، ولكن المهم هو مواجهة “خطر ايراني شيعي ” مزعوم، لا وجود له على ارض الواقع.

ان على الاستاذ كريمة وعلى النخب الدينية والعلمية في مصر، الا تعير اهمية للخطاب السلفي الوهابي، فهذا الخطاب من الفه الى يائه هو دعوة الى شق صف المسلمين، وزرع الفتن بينهم، ورفض ومحاربة كل صوت يدعو الى التقريب بين المذاهب الاسلامية، وهذا ليس بالامر الجديد فمن قبل تم محاربة الشيخ شلتوت وكل رموز مصر التي دعت الى الوحدة بين المسلمين، وعلى الاستاذ كريمة ورفاقه، ان يثقوا باخوتهم في الدين في مختلف المذاهب الاسلامية وعلى راسهم اخوته المسلمين الشيعة، فهؤلاء سيقفون الى جانبه ويحملون معه المسؤولية، من اجل وقف نزيف الدم العربي والاسلامي، فمسؤولية علماء الدين الحقيقيين هو الاصلاح فقال الله تعالى “اتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم” كما قال “لاّ خَيْرَ فِى كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً” كما قال الله عز وجل أيضا “إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ”.

• شفقنا

208