الهوية الاسلامية ومخاطر التقسيم

الهوية الاسلامية ومخاطر التقسيم
الخميس ٠٩ يونيو ٢٠١٦ - ٠٧:٤٢ بتوقيت غرينتش

لكل امة هوية تعرف بها وتحدد معالم شخصيتها الثقافية والسياسية والعقائدية، وامتنا الاسلامية هويتها الاسلام وهي تشمل المبادئ والقيم التي يدعو اليها الدين الحنيف وهي بالمجمل مبادئ تهدف الى تحقيق السعادة البشرية وتطبع شخصية الامة بطابعها بحيث لايمكن الفكاك بينهما لانها اصبحت جزءاً من شخصيتها الوجودية.

فالصوم في شهر رمضان المبارك اصبح جزءا من هوية الدول الاسلامية ومعظم الناس من غير المسلمين يعرفون بان المسلمين يصومون في هذا الشهر الكريم وتعطل المطاعم والمشارب في هذا الشهر، ومشاهدة شخص فاطر ويأكل الطعام في الاسواق في ايام شهر رمضان سيكون امرا مستغرباً في البلاد الاسلامية لأن الصوم في هذا الشهر اصبح جزءاً من الهوية الاجتماعية والثقافية لهذه الامة.
وقد تعرضت هوية البلدان الاسلامية الى اختراقات عنيفة من قبل قوى الاستعمار العالمي خلال القرنين الاخيرين وكادت تلك القوى ان تغير الكثير من معالم الهوية العربية والاسلامية، ففي ايران عملوا على نزع حجاب النساء بالقوة والحجاب يمثل هوية المراة المسلمة، لكن المخطط لم ينجح بسبب مقاومة الشعب الايراني وتمسكه بهويته الدينية وفي بلاد المغرب العربي حاولوا ان ينتزعوا من تلك الشعوب لغتهم العربية ونجحوا في جعل اللغة العربية هي اللغة الثانية بعد اللغة الفرنسية، نفس السياسة اتبعها الاستعمار البريطاني عبر ادواته في تركيا العثمانية وتحوير اللغة المكتوبة لديهم من الحروف العربية الى الكتابة بالحروف الانجليزية ومحاولات اخرى جرت في العراق وسوريا ومصر.
ونجحت تلك السياسات في بعض البلدان وأخفقت في اخرى بسبب مقاومة تلك الشعوب لمحاولات الاستعمار في تغيير الهوية الثقافية والاجتماعية والسياسية وحتى الدينية لديها وعلى اثر ذلك اندلعت الثورات العربية والاسلامية في سبيل استعادة الهوية الثقافية والعقائدية للامة.
ان سر اهتمام قوى الاستعمار العالمي بتغيير الهوية الدينية والثقافية للامة الاسلامية في انها اذا فقدت هويتها ستفقد كل مقدراتها وتكون طعماً سهلاً للاستعمار، لهذا هو يحاول ان يفرغها من محتواها حتى يسهل عليه فيما بعد الاستيلاء على مقدراتها.
وكل الامم تتمسك بهويتها الثقافية والدينية لان الامر مرتبط بوجودها فلو فقدت تلك الهوية ستفقد وجودها وتكون عرضة للانهيار والتضعضع والتقسيم كما حصل بالنسبة الى حضارة الهنود الحمر الذين فقدوا حضارتهم ومقومات هويتهم الثقافية بعد ان استسلموا لقوى الاستعمار والهيمنة.
كل امة يجب ان تتمسك بهويتها الثقافية والدينية وتدافع بشدة عن تلك الهوية ولاتسمح للآخرين التعدي عليها ولاتسمح حتى لافرادها الاهمال في الدفاع عن معالم تلك الهوية لذا هم يوظفون رجالا ينبهون الناس لحرمة شهر رمضان المبارك من عبث المشاكسين الذين لايشعرون بالانتماء لهذه الامة ولهويتها الدينية والثقافية.
لكننا اشد حاجة الى المفكرين والمثقفين لكي يحفظوا الهوية الثقافية والسياسية للامة ولايسمحوا للاعداء بأن يتلاعبوا بمصيرها ويمزقوها بالشكل الذي نراه حيث اصبح المسلم عدو المسلم يرفع السلاح بوجهه ويبيح دمه.
لدينا بلدان تتعرض للتدمير والتخريب نتيجة قتال المسلمين لبعضهم الآخر، وماكان هذا الامر سيحصل لو كانت الثقافة التي تعشعش في هذه البلدان سليمة ونقية، وليس هناك من شك ان هناك قوى خبيثة تعمل على التأجيج الطائفي وتموله لان هدفها هو تدمير البلدان الاسلامية.
ولابد ان يعرف الجميع بان الحروب التي تقع هذه الايام في بلداننا الاسلامية ليس فيها منتصر، لأن جميع المسلمين خاسرون، بلادهم تحرق، ابناءهم يقتلون، ثرواتهم تهدر على حروب عبثية، واصبح الجميع اداة بيد الاعداء لتدمير بلده.
وهؤلاء الذين يؤججون نار الطائفية في العراق وسوريا وغيرها من البلدان هم اشد سوءا من الذين يحملون السلاح، ولو كانت امتنا محصنة ثقافيا وفكرياً وسياسياً ماكان هؤلاء يتجرؤون في الظهور على العلن ويثيرون الحزازيات الطائفية ويتسببون بتدمير البلاد وهلاك العباد.
بلادنا تتعرض الى ابشع هجوم ثقافي وسياسي وعسكري، ولحد اليوم للاسف لم يستيقظ المثقفون في هذه البلدان من نوم غفلتهم والاسوء اننا نجدهم منخرطون في هذه اللعبة الطائفية الغبية ويهاجمون الطائفة التي لاينتمون اليها، ويجزؤون المجتمع المسلم الى سني وشيعي وهم لايعرفون بان هذا التقسيم هو بداية للتقسيم الجغرافي.
فالسعودية المتورطة الى اخمص قدميها في اللعبة الطائفية ربما تناست بان مجتمعها هو ايضاً متعدد الطوائف واذا كان العراق قد جرب الطائفية ومخاضاتها ولم تفلح المحاولات الكبيرة لتقسيمه فإن السعودية لم تجرب هذا المخاض وربما لن تتمكن من الاستمرار لو ضربتها الطائفية كما ضربت العراق، فالافضل للسعوديين ان يراجعوا مواقفهم الطائفية والمعادية للعراق قبل ان تتشظى السعودية نفسها.

يجب ان يعرف المسلمون في كل مكان وخاصة في العراق ان الوحدة الاسلامية هي جزء من هوية هذه الامة وانه لو اصاب هذه الهوية شيئ من الخرق فإن البلد سيكون عرضة للتشظي والتقسيم، ومن هذا الباب يجب عدم السماح لاي كان سنياً او شيعياً ان يتكلم بلغة طائفية ويتسبب بكل هذه المشاكل للبلاد.
داعش لم تدخل العراق الا بعد ان تمكنت قوى الظلام من تمزيق الوحدة بين السنة والشيعة وجعلت الشك والريبة هي اللغة الاساسية التي يتحدث بها الناس، يجب ان يكون على طاولة كل نائب في البرلمان العراقي قرار تجريم الطائفية ودعاتها ومحرضيها.
وللاسف انه وبالرغم من كل الاوضاع التي مر بها العراق لم يتم اصدار تشريع تجريم الطائفيين فمثل هذا القرار سيحمي الهوية الوطنية والاسلامية للبلد ولايسمح لاعداء الامة باختراقها والتلاعب بمصيرها "لأن الجميع خاسرون في المعركة الطائفية".
هويتنا الحقيقية هي منظومة القيم التي نؤمن بها ودعا اليها الدين الحنيف ومن هنا يجب الالتزام بتلك القيم من اجل حفظ تلك الهوية، ويجب ان يشعر الغريب الذي يدخل كل زقاق من ازقة بلادنا انه دخل بلدا مسلماً، من خلال الالتزام بحرمة شهر رمضان المبارك ومنع بيع الخمور وان تلتزم اسواقنا بالاخلاق الاسلامية: لاغش ولاكذب ولاتدليس، عندها سنقول باننا حفظنا هوية بلدنا، وبدلاً من ان تلعننا الاجيال القادمة لتسببنا بتقسيم بلدنا ستترحم علينا لاننا ساهمنا في حفظه من النهر الى البحر.

* طاهر القزويني - شفقنا