مواء القط: أهلاً بك في حزب "السكلنس"!

مواء القط: أهلاً بك في حزب
الخميس ٠٧ يوليو ٢٠١٦ - ٠٧:٥٨ بتوقيت غرينتش

أربعة أصدقاء وخامسهم قط. هم يجتمعون دوماً منذ ما يقرب من عشرين عاماً، وهو يسامرهم لأول مرة.

جلسوا والتحدي في أعينهم داخل القمقم يلعبون "الليخة". جلس القط في قرب الطاولة يراقب أحدهم يعطيه طعاماً. ملّ الانتظار فغادر. كان القمر مختفياً من سماء تلك الليلة، ومعه اختفت الرحمة من قلبيّ "الشريكين الوغدين". انهالا على "الشريكين الوديعين" بليخة حمراء وأخرى سوداء حتى انتهى الكباش الأول.

عاد القط يموء طالباً الطعام. أعطاه أحدهم قطع "شيبس" فأكلها وتموأ بصوت حزين وافترش الأرض راضياً مسترخياً. بدأ الكباش الثاني والثالث والنتيجة هي نفسها تزداد ألماً حتى وصلت إلى تسعة مقابل صفر.

امتدت المناظرات الورقية حتى مطلع الفجر وفيها "التزريك" يرتفع. وفجأة قرر الخاسر الأول، وهو احترف الرياضيات طوعاً، أن يخلع قميصه، وتبعه الخاسر الثاني، وهو امتهن الصحافة حباً. أما الرابح الأول، وهو اختص بالكيمياء طوعاً، فقد قرر أن يحتسي القهوة باعتبار ما يحصل مأتماً للخاسرين وكذلك طلب الرابح الرابع قهوته، وهو اختار الصحة البيئية كاختصاص فريد علماً ومهنة.

الأربعة خاضوا مع بعضهم معارك كثيرة، اكتشفوا أن بعضها وهمي. ربحوا معظمها وتعرضوا لخيبات عديدة لأنهم جعلوا من واقعهم جسراً الى الحقيقة. لكن الحقيقة القاسية في تلك الليلة الحالكة، أن نتيجة المنازلة كانت تشير الى 13 مقابل صفر.

حينها قال الخاسر الأول للثاني: ماذا يحصل يا شريكي؟ كل الخطط فشلت؟ لو أننا نقاتل ديفيد بن غوريون ومناحيم بيغين، لكنا هزمناهما في جولة على الأقل. نظر إليه شريكه، وقال: "سكلنس"..

قهقه الأربعة ومعهم القط. فعلاً القطط تضحك وتبكي، أو تهيئ لهم ذلك.

ومع ذلك تداول الأربعة كلمة "سكلنس" غير المعروفة الأصل والمعنى والقصد حتى مشى كل في طريق منزله.

اجتمعوا بعد أيام قليلة من دون القط، لكن أصغرهم سناً أكد أن القط في تلك الليلة تموأ بكلمة "سكلنس". فضحك الجميع وبدأوا في جولات "ليخة" أخرى، كانت متعادلة ومتأرجحة.

مر عام على تلك السهرة "السكلنسية"، وقرر الصحافي أن يستعير "السكلنس" في دراسة إعلامية. عملية إسقاط بسيطة على تداول مصطلح أو خبر غير معروف المصدر والدقة.

استخدم "السكلنس" أمام رفقائه وزملائه في مجتمعات مختلفة. أصبح التداول بسيطاً لا سيما عبر الهاشتاج الخاص بـ"السكلنس" حتى أن شخوصاً كثيرين استخدموها افتراضياً وواقعياً بلا معرفة المعنى أو التأويل لهذه الكلمة ذات الإيقاع الموسيقي.

دارت مواجهات كثيرة لإثبات القصد من وراء ذلك، واكتشف أن لها معان في مصر والمغرب العربي. أنهى دراسته خلال ثلاثة أشهر، مستخلصاً أن غالبية الشعب العربي "سكلنس".

السواد الأعظم من شعوبنا لا يعرف ما يحصل وينجر وراء رجال السياسة. الغالبية تؤمن بالمؤامرة حتى أصبحت المؤامرة متآمرة على المؤامرة.

حقاً، من يتآمر على من ولصالح من؟ الأكثرية تؤمن أن الغرب يريد تقسيم البلدان العربية، ومع ذلك هم يسعون إلى ذلك. الكل يعرف أن الفتنة المذهبية مستوردة ومطلوبة لتفتيت العقول والقلوب، وعليه بدلاً من إطفاء نار الفتن، يستعر لهيبها.

هل يوجد عربي ومسلم لا يعتبر "إسرائيل" احتلالاً وأنه يجب مقاومتها؟.

ولذلك غيروا المفاهيم وقلبوا الحقائق. هنا قمة "السكلنس"، فمن يأمرون بالموت لأتباعهم يعرفون أنهم يعرفون الخطأ، ويرتكبون الخطيئة ويذهبون إلى الجحيم بثبات مدهش. والمريدون ينفذون الأوامر ويتفاعلون كما يريد الآمر الناهي، مثلهم مثل القط في تلك السهرة.

وفي نهاية الدراسة، أوصى بتأسيس حزب "السكلنس". حزب يشبه حزب الكنبة في مصر أو حزب الشاي في الولايات المتحدة. هم الغالبية الصامتة غير الفاهمة لما يحصل.

أساساً الوضع "سكلنس" ولا يمكن لأي محلل أن يحلل ويعطي خلاصة شافية عافية للمأزق السياسي والديني والعسكري للبلدان العربية.

وفي هذا المقال "السكلنس" لا بد من التذكير بأنواع الرجال عبر الحكمة القائلة: رجل يعرف ويعرف أنه يعرف، هذا عالم فتعلموا منه. رجل يعرف ولا يعرف أنه يعرف، وهذا نائم فنبهوه. رجل لا يعرف ويعرف أنه لا يعرف، وهذا جاهل فعلموه. رجل لا يعرف ولا يعرف أنه لا يعرف، هذا أحمق فاجتنبوه.

وما أكثر الحمقى في هذه الأوطان.

* زاهر ابوحمدة - الميادين

2-205