هل خذلت اميركا وحلفاؤها "المعارضة السورية المسلحة" فعلا؟

هل خذلت اميركا وحلفاؤها
الجمعة ٠٥ أغسطس ٢٠١٦ - ٠٥:١٠ بتوقيت غرينتش

لا نعتقد ان المحلل الروسي الاستراتيجي فلاديمير لبيخين كان مبالغا، عندما وصف معارك مدينة حلب المستعرة حاليا بأنها مماثلة لمعركة ستالينغراد التي غيرت مصير الحرب العالمية الثانية، وجسد الصمود الروسي فيها بداية انهيار الجيش الالماني، وهزيمته في نهاية المطاف.

الحرب في حلب ستغير نتائجها مستقبل سوريا والمنطقة العربية بأسرها، لانها مسألة حياة او موت للاطراف المتقاتلة على ارضها، والهزيمة تعني بداية الانهيار، ان لم يكن الانهيار كله، ولهذا بلغت الحشود العسكرية ذروتها على الجبهات كافة.

قوات الجيش السوري، المدعومة بغطاء جوي روسي مكثف، حققت تقدما كبيرا في المدينة وريفها، واقتربت من مدينة ادلب، وقطعت خطوط امداد المجموعات  المسلحة بإستيلائها على طريق الكستيلو، واغلاقها بمساعدة قوات سورية الديمقراطية الكردية التي تسيطر على ثلاثة ارباع مدينة منبج في اغلاق معظم المعابر على الحدود السورية التركية.

التحالف السوري الايراني، والذي يضم ايضا قوات النخبة في حزب الله، يضع كل ثقله في هذه الحرب، ويريد حسمها لصالحه، وفعلت قوات (المعارضة السورية المسلحة) وفصائلها بقيادة جبهة "فتح الشام"، او (النصرة سابقا)، الشيء نفسه على أمل كسر الحصار عن مقاتليها واستعادة المواقع الاستراتيجية التي سيطر عليها الجيش العربي السوري.

التفاهمات الروسية الاميركية السرية تميل الى اعطاء الضوء الاخضر لاعادة سيطرة الجيش لسوري على مدينة حلب مجددا، والقضاء على جيوب المعارضة المسلحة فيها، ويتضح هذا من خلال الموقف الاميركي الصامت، واكتفاء جون كيري وزير الخارجية الاميركي بمناشدة الجانبين السوري والروسي بضبط النفس، وانشغال تركيا، التي كانت تعتبر حلب خطا احمر، بإزالة آثار الانقلاب العسكري الفاشل، وتماهيها مع سياسة الحليف الروسي الجديد في سوريا، ولكنها حرب لن تكون سهلة وقد تطول.

الاستراتيجية الاميركية الروسية في اعطاء الاولوية للقضاء على الفصائل والتنظيمات المتشددة في الوقت الراهن على الاقل، بدأت تتبلور بصورة اكثر وضوحا في معارك حلب، فقد نجح الجانبان الروسي والاميركي في تجميع هذه الفصائل والمنظمات في منطقة واحدة في الشمال الغربي السوري، اي في مديني حلب وادلب، ومن ثم القضاء عليها قضاء مبرما، وهذا ما يحدث حاليا، من خلال التقدم البري والقصف الجوي المكثف.

لم يكن من قبيل الصدفة ان يحدد السيد رمزي عز الدين، مساعد المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا، الذي زار دمشق قبل بضعة ايام، والتقى السيد وليد المعلم وزير الخارجية السوري، الاول من ايلول (سبتمبر) المقبل كموعد لاستئناف مفاوضات جنيف بين وفد الحكومة السورية ووفود المعارضة، وكأن لسان حاله، ومن خلفه على الاصح، يقول للتحالف الروسي السوري الايراني ان امامكم 4 اسابيع كاملة لانهاء المعارضة وقواتها في منطقة حلب واريافها، فسارعوا بإنهاء المهمة.

كان من المفترض ان يكون اول آب الحالي بدء تطبيق المرحلة الانتقالية، ومدتها 6 اشهر، على ان تبدأ الانتخابات البرلمانية والرئاسية، واعداد دستور جديد في غضون 18 شهرا، ولكن لا يوجد اي مؤشر على ان خريطة الطريق التي توصلت اليها مجموعة دعم سوريا، سترى نور التطبيق العملي في المستقبل المنظور.

رهان المعارضة السورية المسلحة على اميركا، واوروبا، ودول الخليج (الفارسي)، وتركيا، لكسب الحرب في حلب او غيرها واسقاط النظام في دمشق يثبت يوما بعد يوم انه ليس رهانا كاسبا، فهذه الدول تقف موقف المتفرج في معارك حلب الطاحنة، في الوقت الراهن، وتكتفي مثلما هو حال دول خليجية بالصراخ والبرامج التلفزيونية.

اسقاط المعارضة السورية مروحية روسية فوق ادلب بصاروخ حراري، يعتقد ان مصدره المملكة العربية السعودية، وقتل ملاحيها الخمسة، وسحلهم، ورفض تسليم جثامينهم، ربما يحدث انقلابا كبيرا، ونقطة تحول رئيسية في حرب الشمال السوري، الامر الذي يذكر بما حدث لتركيا ورئيسها، رجب طيب اردوغان، عندما أسقطت دفاعاته الجوية طائرة سوخوي روسية قرب الحدود السورية في تشرين الثاني (نوفمير) الماضي، وادى هذا الاسقاط الى حدوث تحول كبير في الموقف التركي في الملف السوري، بعد املاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين شروطه القاسية للمصالحة مع نظيره التركي رجب طيب اردوغان، ولم يجد الاخير اي خيار آخر غير القبول.

حديث اشتون كارتر وزير الدفاع الاميركي عن الاستعدادات لفتح الجبهة السورية الجنوبية، اي في منطقة درعا وجوارها، بمساعدة اردنية، وربما يكون ايحاءا او تسليما مسبقا بخسارة حلب، وادلب، وجسر الشغور، ولكن من الصعب احياء هذه الجبهة، التي تعتبر البوابة الرئيسية للعاصمة دمشق (90 كيلومترا فقط)، في حال سيطرت قوات الجيش العربي السوري والحلفاء الايرانيين والروس على مدينة حلب، لان هذا يعني تورطا اردنيا مباشرا، وربما جر "اسرائيل" الى الحرب السورية ايضا.

حرب حلب الحالية هي بكل المقاييس، ام الحروب السورية وابوها واعمامها وخالاتها، وهناك دلائل تشير الى ترجيح كفة النظام وحليفيه الروسي والايراني، بمباركة ودعم اميركي خفي، وهذا ربما ما يفسر قول السيد المعلم اثناء استقباله علاء الدين بروجردي، رئيس لجنة الامن القومي والسياسة الخارجية الايراني، "ان الصمود هو الخيار الاساسي للشعب والقيادة في سورية وان بشائر النصر اصبحت قريبة".

هل تفاؤل السيد المعلم في محله؟ التطورات الميدانية في الايام والاسابيع المقبلة ستجيب حتما على هذا السؤال.

عبد الباري عطوان - راي اليوم

105