"الفزاعة داعش" والمقتول سوري وأنقرة تنسق مع موسكو ومبالغة أميركية في التأييد..

وأد "الكانتون الكردي" بعد غبار الغزو التركي

وأد
الخميس ٢٥ أغسطس ٢٠١٦ - ١٠:٥١ بتوقيت غرينتش

التمهيد السياسي والمدفعي للغزو التركي كان قد بدأ منذ ايام. وربما ليست صدفة ان دبابات رجب طيب اردوغان عبرت الحدود السورية نحو مدينة جرابلس بهذه الطريقة الاستعراضية، قبل ان يستقبل ضيفه الاميركي نائب الرئيس جو بايدن. دمشق تدرك الان، كما أنقرة، ان «الكانتون الكردي» الافتراضي، والذي تأججت نيرانه من الحسكة قبل ايام، تعرض الان، في جرابلس، الى عملية بتر قاضية.

ارتكبت القوى الكردية مجددا الخطأ التاريخي ذاته. المراهنة على صراعات القوى الدولية والاقليمية للمبادرة الى مشروع المستحيلات، بقضم ارض وافتراض اقامة دولة منفصلة، في لحظة يظنونها مناسبة. مفاوضات الحسكة في الايام الماضية، اظهرت محاولة هذه القوى استغلال انهاك الدولة السورية في ظل حرب الاعوام الستة، لفرض «سيادة» بديلة. ذهبت المقاتلات الجوية السورية الى اقصى الشمال الشرقي السوري لتقصف «المشروع» بعدما تعالت اللهجة. بالامس، عبرت الدبابات التركية الحدود، لا باسم محاربة تنظيم «داعش» فقط، وانما لوأد مسعى الانفصال الكردي. وفي كل الحالات، المقتول هو السوري.

لكن «الخطر» الذي ركزت عليه انقرة وهي تطلق دباباتها ومدفعيتها وسلاحها الجوي، لم يكن وليد الامس. «المشروع» الكردي كان يتبلور تدريجيا منذ سنوات، بعدما ساهمت أنقرة كما غيرها من العواصم، في ضرب الدولة المركزية في دمشق. فلماذا اختارت تركيا هذا التوقيت لتنفيذ هجومها؟ بعد نحو شهر على الانقلاب الفاشل ضد اردوغان. وبعد الفتور، ولا نقول الانكسار، الذي اصاب العلاقات مع الحليف الاميركي، والغربي استطرادا. وبعد التطبيع الذي تسارع بين انقرة وموسكو، ولهذا اصبح من الممكن للقوات التركية ان تعبر الحدود لعمل عسكري واسع، بتناغم مع اللاعب الروسي الاساس في المشهد السوري، ومع تكرار تركي للعبارة الذهبية: حفاظا على وحدة وسيادة الاراضي السورية!

أنقرة تتفضل علينا الان بالقول ان لحكومة الرئيس بشار الاسد مكانها الى طاولة المفاوضات للحل السوري. كررت هذه العبارة مرارا خلال الايام القليلة الماضية. دمشق التي كانت اتهمت ميليشيات الاسايش الكردية في الحسكة بانها الجناح العسكري لحزب العمال الكردستاني، تدرك تماما ان الهاجس التركي الاول مرتبط بالمشروع الكردي المفترض، وليس بـ «داعش».

ومهما يكن، فان العملية العسكرية التركية تشكل غزوا صريحا مهما كانت اهدافه، وحتى لو قال الاتراك لاحقا انهم بتروا عبر جرابلس الكانتون الكردي في الصميم. كما لا بد من ملاحظة الاشارة السورية الى ان استبدال ارهابيي «داعش» بارهابيين من فصائل مسلحة اخرى، ليس حلا لمواجهة الارهاب. اما الملاحظة الاخرى التي يجب التوقف عندها، فهي ان معركة حقيقية لم تحصل في جرابلس، ولم يعلن رسميا عن سقوط أي قتيل تركي في التوغل العسكري، ولم تندلع اشتباكات تذكر في داخل المدينة التي كان يفترض تخليصها من «داعش». لا بل ان التقارير تشير الى ان مقاتلي التنظيم غادروا المدينة، وهناك من ردد انهم غادروا منذ ايام ... الى تركيا!

اذن، الكردي هو المستهدف الاول في العمل العسكري. اما الاهداف الاخرى بعد جرابلس، فلن تتضح سوى بعد انجلاء غبار المعركة الاستعراضية الحالية، وستحتم مراقبة جموح اردوغان وحساباته في ضوء الوقائع الجديدة التي فرضت عليه خلال الاسابيع الاخيرة الماضية، وما اذا كان سيسعى الى فرض «المنطقة الآمنة» التي طالما نادى بها، وما اذا كانت القنوات ستفتح بينه وبين دمشق، سواء عبر رعاية موسكو او طهران، لا عبر واشنطن بالتأكيد. وبهذا المعنى، بدت المبالغة الاميركية في التعبير عن دعم الغزو التركي، بل والمشاركة فيها وتأمينها جويا، محاولة اميركية للتأكيد على سيطرتها على مشهد الشمال السوري، وهو هدف تبدو حساباته اكثر تعقيدا مما تعتقده واشنطن حتى الان.

المصدر: السفير

114-2