خطباء المنبر الحسيني وضرورة الأخذ بوصايا السيد السيستاني

خطباء المنبر الحسيني وضرورة الأخذ بوصايا السيد السيستاني
السبت ٠١ أكتوبر ٢٠١٦ - ٠٩:١٣ بتوقيت غرينتش

لم تشغل التطورات العسكرية والسياسية والامنية الصعبة التي يمر بها العراق في ظل الهجمة التكفيرية البعثية المدعومة من قوى اقليمية ودولية تناصب العراق واهله العداء، المرجع الاعلى السيد السيستاني في التنويه الى دور المنبر الحسيني، وتذكير خطباء هذا المنبر باهمية دورهم في المجتمع، فتوجه اليهم بوصايا، هم احوج ما يكونوا اليها والمسلمون على اعتاب شهر محرم الحرام.

الاهمية التي يوليها المرجع السيستاني للمنبر الحسيني، نابعة من اهمية الموضوع الذي يتناوله هذا المنبر، وهو ثورة الامام الحسين عليه السلام، الثورة التي اضاءت شعلة الحرية والى الابد امام كل احرار العالم، بغض النظر عن انتمائهم العقائدي او الديني او الطائفي او القومي، فالحسين (ع) يمثل القيم الانسانية التي لا يختلف عليها اثنان في مشارق الارض ومغاربها، وهي قيم العدل والحرية والمساواة، ومقارعة الظلمة، والانتصار للمظلوم، ورفض العبودية والخنوع.

اكثر الناس احتياجا اليوم لقيم ثورة الحسين (ع)، وان كانت هذه القيم حاجة انسانية شاملة، هم العراقيون، الذين يتعرضون لابادة جماعية من قبل قوى ظلامية، بسبب ايمانهم بقيم ثورة الحسين (ع)، وهو ايمان يمكن ان يفعل المستحيل، لو تم دركه بالشكل الصحيح بعيدا عن الخرافة والتسطيح.

هذه الحقيقة، دفع الخرافة والتسطيح عن ثورة الحسين(ع)، هي التي كانت نصب عين السيد السيستاني، وهو يوصي  خطباء المنبر الحسيني بواصايا في غاية الاهمية، يمكن في حال الاخذ بها من قبل هؤلاء الخطباء، ان تُحدث التاثير المطلوب للخطاب الحسيني في عقل ووجدان الانسان العراقي،  وتضاعف من قدرة تاثير ايمانه بقيم الثورة الحسينية، وتدفعه بالتالي الى ان يجسد عمليا جانبا من تلك القيم، التي ضحى من اجلها الامام الحسين (ع) بنفسه واهله واصحابه.

في اول هذه الوصايا، دعا السيد السيستاني الخطباء الى ان تنوع الاطروحات التي يتناولونها، نظرا لحاجة المجتمع الى موضوعات روحية وتربوية وتاريخية، وهذا يقتضي ان يكون الخطيب متوفرا على مجموعة من الموضوعات المتنوعة في الحقول المتعددة تغطي بعض حاجة المسترشدين من المستمعين وغيرهم، نظرا للتطور السريع الذي يشهده المجتمع في مختلف المجالات، وتعقد جوانب الحياة الاجتماعية والنفسية والسياسية والاقتصادية، وارتفاع المستوى التعليمي للمخاطبين.

كما اوصى السيد السيستاني، الخطيب ان يكون مواكبا لثقافة زمانه، وهذا يعني استقراء الشبهات العقائدية المثارة بكل سنة بحسبها واستقراء السلوكيات المتغيرة في كل مجتمع وفي كل فترة تمر على المؤمنين، فان مواكبة ما يستجد من فكر او سلوك او ثقافة تجعل الالتفاف حول منبر الحسين (ع) حيا جديدا ذا تاثير وفاعلية كبيرة.

ومن اجل تنزيه المنبر الحسيني من الكلام المرسل دون ادنى تحري، اوصى السيد السيستاني، الخطباء بالدقة في ذكر الآيات القرآنية او نقل الروايات الشريفة من الكتب المعتبرة او حكاية القصص التاريخية الثابتة، فعدم التدقيق في مصادر الروايات او القصص المطروحة يفقد الثقة بمكانة المنبر الحسيني في اذهان المستمعين.

كما اوصى، الخطباء الى الترفع عن الاستعانة بالاحلام وبالقصص الخيالية التي تسيء الى سمعة المنبر الحسيني وتظهره على انه وسيلة اعلامية هزيلة لا تنسجم ولا تتناسب مع المستوى الذهني والثقافي للمستمعين، وبالتالي عدم وجود مثل هذا المنبر افضل بكثير من وجوده.

للاسف هناك بعض الخطباء يعتبرون اعتلاء المنبر، دون اي إعداد مسبق، هو هدف بحد ذاته بالنسبة اليهم، دون ايلاء القضايا التي يريدون طرحها الاهمية المطلوبة، لذلك نرى بعض الخطب ليست سوى كلام رتيب يصيب المخاطب بالاحباط والملل، لذلك اوصى السيد السيستاني، الخطباء بجودة الاعداد، وان يعنى الخطيب عناية تامة بما يطرحه من موضوعات من حيث ترتيب الموضوع وتبويبه وعرضه ببيان سلس واضح واختيار العبارات والاساليب الجذابة لنفوس المستمعين والمتابعين، فان بذل الجهد الكبير من الخطيب في اعداد الموضوعات وترتيبها وعرضها بالبيان الجذاب سيسهم في تفاعل المستمعين مع المنبر الحسيني.

هناك اختلاف كبير بين خطيب وخطيب في تناول موضوع ثورة الحسين (ع) وحياة ائمة هل البيت (ع)، بينما الخطيبان ينهلان من منهل واحد، وهو تراث اهل البيت (ع)، وهذا الاختلاف يعود الى ضعف احد الخطيبين في قدرته على الاغتراف من بحر معارف اهل البيت (ع)، لذلك اوصى المرجع السيستاني الخطباء بالاستفادة من تراث اهل البيت (ع) فكله عظيم جميل ولكن مهارة الخطيب وابداعه يبرز باختيار النصوص والاحاديث التي تشكل جاذبية لجميع الشعوب على اختلاف اديانهم ومشاربهم الفكرية والاجتماعية انتهاجا لما ورد عنهم (ع) (لو عرف الناس محاسن كلامنا اذا لتبعونا)، ومحاسن كلامهم هو تراثهم الذي يتحدث عن القيم الانسانية التي تنجذب اليها كل الشعوب بمختلف توجهاتها الثقافية والدينية.

المعروف ان المنبر الحسيني، منبر اعلامي تربوي اقرب الى الناس من اي وسيلة اعلامية اخرى، يتناول جميع القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية المعاصرة، الى جانب القضايا التاريخية والدينية، وهو ما يتطلب من الخطيب ثقافة معاصرة، لذلك اوصى السيد السيستاني الخطباء بطرح المشاكل الاجتماعية الشائعة مشفوعة بالحلول الناجعة، فليس من المستحسن ان يقتصر الخطيب على عرض المشكلة، كمشكلة التفكك الاسري او مشكلة الفجوة بين الجيل الشبابي والجيل الاكبر او مشكلة الطلاق او غيرها، فان ذلك مما يثير الجدل دون مساهمة من المنبر في دور تغييري فاعل، لذلك من المأمول من رواد المنبر الحسيني استشارة ذوي الاختصاص من اهل الخبرة الاجتماعية وحملة الثقافة في علم النفس وعلم الاجتماع في تحديد الحلول الناجعة للمشاكل الاجتماعية المختلفة ليكون عرض المشكلة مشفوعة بالحل عرضا تغييريا تطويريا ينقل المنبر من حالة الجمود الى حالة التفاعل والريادة والقيادة في اصلاح المجتمعات وتهذيبها.

ولما كان المنبر الحسيني منبرا للوعي والوحدة وضد الفرقة والشقاق، ومنبر للتعريف بالنهج الحق لاهل البيت عليهم السلام، اوصى السيد السيستاني ، خطباء المنبر الحسيني ان يتساموا عن الخوض في الخلافات الشيعية سواء في مجال الفكر او مجال الشعائر فان الخوض في هذه الخلافات يوجب انحياز المنبر لفئة دون اخرى او اثارة فوضى اجتماعية او تأجيج الانقسام بين المؤمنين، بينما المنبر راية لوحدة الكلمة ورمز للنور الحسيني الذي يجمع قلوب محبي سيد الشهداء (ع).

منذ القدم كان المنبر الحسيني ملتصقا بالناس وهمومهم، وكان الناس يعرفون الحلال والحرام وامور دينهم ودنياهم من هذا المنبر، لذلك خص السيد السيستاني هذه النقطة بالذات الاهتمام المطلوب عندما اوصى الخطباء بالاهتمام بالمسائل الفقهية الابتلائية في مجال العبادات والمعاملات من خلال عرضها باسلوب شيق واضح يشعر المستمع بمعايشة المنبر الحسيني لواقعه وقضاياه المختلفة.

اخيرا ونظرا لاهمية دور المرجعية والحوزة العلمية في الدفاع عن كيان التشيع، واللذان يتعرضان حاليا لهجمة شرسة من القوى الظلامية، اوصى المرجع السيستاني  الخطباء بالتركيز على اهمية المرجعية والحوزة العلمية والقاعدة العلمائية التي هي سر قوة المذهب الامامي ورمز عظمته وشموخ كيانه وبنيانة.

 ايام قليلة تفصل بيننا وبين شهر محرم الحرام (1438)، وهو شهر تكشر فيه عادة القوى الظلامية والعصابات التكفيرية، انيابها، عبرر تفجير المواكب والمراسم الحسينية، والاكثر خطورة من هذه التفجيرات الحرب النفسية التي تشنها السلفية التكفيرية على المراسم الحسينية، والتي تقف وراءها فضائيات وامبراطوريات اعلامية ممولة بالمليارات من الدولارات، والتي تقوم بتعميم بعض تصرفات البسطاء والجهلة من الشيعة، على المذهب كله، لذلك على خطباء المنبر الحسيني والمبلغين ونحن ايضا، ان نولي وصايا السيد السيستاني الاهتمام المطلوب، حتى نتمكن من رد سهام الحاقدين الى صدورهم، وان نحفظ للثورة الحسينية نقاءها، وان ننتصر للحسين (ع)، والانتصار للحسين (ع) هو انتصار للحق والحقيقة وللانسانية جمعاء.

المصدر / شفقنا

109-1