في ذكرى عاشوراء..

العباس بن علي ..رمز الفداء والطاعة والولاء

العباس بن علي ..رمز الفداء والطاعة والولاء
السبت ٠٨ أكتوبر ٢٠١٦ - ٠٧:٥٨ بتوقيت غرينتش

هو أبو الفضل العباس ابن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السّلام)، اُمّه فاطمة بنت حزام الكلابيّة، اختارها له أخوه عقيل لتلد له غلاماً فارساً ؛ حيث اشتهرت عشيرتها بالشجاعة والبأس؛ إذ كان آباؤها وأخوالها فرسان العرب في الجاهليّة، وقد ولدت للإمام (عليه السّلام) أربعة أولاد ؛ فسميت لذلك اُمّ البنين، وهم: العباس وجعفر وعثمان وعبد الله ، وقد استشهدوا جميعاً في كربلاء .

عاش سيدنا العباس (عليه السلام) مع أبيه أمير المؤمنين (عليه السلام) أربع عشرة سنة، وحضر معه حروبه، ولكنه لم يأذن له أبوه بالنزال فيها. لقد كان العباس، رمز البطولة والتضحية والفداء وقدوة النصر والاقدام والنجدة والولاء ومعجزة الامام علي (عليه السلام) لنصرة واثبات الحق الحسيني الالهي، ومجمعاً للفضائل، وملاذاً للخصال الحسنة الشمائل.. وقد امتزجت فيه قوة الروح وقوة الجسد، وأضيفت إليهما النخوة الهاشمية، والشجاعة الحيدرية، والقوة الالهية، والايمان الحسيني، والأخوة الصادقة، والطاعة والولاء، والعزة والكرامة، والحرية والرفعة .. وهو أبن خير القوم وأولهم ايماناً وسيد الوصيين وأشجعهم يقيناً وبصيرة وقوة وأفداهم بنفسه عن رسول الله صلى الله عليه وآله، أمير المؤمنين الامام علي بن أبي طالب (عليه السلام).
و روي عن الإمام أبي عبدالله الصادق عليه السلام أنه قال: "كان عمّنا العبّاس بن عليّ نافذ البصيرة صلب الإيمان، جاهد مع أبي عبدالله عليه السلام، وأبلى بلاءً حسناً ومضى شهيداً". ومن صفاته ايضا، أنه كان صاحب لواء الإمام الحسين (عليه السلام)، واللواء هو العلم الأكبر، ولا يحمله إلاّ الشجاع الشريف في المعسكر.
أمّا دور سيّدنا العباس (عليه السلام) في ملحمة كربلاء فانّه يأتي في الاَهمية بعد أخيه أبي الاَحرارالاِمام الحسين (عليه السلام) صانع هذه الملحمة الخالدة في دنيا الحقّ والعدل، وقد فاق جميع أصحاب الاِمام الحسين (عليه السلام) وأهل بيته المكرمين، وذلك بما قدّمه من عظيم الخدمات لاَخيه، بالاِضافة إلى مواقفه البطولية الرائعة ، وصموده الهائل أمام معسكر ابن زياد ، وقد أبدى من البسالة ما يذهل الاَفكار ويحيّر الاَلباب، وكان يشيع في نفوس أصحاب أخيه وأهل بيته العزم والتصميم على التضحية والجهاد بين يديه، فقد استهان بالموت وسخر من الحياة ، وقد انطبعت هذه الظاهرة في نفوسهم فاعتنقوا الشهادة، وانطلقوا إلى ميادين الجهاد ليرفعوا كلمة الله في الاَرض.
وكان العبّاس (عليه السلام) أيّام المحنة الكبرى التي حلّت بأخيه ملازماً له لم يفارقه، وقدّم له جميع ألوان البرّ والإحسان، فكان يقيه بنفسه ويفيديه بمهجته ، والمتصدّي لخدماته، ويقول الرواة: انّه قد استوعب حبّه والإخلاص له قلب أخيه الاِمام الحسين(عليه السلام) حتى فداه بنفسه، فلم يسمح له بالحرب حتى بعد مقتل أصحابه وأهل بيته، لاَنّه كان يشعر بالقوة والمنعة، ما دام حيّاً إلى جانبه، ولما استشهد العباس شعر الاِمام الحسين بالوحدة والغربة والضياع بعده وفقد كلّ أمل له في الحياة، وراح يبكي عليه أمرّ البكاء ، ويندبه بذوب روحه، وقال الإمام الحسين (عليه السلام) حين قتل أخوه العبّاس عليه السلام:"الآن انكسر ظهري، و قلّت حيلتي".
ولقد شهدت الاُمّة على بطولة العباس(عليه السّلام) ومواقفه مع أخيه الحسين (عليه السّلام) يوم الطفّ، واستماتته في الدفاع من أجله، حتّى إنّ الحسين (عليه السّلام) خاطبه قائلاً : "بنفسي أنت". فأقامه مقام نفسه الزكية، وهذا شرف له لم يبلغه أحد من الناس.
وقيل، أنه لمّا جمع الحسين (ع) أهل بيته و أصحابه ليلة العاشر من المحرّم و خطبهم فقال في خطبته: "أمّا بعد، فإنّي لا أعلم أصحاباً أوفى ولا خيراً من أصحابي، ولا أهل بيت أبرّ ولا أوصل من أهل بيتي، وهذا الليل قد غشيكم فاتّخذوه جملاً، وليأخذ كلّ واحد منكم بيد رجل من أهل بيتي، وتفرّقوا في سواد هذا الليل، وذروني وهؤلاء القوم، فإنّهم لا يريدون غيري".
فقام إليه العبّاس (ع) فبدأهم فقال: ..ولم نفعل ذلك لنبقى بعدك؟ لا أرانا الله ذلك أبداً". ثمّ تكلّم أهل بيته و أصحابه بمثل هذا ونحوه.
ومن مواقفه الخالدة ايضا، أنه لمّا أخذ عبدالله بن حزام ابن خال العبّاس أماناً من ابن زياد للعبّاس وإخوته من أمّه؛ قال العبّاس و إخوته: "لا حاجة لنا في الأمان، أمان الله خير من أمان ابن سميّة". و منها: أنّه لمّا نادى شمر: أين بنو أختنا؟ أين العبّاس و إخوته؟ فلم يجبه أحد، فقال الحسين (ع): "أجيبوه و إن كان فاسقاً، فإنّه بعض أخوالكم". قال له العبّاس (ع): "ماذا تريد"؟ فقال: أنتم يا بني أختي آمنون. فقال له العبّاس (ع): لعنك الله و لعن أمانك، أتؤمّننا و ابن رسول الله لا أمان له؟! وتكلّم إخوته بنحو كلامه ثمّ رجعوا.
وعندما بدأت المعركة غير المتكافئة، وبدا شلال الدم الطاهر ينحدر علی ارض کربلاء وسحب المأساة تتجمع في آفاقها الکئيبة، وتساقط الشهداء من اصحاب الحسين واهل بيته عليه السلام الواحد تلو الاخر.. جاء دور ذخيرة الإمام علي ليوم الطف ونصرة الحسين في کربلاء.. وسقط العباس وعمره 34 سنة، وهو يسبح بدم الشهادة ويثبت لواء الحسين الذي حمله يوم عاشوراء في ارض کربلاء إلی الابد لاتبليه الايام ولا تطأطیء هامه للطغاة .
نعم لقد مضى أبوالفضل العبّآس و إخوته من أمّه شهداء يذبّون عن حرم الإمام الحسين (عليه السلام) وحرم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ضاربين أروع أمثلة الشرف والكرامة والبطولة والوفاء والولاء.
ويقع مرقد العباس (عليه السّلام) في كربلاء المقدّسة على مسافة بسيطة من قبر الحسين (عليه السّلام)، ويلاحظ أنّ مرقده الشريف منفرد عن مرقد الحسين والشهداء (عليهم السّلام)، ويبعد عن مرقد الحسين (عليه السّلام) أكثر من خمسين متراً. وقد اُقيمت فوقه قبة من الذهب شبيهة بقبة الحسين (عليه السّلام). 
اَلسَّلامُ عَلَيْكَ اَيُّهَا الْعَبْدُ الصّالِحُ الْمُطيعُ للهِ وَلِرَسُولِهِ وَلاَِميرِالْمُؤْمِنينَ وَالْحَسَنِ والْحُسَيْنِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِمْ وَسَلَّمَ، اَلسَّلامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ وَمَغْفِرَتُهُ وَرِضْوانُهُ وَعَلى رُوحِكَ وَبَدَنِكَ، اَشْهَدُ واُشْهِدُ اللهَ اَنَّكَ مَضَيْتَ عَلى ما مَضى بِهِ الْبَدْرِيُّونَ وَالُْمجاهِدُونَ فِي سَبيلِ اللهِ الْمُناصِحُونَ لَهُ فِي جِهادِ اَعْدائِهِ الْمُبالِغُونَ فِي نُصْرَةِ اَوْلِيائِهِ الذّابُّونَ عَنْ اَحِبّائِهِ فَجَزاكَ اللهُ اَفْضَلَ الْجَزاءِ، وَاَكْثَرَ الْجَزاءِ، وَاَوْفَرَ الْجَزاءِ، وَاَوْفى جَزاءِ اَحَد مِمَّنْ وَفى بِبَيْعَتِهِ وَاسْتَجابَ لَهُ دَعْوَتَهُ وَاَطاعَ وُلاةَ، اَمْرِهِ اَشْهَدُ اَنَّكَ قَدْ بالَغْتَ فِي النَّصيحَةِ، وَاَعْطَيْتَ غايَةَ اْلَْمجْهُودِ، فَبَعَثَكَ اللهُ فِي الشُّهَداءِ، وَجَعَلَ رُوحَكَ مَعَ اَرْواحِ السُّعَداءِ، وَاَعْطاكَ مِنْ جِنانِهِ اَفْسَحَها مَنْزِلاً وَاَفْضَلَها غُرَفاً، وَرَفَعَ ذِكْرَكَ فِي عِلِّيّينَ، وَحَشَرَكَ مَعَ النَّبِيّينَ وَالصِّدّيقينَ وَالشُّهَداءِ وَالصّالِحينَ وَحَسُنَ اُولئِكَ رَفيقاً، اَشْهَدُ اَنَّكَ لَمْ تَهِنْ وَلَمْ تَنْكُلْ، وَاَنَّكَ مَضَيْتَ عَلى بَصيرَة مِنْ اَمْرِكَ مُقْتَدِياً بِالصّالِحينَ، وَمُتَّبِعاً لِلنَّبِيّينَ، فَجَمَعَ اللهُ بَيْنَنا وَبَيْنَكَ وَبَيْنَ رَسُولِهِ وَاَوْلِيائِهِ فِي مَنازِلِ الُْمخْبِتينَ، فَاِنَّهُ اَرْحَمُ الرّاحِمينَ.
213

 

تصنيف :