في ذكرى رحيل محطم الأصنام .. لنحطم أصنامنا

في ذكرى رحيل محطم الأصنام .. لنحطم أصنامنا
الثلاثاء ٢٩ نوفمبر ٢٠١٦ - ٠٩:٣٧ بتوقيت غرينتش

يوم الثامن والعشرين من شهر صفر يوم مؤلم في تاريخ المسلمين، فهو اليوم الذي توفي فيه نبي الرحمة محمد بن عبدالله (ص)، بعد ان اخرج الناس من الظلمات الى النور، وتحمل من اجل ذلك من الأهوال والصعاب ما لم تتحمله الجبال.

العالم - مقالات

رغم ان ألم يوم 28 من شهر صفر كان ومازال يحز في نفوس المسلمين، الا ان حدة هذا الألم أخذت تشتد خلال الأعوام القليلة الماضية، وهم يستحضرون واقعهم المأساوي الذي عصفت فيه الفتن، وحولت دولهم الى ساحات لصراع دموي، وشعوبهم الى لاجئين في اصقاع الأرض.

يبدو ان ألم يوم رحيل نبي الإسلام (ص)، اصبح حافزا للنظر في اسباب المآسي والآلام التي يعيشها المسلمون، الذين تحولوا الى ادوات تعبث بها قوى لا تريد الخير لهم، ودفعتهم للخروج من التاريخ، بعد ان أراد لهم الله سبحانه وتعالى ان يكونوا خير أمة أخرجت للناس.

من الصعب بل من المستحيل ان يجد المرء ما يمكن ان يفسر به المشهد الدموي الذي تعيشه الشعوب الاسلامية اليوم، انطلاقا من القران الكريم والسنة النبوية الشريفة، فالذي يحدث من حروب ودمار وقتل وذبح وحرق وسبي وتشريد وتعذيب للمسلمين على يد المسلمين، لم يأمر به القران ولا سنة نبي الانام (ص).

من المؤكد ان سبب الفتن التي تضرب البلدان والمجتمعات العربية والاسلامية، يعود الى ابتعاد المسلمين عن القران وعن صاحب سنة من نعيش اليوم ذكرى رحيله (ص)، وهذا الابتعاد جعل الكثير من المسلمين يدخلون في مرحلة “صنمية” جديدة تجاوزت مرحلة “صنمية” قريش البدائية، فاصنام اليوم هم شيوخ الفتنة ووعاظ السلاطين والدولار وامريكا و”اسرائيل” والطواغيت، بالإضافة الى العصبية والجهل والانانية، التي طبعت الصنمية الاولى.

اين اصنام اليوم، من شيوخ الفتنة ووعاظ السلاطين، الذين يظهرون على الفضائيات وعلى شبكة التواصل الاجتماعي، وهم ينشرون الأحقاد والكراهية والضغائن باسم نبي الرحمة (ص)، ويحرضون المسلمين على المسلمين، من تعاليم النبي (ص)، التي تضمنتها خطبته في حجة الوداع، قبل ثلاثة اشهر من وفاته (ص)؟.

ان ما نشهد اليوم في العراق وسوريا واليمن وليبيا والصومال وافغانستان وباكستان وباقي الدول الاسلامية الأخرى من حروب وفتن وجرائم، يأتي على النقيض مما جاء على لسان المصطفي (ص) في حجة الوداع، وكأن هناك اصرار على مخالفة تعاليم النبي (ص)، وهي المخالفة التي دفع المسلمون أثمانا باهظة بسببها.

سنتناول بعض ما جاء في خطبة الوداع للنبي (ص)، ومن ثم نرى التزام من رفعوا ومازالوا يرفعون لواء الدفاع عن السنة النبوية، ويشككون على الدوام بالتزام الاخرين بها:

- إِنَّ اللهَ حَرَّمَ عَليكُم دِمَاءَكُم وَأَموَالَكُم كَحُرمَةِ بَلَدِكُم هَذا، وَكَحُرمَةِ شَهرِكُم هذا، وَكَحُرمَةِ يَومِكُم هَذا.
- وَاتَّقُوا اللهَ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشيَاءَهُم، وَلا تَعثَوا في الأَرضِ مُفسِدِين، فَمَنْ كَانَت عِندَهُ أمانَةً فَلْيُؤَدِّهَا
- النَّاسُ في الإِسْلاَمِ سَواءٌ، النَّاسُ طَف الصَّاعِ لآدمَ وَحَوَّاءَ، لا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ على عَجمِي، ولا عَجمِي عَلى عَرَبِي إِلاَّ بِتَقوَى اللهِ.
- لاَ تَأتُونِي بِأَنْسَابِكُم ، وَأْتونِي بِأَعمَالِكُم.
- كُلُّ دَمٍ كَانَ في الجاهِليَّة مَوضوعٌ تَحتَ قَدَمي.
- إِنَّ المُسلمَ أخو المُسلم، لا يَغُشُّهُ، ولا يَخُونُه، ولا يَغْتَابُه، ولا يَحُلُّ لَهُ دَمُهُ، ولا شَيءٌ من مَالِهِ إِلاَّ بِطِيبِ نَفسِه
- لاَ تَرجعُوا بَعدي كُفَّاراً مُضَلِّلينَ، يَملِكُ بَعضَكُم رِقابَ بَعضٍ، إِنِّي خَلَّفتُ فِيكم مَا أَنْ تَمَسَّكْتُمْ بِه لَنْ تَضِلُّوا كِتَابَ اللهِ وَعِترَتِي أَهْلَ بَيتِي.
- إِنَّكُم مَسْؤُولُون، فَلْيُبَلِّغ الشَّاهِدُ مِنكُم الغَائِبَ.
اللافت في خطبة النبي (ص)، هو انه (ص) كان يكرر فيها عبارة “ألا هل بلغت .. اللهم فاشهد”، في تأكيد ذي مغزى، وقد اثبتت الأحداث التي مرت بالمسلمين، حكمة هذا التأكيد على التبليغ من قبل النبي (ص).
هنا من حقنا ان نتساءل، أين هي حرمة دماء واموال المسلمين؟، اين هي حرمة الأشهر الحرم؟ واين هي حرمة الأماكن المقدسة وبيوت الله عند الجماعات التكفيرية؟.

من الذي يعيث بالأرض فسادا اليوم؟، الم يتحول الفساد الى عنوان للمسلمين، جراء فساد الجماعات التكفيرية، التي تقتل وتذبح وتسبي باسم الاسلام ونبي الاسلام (ص)؟.

الم تحل القبلية والقومية محل التقوى، ميزانا للأفضلية؟، الم تُبعث الحياة في العصبية الجاهلية مرة اخرى؟، الم يصبح التفاخر بالأنساب بدل الأعمال هو شعار من يدعون الاسلام؟.

الم تشكل الأحلاف والائتلافات العسكرية والسياسية انطلاقا من الثأر والانتقام لأحداث تاريخية غابرة؟.

الم يحل المسلم محل العدو للمسلم؟، الم يقتل المسلم اخيه المسلم؟، الم يخن المسلمون بعضهم بعضا؟، الم يعد المسلمون يملكون رقاب بعضهم البعض؟.

اخيرا الم يضع من يدعون الإسلام كتاب الله جانبا، ويتمسكوا بكتب ما انزل الله بها من سلطان؟، الم يتركوا عترة النبي (ص) واهل بيته (ع)، ويلتفوا حول غيرهم؟.

ان ما نشهده اليوم من مآسي تضرب ديار المسلمين، هي أقل ضريبة يمكن يدفعها المسلمون ازاء عدم التزامهم بسنة نبيهم (ص)، فجاهلية اليوم هي اشد عتمة وجهلا من جاهلية الامس، التي كانت تصغي في بعض الأحيان النبي (ص) رغم جهلها بمنزلته (ص)، وجاهلية اليوم صمت أذنيها عن حديث النبي (ص) رغم معرفتها بمنزلته (ص)، فالتاريخ يتحدث عن هذه الحقيقة، عندما يذكر حادثة هدم السيل لبنيان الكعبة، وعندما أرادت قريش ترميمها، فدب الخلاف بينها حول من له فخر وضع الحجر الأسود في مكانه، وكاد الخلاف يتحول الى قتال، الا انهم في الأخير رضوا بالنبي (ص) حكما لصدقه وامانته، بينما جاهلية اليوم، تجاهلت كلام النبي (ص)، واصغت في المقابل لما يقول اصنامها، فلم يكن نصيبها سوى الويلات والكوارث.
اين ما يجري في ديارنا اليوم من ذبح وسبي وخراب، من سنة من ارسله الله رحمة للعالمين، الذي لم يدع حتى على المشركين وقال “إني لم أبعث لعانًا، وإنما بعثت رحمة”، وقال:”إن الله تعالى أمرني بأن أعفو عمن ظلمني وأصل من قطعني وأعطي من حرمني”.
اين هي اعمال السلب والنهب والحرق والقتل والسبي للمسلمين وغير المسلمين على يد من يدعون الاسلام، من سنة نبي الإسلام (ص) القائل:”ما زال جبريل يوصيني بالجار، حتى ظننت أنه سيورّثه”، وقال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فلا يؤذِ جاره”، وهذه الأخلاق هي اخلاق ربانية، فقال سبحانه وتعالى: ” وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ”، حيث تقول بعض كتب التفسير ان الجار ذي القربى، يعني الجار المسلم، والجار الجنب، يعني غير المسلم؟.

في ذكرى رحيل محطم الأصنام محمد بن عبدالله (ص)، نحن احوج ما نكون لإرادة “محمدية” اصيلة، لتحطيم اصنام الهوى والجهل والتعصب والدولار ومشايخ الفتنة ووعاظ السلاطين والطواغيت، لإنقاذ المسلمين من وضعهم المزري، وهذا الإرادة لن تتحقق الا بتظافر جهود النخب العلمية والفكرية والادبية وفي مقدمتها النخبة العلمائية، عملا بالحديث الشريف:”اذا ظهرت الفتن في أمتي فعلى العالم ان يظهر علمه والا فعليه لعنة الله والملائكة والناس اجمعين”.

• ماجد حاتمي - شفقنا

208