ألمانيا لن تقود تعافياً أوروبياً

الأحد ١٣ سبتمبر ٢٠٠٩ - ١٢:٤٨ بتوقيت غرينتش

تشهد أكبر دولة في الاتحاد الأوروبي انتخابات عامة خلال أقل من أربعة أسابيع. ومع ذلك، فإنه على الرغم من أن المستقبل الاقتصادي لألمانيا يعتمد على تعافي طلب أجنبي مشكوك فيه، فإن الحملة الانتخابية كانت خالية من أي نقاش فعلي حول الاعتماد غير العادي لألمانيا على الصادرات. وهذا أمر يبعث على القلق.

يتطلب تعاف اقتصادي للاتحاد الأوروبي إعادة التوازن بين دوله ذات الفائض، ودوله ذات العجز. وسيكون على ألمانيا النمو بقواها وطاقاتها الذاتية، بينما تقلص الدول الأخرى من اعتمادها على الطلب المحلي وتعزز الصادرات. وقد تراجعت اختلالات التجارة خلال التراجع الاقتصادي، لكن معالجة حالات عدم التوازن الرئيسية تتطلب تغييرات في البنى الاقتصادية للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. وإذا لم يحدث ذلك، فإن النمو طويل الأجل في أوروبا سيكون ضعيفاً، وتصبح التوترات ضمن منطقة اليورو أمراً حتمياً.

عاد الاقتصاد الألماني إلى النمو في الربع الثاني من هذا العام، قبل معظم دول أوروبا، وسارع كثيرون داخل وخارج ألمانيا إلى القول إن ذلك عزز صدقية التفضيل الألماني للنمو الذي تقوده الصادرات. ووفقاً لهذا التحليل، فإن تعافياً في ألمانيا من شأنه أن يحرك بقية منطقة اليورو. ويمكن أن يذهب الحدس المضاد، رغم ذلك، إلى أن عودة الاقتصاد الألماني إلى النمو يمكن أن تكون نعمة تشوبها نقمة بالنسبة إلى أوروبا. إن الثقة المتصاعدة في ألمانيا، القائمة على عودة نمو سريع معتمد على الصادرات، يحتمل أن تخفف الضغوط على سلطات هذا البلد كي تزيد التركيز على الطلب المحلي.

واتخذت برلين خطوات لحماية الاستهلاك من خلال المساعدة على تمويل أجور عمال القطاع الخاص، وعملت بذلك على إيقاف ارتفاع البطالة من خلال تقديم معونات مالية لشراء السيارات الجديدة. وارتفع الاستهلاك لأسباب تعود إلى ذلك بصورة رئيسية. لكن هذه مجرد إجراءات لسد الثغرات من أجل النهوض بالاقتصاد إلى أن يتعافى الطلب الخارجي. وبدلاً من أن يمثل قبولاً بأن ألمانيا بحاجة إلى تغيير، فإن الإجماع العام يظل على أن الحل يكمن في أن تصبح الدول الأوروبية الأخرى أكثر شبهاً بألمانيا. وعلى هذه الدول أن تقلص استهلاكها وتزيد ادخارها، وأن يتضمن ذلك الوصول إلى فائض في الحساب الجاري. إذا استطاعت أوروبا أن يكون لديها فائض حساب جارٍ ضخم، ومتصاعد بثبات مع بقية العالم، فيمكن أن يكون متاحا من الناحية الحسابية أن تتبع كل دول الاتحاد الأوروبي المسار الألماني. غير أن ذلك لن يحدث.

ويتراجع العجز الأميركي بينما تبدأ الأسر الأميركية تعزيز تمويلها، دون أن تكون هناك أي فرصة لممارسة آسيا دور مستهلك المرجع الأخير . هناك ميل في ألمانيا لتصوير انتقاد السياسات الألمانية بأنه معاداة للألمان ، أو أنه أمر ناجم عن الحسد. لكنه لا يزيد في كونه معادياً للألمان على اعتبار الانتقاد الألماني للإدارة الضعيفة للاقتصادين الأميركي والبريطاني معاداة للأميركيين أو البريطانيين. وبالنسبة إلى الحسد، فكان النمو الألماني واحداً من أضعف حالات النمو في أوروبا لسنوات عديدة. وإذا استثنينا مساهمة الصادرات، فإن ذلك الأداء كان الأسوأ. وحتى في ظل اقتصاد مرتكز على الصادرات، كما هو حال الاقتصاد الألماني، فإن ما يهم بالفعل بالنسبة إلى الوظائف ومستويات المعيشة، هو أداء الاقتصاد المحلي.

إن الاعتقاد الألماني المعزز في تفوق النمو الذي تقوده الصادرات يمكن أن يكون وصفة لنمو ضعيف في ألمانيا ومشاكل خطيرة في كل مكان من أوروبا. وليس هناك من شك في أن ألمانيا ستنجح في تعزيز حصتها السوقية ضمن منطقة اليورو. فقد أظهرت الشركات الألمانية كفاءة أعلى من منافساتها في الاقتصادات الأخرى لمنطقة اليورو، فيما يتعلق بتقليص التكاليف. لكن ذلك سيكون على حساب ركود نمو الطلب المحلي في ألمانيا.

في ظل هذه الخلفية سيكون من الصعب للغاية على دول العجز في منطقة اليورو إعادة توازن اقتصاداتها. ولا يمكنها تخفيض عملاتها، ويمكنها فقط تعزيز الإنتاجية في الأجل الطويل. ولذلك لن يكون أمامها من خيار سوى تأكيد تراجع أجورها وأسعارها بالنسبة إلى تلك القائمة في ألمانيا. وحتى لو كان بالإمكان إنجاز هذا الأمر، فإن أثره على اقتصاد منطقة اليورو سيكون رهيباً. وسيكون الطلب المحلي (وبالتالي النمو الاقتصادي) ضعيفاً للغاية، الأمر الذي يزيد من احتمالات الأزمات المالية في عدد من أقطار الاتحاد الأوروبي.

بدلاً من انتظار أن يستعيد الآخرون رغبتهم في البضائع الألمانية، على الأحزاب السياسية الألمانية أن تركز على التوصل إلى حلول دائمة لضعف الطلب المحلي. والسماح بركوده شبيه باتباع سياسة اعمل على إفقار جارك التي ستقوض المستقبل الاقتصادي لكل من ألمانيا وأوروبا.
* فاينانشال تايمز- سيمون تلفورد