عن "صراع أحرار الشام والنصرة"... حلب ووادي بردى نموذجا

عن
الأحد ١٥ يناير ٢٠١٧ - ٠٧:١٩ بتوقيت غرينتش

لم تكن التصريحات التي أطلقتها حركة أحرار الشام أمس وهاجمت فيها بشكل مباشر جبهة النصرة وأميرها أبو محمد الجولاني واصفة اياه ( بطماع المناصب) الذي اجهض الاندماج بين الفصائل كرمى الحصول على منصب القائد العسكري العام للجسم الجديد سوى انعكاس لما وصلت إليه حالة افتراق الخيارات بين التنظيمين الذين قاتلا معا في أغلب الجبهات على الأرض السورية، النصرة تتهم كذلك الحركة بتسليم الجانب التركي ومنه الى الأمريكي نقاط وخرائط مراكز قيادة الجبهة حيث قامت الطائرات الأمريكية مؤخرا بتنفيذ غارات على ادلب وريفها تمكنت خلالها من تصفية قادة من الصف الأول في النصرة.

العالم - مقالات وتحليلات

لم يكن ادعاء حركة أحرار الشام ان النصرة أفشلت الاندماج صحيحا، إذ أن الحركة وقعت على اتفاق الاندماج الذي ينص على أن الأمير العام للجسم الجديد من الأحرار بينما يتولى الجولاني القيادة العسكرية، وهو ما قبل به الجولاني على مضض تسهيلا للاندماج ، بينما تتمثل الفصائل الأخرى في مجلس الشورى الذي يتكون من ممثل لكل فصيل.

لكن الأحرار عادت بعد ايام وطالبت بإلغاء الاتفاق و التفاوض من جديد. وما علمناه من مصدر مقرب جدا من الأحرار أن الحركة حملت الاتفاق إلى تركيا التي طلبت من الحركة التريث في ابرامه. في جوهر الصراع تقع الخيارات الجديدة لحركة احرار الشام وهي تعتنق فكر الإخوان المسلمين وتتلق الدعم المالي والإعلامي من مراكز قرار الإخوان في الإقليم .

إذ لايمكن للحركة أن تغرد خارج سرب التوجهات التركية التي بدورها تتولى عملية رعاية وحماية وقيادة حركة الإخوان بافرعها السورية والمصرية والفلسطينية والعراقية ، موقف أثيل النجيفي في العراق واستقباله لقيادة الحشد الشعبي والتفاهم معهم جاء منسجما مع توجهات تركية تصالحية تجاه الحكومة العراقية وهذا من باب ضرب المثال.

ليس من المعقول مطلقا أن تخوض حركة أحرار الشام قتالا شرسا مع الجيش الروسي في سوريا في أجواء التقارب والتنسيق الحاصل بين أنقرة وموسكو.

ولكن ليس من السهل أن تتخذ الحركة خيارا عسكريا مباشرا يؤدي إلى الصدام مع جبهة النصرة وحلفائها الاقوياء في جغرافية عسكرية مختلطة ومعقدة. 

في حلب اقنعت أنقرة أحرار الشام بضرورة مغادرة الأحياء الشرقية، حاولت الحركة فرض هذا التوجه على الجبهة عبر الإقناع  لكنها لم تتمكن من ذلك، الا حين تقدم الجيش السوري وحاصر الفصائل في ثلاث أحياء في حلب، عندها أصبح خيار الأحرار هو الأقوى وتمكنت الحركة من تنفيذ قرارها، لكن الجبهة لم تسلم بهذه النتيجة، وقامت بحرق الحافلات المتوجه إلى كفريا والفوعة لاخراج مدنيين يحاصرهم جيش الفتح الذي تقوده النصرة، إلا أن الحملة الإعلامية لأجهزة إعلام حركة الإخوان ذات النفوذ والتي أدانت هذا التصرف أوقفت النصرة عند هذا الحد وتم تنفيذ الاتفاق.

يتكرر المشهد في وداي بردى بريف دمشق، دخل الروس على خط الوسطة لإبعاد المسلحين عن نبع مياه الفيجة الذي يغذي دمشق حيث قام المسلحون بالرد على العملية العسكرية للجيش السوري بالمنطقة بقطع المياه عن العاصمة هو عمل تكرر خلال السنوات الماضية وكان له مفعوله بوقف العمليات العسكرية، إلا أن هذه المره بدا الأمر مختلفا، لأن قرار استعادة ريف العاصمة قد اتخذ بإجماع حلفاء دمشق. 

وجدت الوساطة الروسية اذنا صاغية عند الأحرار المقربين منهم  وتم التوافق على خروج ما سماه الاتفاق بالغرباء. وبالفعل بدأ تنفيذ الإتفاق سلم عدد من المسلحين سلاحهم أمام الكاميرات  وطلبوا تسوية اوضاعهم وبقائهم في المنطقة إلا أن عناصر جبهة النصرة اعتبروا أن الاتفاق لا يعنيهم وقرروا مواصلة القتال.

يبدو من خلال هذا المشهد أن الفراق بدأ فعلا بين حركة أحرار الشام الإخوانية وجبهة النصرة السلفية الجهادية، هو بداية  لإعادة رسم المسافة بين الفكرين بعد أن دمجهما القتال من أجل هدف واحد هو إسقاط النظام في سوريا ، حيث راهنت حركات الإخوان المسلحة على دعم الحركات السلفية لتحقيق هذا الغرض، وابعدت من أجله كل الخلافات الفكرية بين التيارين بل وتماهمت مع ممارسات أكثر الحركات الإسلامية تطرفا لانها تعلم أنها في النهاية من سيشكل الجسم السياسي المقبول على المسرح الدولي، بينما سيقف الآخرين أمام خيارين اما الدخول تحت العباءة الإخوانية أو التصفية بالقرارات الدولية.

رغم وضوح حالة الصراع في الميدان السوري على خلفية إعادة الأولويات التركية في المنطقة، إلا أن الصراع المسلح مازال بعيدا وممنوعا على كلا الطرفين، لأنه إن حدث فإنه يصب في مصلحة النظام في سوريا وحلفائه، ويفقد تركيا وحلفاءها أوراق قوة عسكرية ما تزال بحاجة إليها في مسار تثبيت النفوذ التركي في سوريا على طاولة التسوية النهائية.

كمال خلف - رأي اليوم

106-4