الصراع على الماء، الخطر القادم في الشرق الأوسط

الخميس ١٧ سبتمبر ٢٠٠٩ - ١١:٥٢ بتوقيت غرينتش

الصراع على الماء أشعل الكثير من الحروب عبر التاريخ، من صراعات الممالك القديمة والقبائل حتى العصر الحديث، ومع تضاعف عدد سكان الأرض خلال فترة قصيرة من الزمن وصار أكثر من ستة مليارات، والرقم مرشح للوصول إلى ثمانية مليارات نسمة منتصف القرن الحالي، تراجع نصيب الأفراد والدول من المياه مع تزايد الاحتياجات ووصل الأمر لنتائج كارثية تتمثل في وفاة ثلاثة ملايين طفل سنويا بسبب نقص المياه وتفشي الأمراض الوبائية، وعلى مدى خمسين عاما وقع 37 نزاعا مسلحا كان أغلبها في منطقة الشرق الأوسط والتي لاتقع جغرافيا ضمن حزام الأمطار وقلة أنهارها وكثافة عدد سكانها قياسا على مساحة الأرض، والمنطقة مرشحة للمزيد من الصراعات المسلحة التي يقودها لاعبون رئيسيون من أبرزهم إسرائيل (من النيل إلى الفرات) والمشكلة الأكبر في قضية المياه ليست في بلدان المصب بقدر ما هي في دول المنبع التي بدأت تسعى للهيمنة على هذا المورد الحيوي ومنع الآخرين من استخدامه أو عند الحدود الطبيعية والمنطقية تقليل الوارد لهذه البلدان لكن المشكلة الأكبر هي في اللاعبين خارج الخطوط والذين يسعون إلى إشعال الحروب بين بلدان المنطقة لإضعافها واحتوائها في دائرة نفوذهم والدور الإسرائيلي يبقى الأخطر من هؤلاء اللاعبين لأنها تلعب على كل الأطراف وتسعى لتأمين احتياجاتها على حساب الجميع!!

ثمة هواجس ومخاوف تسود منطقة الشرق الأوسط مما تحمله الأيام والشهور والسنوات القادمة من أخطار تهدد استقرار بلدانها وشعوبها، ووراء الكثير من مشاكل هذه المنطقة لابد من البحث عن مصدر هذه المخاوف والهواجس، فالمنطقة مستهدفة غربيا بسبب مواردها وموقعها الاستراتيجي كأحد النقاط الهامة في التجارة العالمية وتدفقها عبر العالم، لذا كانت هذه المنطقة محطا لأنظار العالم الغربي منذ الحملات الصليبية وصولا للاستعمار القديم وانتهاء بالاستعمار الحديث الذي يسعى للسيطرة عن بعد أو عبر وكلائه أو بالغزو المباشر إذا اقتضي الأمر والظروف، لكن تبقى إسرائيل كرأس جسر للغرب لتحقيق أهدافه ومصالحه وأطماعه فالارتباط بين الطرفين عضوي وحيوي واستراتيجي .. ثقافيا وتاريخيا وعسكريا.

صور قاتمة
الأرقام والاحصاءات والمؤشرات لاتعطي صورا متفائلة أو مبشرة بواقع قضية المياه على مستوى العالم.. فرغم وجود ستة محيطات والكثير من البحار والأنهار على مستوي العالم فإن المشكلة الكبري تكمن في أن 98 من مياه العالم مالحة ولا تصلح للاستخدام الزراعي أو الآدمي (مياه الشرب) أما الأنهار فيوجد على مستوي العالم 262 حوض أنهار منها 59 في أفريقيا و52 في آسيا و73 في أوروبا و61 في أمريكا اللاتينية و17 في أمريكا الشمالية وهي أرقام توحي بأنه لا مشكلة في المياه الصالحة للشرب أو للزراعة، لكن المشكلة تكمن في أن 23 دولة تتقاسم ثلثي موارد المياه، ويتوزع الباقي على بقية العالم، أي أن هناك دولا غنية بموارد المياه وأخري - وهي النسبة الأكبر - فقيرة وتحت خطر الفقر المائي.. والأخطر ما أشارت إليه تقارير الأمم المتحدة من أن سكان الأرض مهددون بالعطش في عام 2050 لأن مايستخدمه البشر من مياه هذا الكوكب هو واحد على مائة ألف من مياهه (لملوحة مياه بحاره ومحيطاته)، وقد يبدو الحل في إقامة محطات تحلية المياه لكنه حل مكلف للغاية ولايستطيع الوفاء باحتياجات كافة السكان واستخداماتهم ويحتاج لموارد مالية ضخمة قد لاتتوافر للكثير من البلدان خاصة الفقيرة والنامية منها.. وبسبب نقص موارد المياه وضعف معدلات التنمية خاصة في أفريقيا رغم غزارة أمطارها خاصة المنطقة الاستوائية فإن المياه تعد الآن سببا رئيسيا في تفشي الأمراض والأوبئة وارتفاع معدلات الوفيات، تقرير التنمية البشرية لبرنامج الأمم المتحدة أشار إلى أن 2.6 مليار نسمة يعيشون بدون وسائل الصرف الصحي.

وقد أشار تقرير لمؤسسة الاستشارات الدولية (برايس ـ ووترهاوس) إلى أن النزاعات ستزداد حدة بسبب نقص المياه الذي يتوقع أن تمتد آثاره إلى قرابة ثلثي سكان العالم منتصف القرن الحالي ومن أكثر المناطق المعرضة لتهديد نقص المياه الشرق الأوسط.

مناطق ساخنة
ويبرز التقرير الحالة الإسرائيلية وهي الأكثر ترشيحا لصراعات قد تقود لحروب فثلثا المياه التي تحصل عليها إسرائيل تأتي من الأراضي المحتلة (الضفة وغزة) وقرابة نصف منشآت إسرائيل المائية تقع في مناطق لم تكن ضمن حدودها قبل حرب 67.
ومن المناطق المعرضة للحروب يرصد التقرير 11 منطقة أخرى تضم تركيا وسوريا والعراق وايران بسبب السدود التركية التي تسحب كميات ضخمة من نهري دجلة والفرات، ... ومصر والسودان كدولتي مصب وبلدان المنبع السبع، والحقل الجوفي الممتد عبر مصر وليبيا وتشاد والنيجر، ومشكلة الهند وباكستان حول استثمار نهر الأندوس ، وصربيا وكرواتيا والخلاف حول نهري الدانوب والساف والهند وباكستان والخلاف حول دلتا نهري الجانج وبراهما بوتري، أي أن الصراعات بين هذه البلدان تكمن في جريان النهر من منبعها إلى المصب عبر حدود بلدان أو حتى المياه الجوفية