عندما يكذب ترامب جهاراً نهاراً

عندما يكذب ترامب جهاراً نهاراً
الخميس ١٣ أبريل ٢٠١٧ - ٠٣:٤٧ بتوقيت غرينتش

برر المسؤولون الامريكيون عدوانهم الاخير على سوريا والذي اسفر عن مقتل وجرح عدد من المواطنين السوريين بينهم اطفال ونساء ، بطريقة سخيفة وغبية ، تكشف عن مدى استهتارهم واستهزائهم بعقول الاخرين ، لمجرد انهم يملكون القوة.

الرئيس الامريكي دونالد ترامب برر الهجوم الصاروخي على قاعدة الشعيرات السورية في شرق حلب بقوله : “لن ندخل سوريا ، لكن عندما أرى أشخاصا يستخدمون أسلحة كيماوية مروعة… وأرى هؤلاء الأطفال قتلى بين أذرع آبائهم أو أطفالا يكادون يختنقون… عندما رأيت ذلك، قمت على الفور باستدعاء وزير الدفاع الجنرال ماتيس”.
اما وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون ، فقد اعلن : “إن امريكا ستكرس نفسها  للتصدى ومحاسبة أي شخص يرتكب جرائم ضد الإنسانية في اي مكان في العالم ” ، وجاء هذا التصريح بعد أقل من أسبوع من العدوان الامريكي على سوريا بذريعة الهجوم الكيمياوي المزعوم على خان شيخون في ادلب.
نتمنى ان نصدق ترامب ووزير خارجيته اللذان جعلا من امريكا “الملاك الحارس للاطفال والابرياء في العالم ” ، بعد اهتزازهما بسبب الصور المرعبة للاطفال الذين قتلوا في الضربة الكيمياوية في خان شيخون ، وهي حقا صور مرعبة وتؤلم قلب كل انسان سوي ، ولكن كنا نتمنى ان يهتز مشاعر زعماء امريكا ايضا لباقي الاطفال الذين قتلتهم الاسلحة التي باعتها امريكا لحلفائها في منطقة الشرق الاوسط ، او قتلهم الجنود الامريكيون في العراق وسوريا وافغانستان واليمن وليبيا واماكن اخرى من العالم.
من اجل الا يتهمنا احد باننا نصف قادة امريكا بالكاذبين دون دليل ، سنمر سريعا على افظع المجازر التي ارتُكبت ضد الاطفال والنساء والشيوخ في منطقتنا ليس بالسلاح الامريكي فحسب بل بالدعم والحماية الامريكية ايضا.
كلنا يتذكر العدوان “الاسرائيلي” “عناقيد الغضب” على لبنان عام 1996 ، ومجزرة قانا الاولى ، عندما لجأت مجموعة من المدنيين الى مركز قيادة فيجي التابع للأمم المتحدة في بلدة قانا، وهي إحدى أكبر البلدات الجنوبية في صور، لحماية حياة الاطفال والنساء والشيوخ ، ظنا منهم ان الجيش “الإسرائيلي” لا يقصف مراكز قوات الطوارئ الدولية ، وان هذا الموقع سيكون بمنأى عن نيران “اسرائيل”، احتراما لعلم الامم المتحدة ، الا ان “اسرائيل” قصفت في 18 نيسان / أبريل ، المقر وأدى القصف إلى استشهاد 106 من المدنيين وإصابة اكثر من 150 اخرين ، جلهم من الاطفال والنساء فتناثرت اجسادهم اشلاء.
رغم ان جمیع تقاریر الامم المتحدة وتقارير المنظمات الدولية الأخرى اتهمت “اسرائيل” بانها ارتكبت المجزرة عن قصد ، الا ان امريكا استخدمت الفيتو ضد قرار مجلس الامن يدين “اسرائيل” ، وحينها عبّر الرئيس الاميركي الاسبق بيل كلينتون عن دعمه “لإسرائيل” ، واعتبر المجزرة بانها كانت خطأ من نوع الاخطاء التي تحدث في الحروب!!.
لكن الجمعية العامة للأمم المتحدة وجهت في 25 نيسان 1996 صفعة قوية للرئيس كلينتون واقرت بان “اسرائيل” انتهكت القوانين الدولية المتعلقة بحماية المدنيين خلال الحرب.
في 30/ 7/ 2006  ارتكبت “اسرائيل” مجزرة قانا الثانية أثناء عدوانها على لبنان في عملية “الصيف الساخن”  عام  2006، وسقط جراءها حوالي 55 شخصا، بينهم عدد كبير من الأطفال الصغار الذين كانوا في مبنى مكون من ثلاث طبقات في بلدة قانا حيث انتشلت جثة 27 طفلا من بين الضحايا الذين لجاؤا إلى البلدة بعد أن نزحوا من قرى مجاورة تتعرض للقصف بالإضافة إلى سكان المبنى، وقد قصفت “إسرائيل” المدينة للمرة الثانية بحجة أنها كانت منصة لاستخدام الصواريخ ، وأكد حزب الله أن المبنى لم يكن فيه مقاتلون من حزب الله وأن جل من قتلوا هم من النساء والأطفال والشيوخ.
الملفت ان الاطفال كانوا من اكبر ضحايا مجزرتي قانا الاولى والثانية ، الا ان اجسادهم الممزقة والمتفحمة لم تحرك مشاعر قادة امريكا وتجعلهم يهبون للدفاع عن الابرياء والاطفال كما يدعي ترامب وتريلسون ، بل كانوا على العكس شركاء “الاسرائيليين” في المجزرتين وبشهادة العالم اجمع.
اما مجازر “الاسرائيليين ” بحق الفلسطينيين فهي لا تعد ولاتحصى ومن ابشعها مجزرة مخيم خان يونس جنوبي قطاع غزة في 12 تشرين الثاني / نوفمبر 1956 بحق اللاجئين الفلسطينيين التي راح ضحيتها أكثر من 250 فلسطينيا. وبعد تسعة أيام من المجزرة ، نفذت قوات الاحتلال الصهيوني مجزرة وحشية أخرى راح ضحيتها نحو 275 شخصا من المدنيين في نفس المخيم، كما قتل أكثر من مائة فلسطيني آخر من سكان مخيم رفح للاجئين في نفس اليوم. وقد امتدت هذه المذبحة حتى حدود بلدة بني سهيلا ، وكررت امريكا مواقفها الداعمة والمساندة ل”اسرائيل”.
منذ عام 2006 ارتكبت قوات الاحتلال الصهيوني اكثر من 55 مجزرة ضد المدنيين ولاسيما الأطفال في غزة أدت الى مقتل 1200 شخص غالبيتهم من الأطفال والنساء ، وبلغ عدد الأطفال الجرحى ما يقارب 1300 جريح من مجموع عدد جرحى الذي بلغ 7 الاف جريح ، ولم تسلم من القصف “الاسرائيلي” حتى مدارس الانروا التابعة للامم المتحدة ، ولا ملاعب الاطفال.
في فلسطين كما في لبنان كان الضمير الامريكي يغط في نوم عميق ، واذا ما صحى ، فانه يصحو من اجل الدفاع عن جرائم “اسرائيل” ، ولسد الطريق امام اي جهد دولي يمكن ان يندد ، مجرد تنديد ، ب”اسرائيل”.
اخر مشاهد القتل الجماعي للاطفال والتي مازالت متواصلة حتى الان ، هي مشاهد قتل اطفال اليمن بالاسلحة الامريكية والبريطانية ، دون ان يرتد طرف لقادة امريكا الذي كانوا ومازالوا من اهم اسباب استمرار الحرب على اليمن وقتل الشعب اليمني ومنذ اكثر من عامين.
منظمات حقوقية وإنسانية يمنية ومصادر اممية رصدت مئات المجازر أرتكبها الطيران السعودي والاماراتي بحق المدنيين في رياض الاطفال والمدارس والجامعات والمساجد والمستشفيات والمصانع والمنازل والمزارع و.. في اليمن خلال العامين الماضيين ، واسفرت عن مقتل وجرح عشرات الالاف من المدنيين واغلبهم من الاطفال والنساء ، ونظرا لبشاعة هذه المجازر التي استخدمت فيها اسلحة محرمة دوليا ، اضطرت امريكا في عهد باراك اوباما ، الى الاعلان عن انها ستعيد النظر في دعمها للتحالف العربي بقيادة السعودية ، الا ان ترامب رفض اعادة النظر في بيع الاسلحة الى السعودية ، متجاهلا مأساة اطفال اليمن الذين يموتون يوميا اما بالقصف او بالجوع ، ولم تتحرك شعرة واحدة في جسد ترامب للمأساة اليمنية.
امام كل هذه المآسي في لبنان وسوريا واليمن والتي كان الاطفال اكبر ضحاياها ، لم يستشعر اي شخص ان الامريكيين يتعاطفون مع هؤلاء الاطفال ، فمصالح امريكا كانت مع القاتل وليس المقتول ، كما ان القاتل يعتبر اداة بيد الامريكي لتنفيذ مشروعة في المنطقة ، لذلك تم وضع الضمير الامريكي ، هذا ان وجد ، في ثلاجة حتى يتجمد ولا يشعر بما يحدث من حوله ، الا ان ضمير ترامب دبت فيه الحياة فجأة عندما راى اطفال يموتون في سوريا جراء ضربة كيمياوية مازالت مجهولة المصدر ، واتهم فورا ودون اي دليل الحكومة السورية بانها وراء جريمة الكيمياوي البشعة ، رافضا اجراء اي تحقيق دولي محايد بالحادث ، متجاهلا ما اكدته الحكومة السورية اكثر من مرة وعبر توجيهها 90 رسالة إلى المجلس الامن بشأن حيازة المجموعات التكفيرية أسلحة كيمياوية ، تم تهريبها من ليبيا إلى المسلحين في سوريا عبر تركيا.

*شفقنا