هل السعودية كيان طبيعي؟

الأحد ٢٧ سبتمبر ٢٠٠٩ - ٠٩:٢٠ بتوقيت غرينتش

متى ما أصبحت الدولة تعبّر عن إرادة المجتمع وتطلعاته، فإنها بالقطع دولة طبيعية، ديمقراطية، شرعية، نزيهة، ومنتصرة، ومتى أصبح المجتمع معبّراً عن إرادة الدولة، فإن الأخيرة تصبح مجرد كيان فاسد، مستبد، لا شرعي، مهزوم، وفي الأخير هو كيان تجد فيه القيم الفاسدة مرتعاً مثل النفاق، الإزدواجية، الاحتيال، تعطيل القوانين، ترهّل الجهاز البيروقراطي، وفي نهاية المطاف يصبح كياناً عرضة للفناء.

في النظرة الى نشأة الكيانات السياسية وتطورها، والعوامل الضالعة في تكوينها، يمكن الزعم، بقدر كبير من الثقة، بأن السعودية ليست كياناً طبيعياً، أي لم ينبعث من إرادة عامة وتعاقد تام بين غالبية القاطنين داخل تخوم الكيان الجيوسياسي القائم..وهذا الزعم لابد أن يستوجب مطالعة دقيقة لمفاهيم محدّدة للفصل بين ما تعنيه الدولة الطبيعية ومتوالياتها والدولة الفاسدة ومتوالياتها. ولكن قبل ذلك، لابد من التمييز بين فهم ومفهوم الدولة، رغم الترابط الحميمي الموضوعي بينهما من جهة أن تحديد المفهوم الخاص بالدولة القائمة يساعد على فهمها، أي تشخيص سبل التعامل معها، وتحديد المواقف منها..

يستعرض المفكر المغربي عبد الله العروي خلاصة المناقشات بين فلاسفة التاريخ والسياسة والاثنولوجيا فيما يرتبط بنشأة الدولة. ويرسم بادىء الأمر خطوطاً عريضة لتلك المناقشات، ويفرّق بين شكلين للدولة: اذا كانت الدولة ظاهرة من ظواهر الاجتماع الطبيعي، بمعنى أنها تولّدت حسب قانون طبيعي، وبالتالي فإن حكمها مندرج تحت حكم المجتمع العام، في حال بقيت خاضعة لقانون تولدها وظهورها كانت طبيعية أي معقولة، فلا ينشأ تناقض بينها وبين المجتمع، مصدر تولّدها، فمتى يقع التناقض إذاً؟ يقع في حال واحدة، إذا كانت نشأة الدولة خارج الحاضنة الطبيعية، أي المجتمع، فهنا تتولد الدولة الإستبدادية الظالمة.

وفق هذا التمايز بين الشكلين، يضيء العروي على وظائف الدولتين: الدولة الطبيعية، التي تخدم المجتمع، بمعنى أنها تحقق عملية تنظيم التعاون، وتمهد طرق السعي، وتشجع الكسب وطلب العلم. وأن المطلوب منها هو الحفاظ على الأمن في الداخل والسلم في الخارج، أي ردع العنف اللامعقول. في المحصلة فإن الدولة الصالحة هي الشرعية الطبيعية، كونها متجانسة مع الفرد والمجتمع في كونٍ لا يعرف التناقض البتة.

في المقابل هناك الدولة الفاسدة، أي المناقضة للمجتمع، المبنية على العنف واستعباد الناس، حيث يصفها العروي بأنها (ليست سوى مؤامرة ضد الإنسانية). فهي دولة لاشرعية، ولا طبيعية، وفي المحصلة (تمثل الشر كله وتحتضن كل الفئات الشريرة للإنسانية). والسبب في ذلك، أن هذه الدولة تتعارض مع وجدان الفرد الذي يصبو الى فضيلة وتمثل اللاقيمة مقابل القيم المتجسدة في الأخلاق.

لا تغيّر الكسوة الأيدلوجية من حقيقة الدولة طبيعية كانت أم فاسدة، مالم تكن منبعثة من إرادة المجتمع وخادمة له، فلا تتقمص الدولة القيمة الإ اذا انغمست في المجتمع وخدمة اغراض الفرد العاقل، عندئد تصبح دولة أخلاقية، كما يصفها ارنست كاسيرر في كتابه (أسطورة الدولة). ولذلك يصح القول، كما يشرحه العروي، بأن الدولة تتحقق كواقع أخلاقي يجسد الروح بوعي تام، لابد من أن تتميز عن السلطة وعن الاعتقاد. وهذا التمييز يحدث بعد أن ينقسم الهيكل الديني على نفسه، والثاني، اعتراف الدولة بحرية الذات وتعمل على غمس الذات في المبدأ العام، أي تترك الفرد حراً يفعل ما يريد في الوقت الذي يطبق فيه تلقائياً القانون العام.

واذا ما تجاوزنا هنا مجمل المناقشات التي أنتجها وخاضها الفلاسفة وعلماء التاريخ والاثنولوجيا حول تكوّن الدول، حيث كانوا يقدّمون تصويرات وفق أوضاع الزمن الذي عاشوه، فإن الاتفاق انعقد لاحقاً وراهنا على أن الدولة الحديثة هي مجموع أدوات عقلنة المجتمع، كما كثّفها ماكس فيبر، رغم اختلاف المناهج التي تعاملت مع هذا التصوير.
في الانتقال من التجريدي الى التطبيقي، يظهر أن الدولة السعودية في أطوارها الثلاث، لم تولد بصورة طبيعية، أي نابعة من إرادة المجتمع الذي حكمته، فضلاً عن كونها مصمّمة لخدمة المجتمع الذي تحكمه. فقد نشأت الدولة السعودية على مبدأين رئيسيين:

ـ التملّك وفق مزاعم تاريخية.
ـ التكفير المبيّت، في جوهره، دعوى الحق الالهي.
وشكّل كل من المبدأين مكوّنا عقيدة الفتح، حيث تتحوّل المناطق المحتّلة الى ملك سياسي وديني: حيث يفرض على أهلها الإقرار القهري بأن ما وقع تحت نير الاحتلال من أرض سوى استرداد لملك الآباء والأجداد، أي ملك لآل سعود، وأن احتلال مناطقهم بعد قتل رجالها، وسبي نسائها، ونهب ممتلكاتها، لم يكن سوى امتثال لدعوى دينية، أي أنها كانت كافرة، فأملت اعلان الجهاد لفتحها، وإخضاعها لحكم الدين (= الوهابية).

في مراسلات الملوك السعوديين من الامير محمد بن سعود، الأمير المؤسس للحكم السعودي في القرن الثامن عشر، وصولاً الى الملك عبد العزيز بن سعود، الملك المؤسس) في النصف الأول من القرن العشرين، وكذلك المدوّنين التار