فلسطين.. القضية الضائعة سعودياً

الأحد ٢٧ سبتمبر ٢٠٠٩ - ٠٩:٤٩ بتوقيت غرينتش

لماذا يصبح السؤال عن انخفاض شعبية القضية الفلسطينة بين السعوديين مشروعاً؟ ولماذا السؤال أصلاً؟ فهل ما يعنيه انخفاض شعبية قضية ما، أنها لم تعد أولوية، وأن تآكلاً في مشروعيتها قد بدأ، كما هي قيمتها؟ ومالأسباب التي دفعت الى ذلك المآل؟ هل ثمة من فعل هذا بالقضية الفلسطينية أم أنها مجرد ردود فعل على أوضاع داخلية فلسطينية كما يدّعى؟ أم أن للتطبيع متطلبات خاصة؟

هل هي حماس أم فلسطين التي يراد لها أن تتوارى في الذاكرة الشعبية، حيث يكثّف بعض الكتاب السعوديين المقرّبين من السلطة من قصف حركة حماس عبر إدخالها في لعبة المحاور الإقليمية..ما يظهر في كتابات هؤلاء أن المسألة ليست مقتصرة على حركة حماس بل أن الأمر يصل الى القضية الفلسطينية التي يراد تخفيضها، حيث تنعقد المقارنات بينها وبين قضايا محلية أو حتى خارجية يراد رفع درجة أهميتها بما يجعلها مكافئة لـ (قضية العرب الأولى)، كما كانت الادبيات السياسية العربية تضعها..

لم يجرؤ حاكم عربي ومن ورائه المرجفين من كتّاب ورجال دين وإعلام وصحافة وحتى تجارة، أن يعقد مجلساً للمفاضلة السياسية والتاريخية والقيمية بين فلسطين وأية قضية أخرى في هذا الكون، باستثناء بطبيعة الحال الحرمين الشريفين. لم يجرؤ أحد سراً وجهراً على أن يضع فلسطين القضية في سوق المزايدات الكلامية والاعلامية، وأن يجترح سبيلاً مع قدر عالٍ من التبجّح في المقاربات الجريئة ليقول إن قريتي أهم عندي من القدس، في خلط متعمّد للعاطفة الفطرية مع الأرض ونظام المعنى الأسمى للأمة. فتلك المقابلة لا تتم في أجواء محايدة، ولا شك أن الانطواءات النفسية والسياسية أشد خطورة، فمتى أقحمت القضايا المقدّسة في دائرة الجدل فقدت حصانتها، فلا تكون بمأمن من التحقير، والتهميش، وحتى التشويه.

حين نشرت الصحافة السعودية في الخارج أول مقالة صادمة عن فلسطين قبل عام تقريباً، لم يكن من هم خارج الحدود يدركون بأن شيئاً ما يراد تغييره (أو بالأحرى تطبيعه)، تمهيداً لأرضية السلام التي عبّرت عنها مبادرة عبد الله في بيروت في مايو 2002. حينذاك بدأ الإعلام السعودي الرسمي يخوض سلسلة معارك مع قائمة التابوات، أو بالأحرى ثوابت الأمة، لناحية نزع القداسة عنها واستدراجها الى قاعة المحاكمات العلنية.

فقد كان ضرب الاجماعات يتم تارة عبر ابتذال الشعارات الكبرى ذات الصلة بتحرير فلسطين، فجاء من حقنته مبادرة الاستسلام في بيروت ليضع الشعارات بلغة ساخرة ليخلص الى نتيجة: أن تلك الشعارات لم تحرر شبراً، ولابد من دفنها، ويتم ضرب الاجماعات تارة أخرى عن طريق تبديل قائمة الأعداء، فيتوارى (إسرائيل) من القائمة تدريجياً، ويصبح في اللاوعي مرشحاً منطقياً لأن يصبح صديقاً وشريكاً في عملية السلام، بل وربما حليفاً استراتيجياً. تم الجهر بذلك بأشكال شتى، وأبرزها تصعيد الخطر الايراني والشيعي وتخفيض متعمّد للخطر الاسرائيلي، الذي لم يعد في الخطاب الاعلامي السعودي خطراً يستحق الذكر، بل يجب العمل على تغيير الانطباع بوجوده، والاشتغال على تكريس خيار السلام، والتشديد على الخطر الايراني والشيعي، ويلحق بهذا الخطر أيضاً كل حركات الممانعة في لبنان وفلسطين وإلى حد ما العراق.

فأولئك الذين يضمرون الكراهية للتيارات والقوى الدينية، يعبّرون عن مواقفهم بطريقة مقرفة، تفتقر الى أدنى مسؤولية وإحساس بقيمة الموقف، فهم يعلنونها بأن دعم حركة حماس أو الجهاد في فلسطين يعني فتح الأبواب أمام النفوذ الايراني، فيما يعمون باستغباء عن أشكال النفوذ والاحتلال الصهيوني والاميركي والاوربي.

في السعودية دون سواها، ومن علماء الوهابية حصرياً، يتم تخفيض الخطر الاسرائيلي، شعباً ودولة. وبإمكان أي باحث في الشبكة الالكترونية أن يقع من خلال عملية جوجلة سريعة على عشرات الأمثلة التي تبدأ بعبارة (أن الشيعة أخطر على السنة من اليهود). ومن سيئات طالع هذا الزمن الرديء أن تعميم مثل هذه المواقف لم يأت إلا في غضون وبعد العدوان الاسرائيلي على تموز 2006، والتي خرج فيها حزب الله منتصراً وفق المقاييس العسكرية والنفسية. منذاك، ومهمة التصعيد للخطر الايراني والشيعي والتخفيض للخطر الاسرائيلي متواصلة في الاعلام السعودي، وفي بيانات المشايخ السلفية، وفي الفتاوى التكفيرية. في قراءة الأبعاد النفسية والعقلية لمثل هذه المهمة، نواجه إرهاصات صادمة عن تبدّلات في المزاج العام، وفي اتجاهات الرأي العام في مناطق واقعة تحت تأثير الاعلام السعودي.
ما يبعث على الحزن أن خزي المواقف الاعلامية والثقافية والتي نشرت في الصحافة السعودية بفترة مجدولة بإتقان، ما لبث أن تسرّب الى المحيط المتفاعل غريزياً مع هذه الصحافة، فأصبح كثير من الأنصار الالكترونيين يعكسون آراء مماثلة في مواقع تابعة لذات الكتيبة المخصّصة لصنع اتجاهات الرأي المخزية في المجتمع خدمة لأغراض السلطان.

يدخل المتخيّل مكان الحقيقي والفعلي، فيصبح الخطر الايراني المتخيّل حاضراً بسطوة مكان الخطر الاسرائيلي المقرون بجرائم