كان دائماً بعبع القاعدة جاهزاً للتوظيف السياسي داخل الولايات المتحدة، وخارجها. واسألوا إدارة الرئيس الأميركي السابق جورج بوش كيف استخدم هذا البعبع لتضليل الشعب الأميركي، وتمرير سياساته الداخلية الفاسدة وسياساته الخارجية الدموية على شعبه وعلى العالم، والتأثير على نتائج الانتخابات الرئاسية لصالحه. واسألوه كيف وظف بعبع القاعدة في تضليل الرأي العام وتبرير حربه على العرب والمسلمين باسم "الحرب على الإرهاب".
ويبدو أن أوباما يسير على خطى بوش في التضليل وخداع الشعب الأميركي والعالم، وفي التأثير على نتائج الانتخابات القادمة لصالحه.
وفي سياق التضليل الإعلامي الأميركي، تشير استطلاعات الرأي إلى أن معظم الأميركيين فقدوا ثقتهم في الإعلام الأميركي، فقد أشار استطلاع أجراه معهد غالوب في سبتمبر 2010 أن 57 بالمئة من الأميركيين لا يثقون في وسائل الإعلام الأميركية من حيث تغطية الأخبار بشمولية ودقة وحيادية، وأن أكثر من 60 بالمئة من الأميركيين يعتقدون أن وسائل الإعلام الأميركية منحازة. هذه النتائج تعد خطيرة بالنسبة لبلد تعتمد فيه الديمقراطية على مدى الدقة في نقل الأخبار للمواطنين وتغطيتها بمصداقية وشفافية.
ولا تعود عدم ثقة الأميركيين بوسائل إعلامهم على ضعف إمكانات هذه الوسائل أو ضعف خبرتها في التعامل مع الأحداث، ولكنها تعود إلى ما يوصف بالتوعك السياسي والإحباط من سياسة الإدارة الأميركية الداخلية والخارجية، ومن اعتمادها على التضليل الإعلامي في خداع الأميركيين.
وفيما يتعلق بزعم أوباما حول مقتل الشيخ أسامة بن لادن في 1/ 5/ 2011، ما الذي يجبرنا- نحن العرب- على تصديق الرواية الأميركية إذا كان معظم الأميركيين لا يثقون بالإعلام الأميركي، ولا سيما أن هذه الرواية المتناقضة يكتنفها غموض كبير يُقصد به التضليل؟! ولماذا لا تعطي الفضائيات القطرية للروايات المخالفة مساحة إعلامية متساوية مع المساحة الإعلامية الكبيرة التي أعطتها للرواية الأميركية، خصوصاً أنها ترفع الشعار "الرأي والرأي الآخر!"؟
الرواية الأميركية ليست منزلة من السماء، بل هي محل شك كبير، حتى أن البسطاء من الناس أدركوا زيف الصورة المشهورة التي نشرها البنتاغون لابن لادن ليدلل على أنه قتله قبل أيام قليلة، والتي اعتمد فيها على أحدث وسيلة للقتل، وأسهلها وأقلها تكلفة، وهي برنامج الفوتوشوب!
المصيبة أن الفضائيات القطرية تتبنى الرواية الأميركية بحذافيرها، وأن كل التقارير التي أعدها مراسلوها في هذا الصدد تدعم الرواية الأميركية وتروجها بلا مهنية أو حيادية. كما لاحظتُ أنها تجري لقاءات مع أشخاص يؤمنون بالرواية الأميركية من أجل تبديد الآراء المشككة فيها.
أما بالنسبة لمقتل بن لادن، فهناك تضارب كبير حول تاريخ مقتله، فقد أكد خبراء وصحفيون غربيون كثر، عبر كتب ومقالات عديدة نشروها منذ عدة سنوات، أن بن لادن قُتل في ديسمبر 2001، عندما استخدم الجيش الأميركي طائرات بي 52 لسحق تورا بورا. ومن الذين يؤيدون هذه الرواية: ديفد ري غريفن، لاري تشن، بول كريغ روبرتس، وغيرهم.
ويصعب عليّ في هذا المقام تناول الأدلة التي اعتمدوا عليها في إقناع القارئ بروايتهم، لأن الأدلة تشتمل على أشرطة فيديو مفبركة، ومناقشات حولها مع "البي بي سي"، وحوارات مع توني بلير، وتصريحات لبوش وغيره من الإدارة الأميركية السابقة، وتصريحات لوكالة الاستخبارات الأميركية "سي آي إي"، وتصريحات للرئيس الباكستاني السابق برويز مشرف، وأشرطة نشرتها "السي ان ان" حصلت عليها من مراسل في أفغانستان لمقابلة شخصية بينه وبين بن لادن، وغيرها من التحليلات السياسية في ظل العولمة المالية والأمنية التي تتحكم فيها الولايات المتحدة.
على أي حال، يبدو أن الأكاذيب الأميركية لم تعد تنطلي على الناس، وخصوصاً في ظل الثورات العربية، التي كشفت زيف بعبع القاعدة، وأنه مجرد وهم صنعته وسائل الإعلام الصهيونية والغربية.
*ا.د. محمد إسحاق الريفي – العرب اون لاين