عطوان: الاردن ينتقل من مرحلة التغييب والتهميش إلى مرحلة الاستهداف الأخطر..

عطوان: الاردن ينتقل من مرحلة التغييب والتهميش إلى مرحلة الاستهداف الأخطر..
الإثنين ٢٣ أكتوبر ٢٠١٧ - ١٠:٢٨ بتوقيت غرينتش

أكد لي مسؤول أردني كبير التقيته في لندن الصيف الماضي، أن أكثر ما يقلق الأردن هو انقلاب "إسرائيل" ضده وانتهاء دوره كـ"وسيط" بين "إسرائيل" والدول الخليجية، لأن هذا يعني تجاوزه سياسيا واقتصاديا، وتهميش نفوذه وإضعافه.

العالم - الأردن

هناك عدة أسباب رئيسية تؤكد هذه المخاوف الأردنية، وقرب انتهاء هذا الدور الأردني فعلا، وغياب كل البدائل الممكنة لتعويضه، إلى جانب بدء خطة إسرائيلية لاستهدافه.

الأول: ما يتردد من أنباء عن قيام الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، بزيارة إلى تل أبيب على رأس وفد سعودي أمني واقتصادي وعسكري كبير، وقد أكدت وكالة الأنباء الفرنسية نقلا عن مسؤول إسرائيلي حدوث هذه الزيارة، وتأخر النفي الرسمي لها.

الثاني: الترتيب لانعقاد مؤتمر لرؤساء هيئة أركان جيوش الأردن، السعودية، الإمارات، مصر، في واشنطن في اليومين القادمين، بدعوة من رئيس هيئة أركان الجيوش الأمريكية، لبحث القضايا الأمنية والعسكرية المشتركة، وسيشارك غادي ايزنكوت رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي في هذا المؤتمر للمرة الأولى بعد أن تلقى دعوة أمريكية دون أي اعتراض من قبل "زملائه" العرب، وهذا يعني الانتقال من التطبيع السياسي السري إلى التنسيق العسكري والأمني العلني.

الثالث: استضافة تل أبيب لمؤتمر الـ"المعارضة" الأردنية، لبحث كيفية تحويل الأردن إلى وطن بديل للفلسطينيين، بدعم من حزب الليكود الإسرائيلي الحاكم.

الرابع: عدم تقديم حارس السفارة الإسرائيلية في عمان إلى المحاكمة بتهمة قتل مواطنين أردنيين اثنين، وعدم اعتذار بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي للأردن عن استقباله فور تهريبه بعد ساعات من تنفيذ الجريمة.

ما يقلقنا والكثير من الأردنيين والعرب، أن عمليات التغييب للأردن عن الساحتين الإقليمية والدولية، تمر دون ردود فعل تعكس قلقا حقيقيا في أوساط النخبة الحاكمة، تتوازى مع إجراء مراجعات علمية موضوعية لكل السياسات والمواقف التي أدت إلى هذه المحصلة.

كاتب أردني كبير معروف بصلاته مع أركان الدولة الأردنية، لخص هذه الحالة بدقة عندما قال بالحرف الواحد "انتقلنا من مرحلة التغييب والتهميش إلى مرحلة الاستهداف حيث أن الجميع انقلب علينا"، وأضاف "في قضية جنوب سورية على سبيل المثال لا أحد يتشاور معنا، وقرار فتح معبر نصيب الأردني السوري لم يعد في أيدينا.. حتى الإسرائيليين لم يعودوا ينسقون معنا، باتوا ينسقون مع الروس".

الرهان الأردني على المساعدات الخارجية، والخليجية منها بالذات، ثبت أنه رهان ليس خاسرا فقط، وإنما رهانا مهينا أيضا، وأرقام المساعدات الأمريكية مضللة، صحيح أن أمريكا تقدم للأردن مليار دولار سنويا، ولكن الصحيح أيضا أن 700 مليون دولار منها مساعدات عسكرية، تستفيد منها الشركات الأمريكية ومنتوجاتها بالدرجة الأولى، وتحضر الجيش الأردني لخوض حروب أمريكا في المنطقة.

لا دور للأردن في حرب اليمن، ولا في تطورات الأزمة الكردية، ومبعد كليا عن موضوع المصالحة الفلسطينية، ومغيب كليا عن الأزمة الخليجية، ودوره في الحرب ضد الإرهاب و(داعش) انتهى بسقوط الرقة والموصل، وباتت الورقة الكردية أكثر أهمية بالنسبة إلى أمريكا ودول الخليج (الفارسي) و"إسرائيل" من الورقة الأردنية في معادلات القوة الجديدة.

وزير أردني كان يشغل حقيبة سيادية قال لي "الأردن فقد إمكانيات المناورة السياسية، وغياب طبقة من رجالات الدولة الخبراء الذين يحتاجهم في هذه الظروف الصعبة بات واضحا.. الأردن مقصر في حق نفسه، وبات مستسلما لقدره".

المنعطف الأصعب الذي يواجهه الأردن في نظر الكثير من أبنائه الشرفاء يتمثل في الاحتقان الشعبي، الناجم عن الغلاء الفاحش، وقرار الدولة تحميل الشارع مسؤولية تسديد الأزمات والعجوزات المالية، وارتفاع الدين العام (36 مليار دولار) وفوائده السنوية التي تزيد عن ملياري دولار، ضاعف من هذا الاحتقان بحيث بات على وشك الانفجار.

هذا الاحتقان الشعبي بدأ ينعكس حملات نقد شرسة تخترق كل الخطوط الحمر على وسائط التواصل الاجتماعي، وبدلا من أن تلتفت الحكومة إلى أسباب هذا الاحتقان وكيفية تنفيسه بسياسات فعالة، تدرس إصدار قوانين تجرم هؤلاء المنتقدين وتزج بهم في السجون.

الأردن يحتاج إلى مراجعات مكثفة لكل فصول المرحلة السابقة، تجريها أو تشارك فيها مختلف عقوله المبدعة القديمة، والجديدة الشابة، لرسم سياسات جديدة تتناغم مع تطورات المنطقة، وتجد الحلول للأزمات الداخلية، وأبرز الركائز في هذا المضمار في رأينا إشراك المواطن أيضا، مكافأة له على تحمل الأعباء والارتقاء إلى مستوى المسؤولية الوطنية في وقت هرب منها الكثيرون من قططه السمان، و"الأشقاء" العرب الذين أغرقوه في الوعود الكاذبة.. الأساليب القديمة لم تعد تصلح.. وكنس القضايا المهمة تحت سجاد الإهمال لم يعد مجديا.

بعد هزيمة (داعش) وانهيار "دولتها" و"خلافتها" في العراق والشام، وتزايد احتمالات نزولها تحت الأرض، وتبني الأعمال الإرهابية الانتقامية وتصعيدها، جعل المنطقة تقف أمام مرحلة جديدة، مرحلة الصراع الأمريكي الروسي على أرضها، ونقل الحروب إلى جبهات أخرى.. فما هو دور الأردن؟ وما هي انعكاسات هذه السياسات عليه وأمنه الداخلي؟ وأين يقف في ظل التحالفات الإقليمية والدولية التي تتبلور حاليا بشكل متسارع؟

العدو الأكبر للأردن، والخطر الرئيسي عليه هو العدو الإسرائيلي، الذي يريد تحويله إلى وطن بديل، ويلغي هويته الحالية، ولا بد من تبني سياسات ومواقف حقيقية لمواجهته، فليس لدى الأردن الكثير الذي يمكن أن يخسره، وليس أمامه من خيارات غير المواجهة بأشكالها كافة، واستعادة دوره ومكانته، فها هو اليمن المعدم الجائع، الذي يحتل القائمة الأخيرة لأفقر دول العالم، يقاتل بشجاعة ورجولة، ونشامى الأردن يستطيعون تغيير الكثير من المعادلات إذا جرى إعطاؤهم الفرصة.

نستغرب استمرار الأردن في البقاء بخندق حلفاء خذلوه، وجوعوه، وتخلوا عنه، وتجاوزوا دوره، وتنكروا له، واعتقدوا أنه استسلم لهذا الوضع لانعدام خياراته.. الأردن يملك خيارات كثيرة، ويستطيع أن يقلب الطاولة على الجميع إذا أراد.. ولكن السؤال متى يتحرك هذا المارد، ويخرج من القمقم الذي ارتضاه لنفسه، أو ارتضاه الآخرون له.

نكتفي بهذا القدر.. لكن نحذر من أن القادم خطير جدا.

 

* عبد الباري عطوان – رأي اليوم

 

108