هل تنسحب حركة النهضة فعلا من حكومة الشاهد؟

هل تنسحب حركة النهضة فعلا من حكومة الشاهد؟
الثلاثاء ٣٠ يناير ٢٠١٨ - ٠٨:٠٣ بتوقيت غرينتش

قالت دوائر سياسية مقربة من مجلس شورى حركة النهضة الإسلامية إن "مسألة انسحاب الحركة من الحكومة وفك التحاف مع النداء ستطرح قريبا داخل مؤسساتها" فيما رأى مراقبون أن "التحالف انتهى والمطروح الآن هو ما بعد النهاية".

العالم - العالم الاسلامي

وأقرت الدوائر بأن "غالبية القيادات والكوادر تدفع باتجاه مغادرة حكومة يوسف الشاهد" بعد أن تجردت من هويتها الوطنية غير أنها لفتت إلى أن "راشد الغنوشي يسعى إلى إقناع تلك القيادات بعدم الانسحاب وبعدم فك التحالف".

وشددت نفس الدوائر التي رفضت الكشف عن هويتها لأسباب سياسية وتنظيمية بأن "قرار الانسحاب وفك التحالف تم حسمه سياسيا ولم يبق سوى أن يعرض على مجلس الشورى والمكتب السياسي من أجل حسمه رسميا رغم موقف الشيخ المعارض".

ويقول مراقبون إن النهضة "اختارت الهروب إلى الأمام قبل أن يباغتها النداء بإعلانه رسميا عن فك تحالفها معها" مشددين على أن "الغنوشي هو الخاسر الأول".

وقال الأخصائي في جماعات الإسلام السياسي عبدالحميد بالشيخ "في حال حسمت حركة النهضة انسحابها رسميا من الحكومة وفك تحالفها مع النداء من خلال مجلس الشورى والمكتب السياسي يكون الغنوشي قد كسرت شوكته من قبل إخوته الصغار".

وأضاف بالشيخ لمراسل ميدل ايست أونلاين "الغنوشي مسكون بالحكم ويسعى إلى كرسي قرطاج مراهنا على التحالف لكن مجلس الشورى الذي يهيمن عليه الصقور يقودون جهودا ضد شوكته التي كثيرا ما كتمت العديد من الأصوات".

ويواجه الغنوشي معارضة شديد من قبل قيادات متنفذة تنظيميا وسياسيا وفي مقدمتهم عبدالحميد الجلاصي الذي نافسه منافسة قوية في رئاسة الحركة خلال المؤتمر الأخير للحركة وعبداللطيف المكي الذي اتهم ضمنيا الغنوشي باحتكار القرار النهضوي.

ويبدو أن الغنوشي بعد أن كسرت شوكته بات تحت رحمة مجلس الشورى وبدرجة أقل تحت رحمة المكتب السياسي باعتباره يتكون من المقربين إليه سياسيا.

والاثنين أقر الناطق باسم النهضة عماد الخميري بأن "موضوع مغادرة النهضة للحكومة تم طرحه في إطار نقاشات سياسية وليس بصفة رسمية".

غير أنه لفت وهو يتحدث لإذاعة "شمس أف أم" المحلية إلى أن "الموضوع لم يطرح بعد داخل مؤسسات الحركة وفي مقدمتها مجلس الشورى والمكتب السياسي".

ويبدو، كما يذهب إلى ذلك محللون سياسيون، أن تصريح الخميري مخاتل ويستبطن إقرار بأن التوجه العام للنهضة هو الانسحاب من الحكومة وفك التحالف.

وقال المحلل السياسي منير بن مصطفى "يمكن، في ظل هكذا توجه، أن نقول بأن أحلام الغنوشي وشراهته للحكم كشخص وكأحد أبرز قيادات الإخوان قد تبخرت".

وأضاف بن مصطفى إلى مراسل ميدل ايست أونلاين "نستطيع اليوم الحديث عما بعد نهاية التحالف وتداعياته سواء على النهضة أو على النداء او أيضا على المشهد السياسي بشكل عام".

وخلال السنوات السبع الماضية استمات الغنوشي في النأي بالنهضة عن مصير الإخوان في المنطقة واضطر الرجل العقائدي إلى الانحناء أمام ضغوط القوى العلمانية الديمقراطية وغالبية اتجاهات الراي العام التونسي إلى تقديم تنازلات مرة".

ومن أبرز تلك التنازلات تراجع كتلة النهضة عن موقفها القاضي باعتماد الشريعة كمصدر أساسي للتشريع والقبول بمبدأ حرية الضمير الذي فرضته القوى العلمانية خلال صياغة نص دستور العام 2014 الصادر عن المجلس التأسيسي.

ويبقى الفصل بين العمل الدعوي العقائدي وبين النشاط السياسي من أهم التنازلات الأكثر مرارة التي فرضت على الغنوشي فرضا تحت ضغوط القوى العلمانية.

ولم تكن تلك التنازلات بعيدة عن حسابات الغنوشي السياسية إذ أنه ما كان ليقم عليها لولا مراهنته على تقديم النهضة في صورة الحزب السياسي المدني الجدير بالحكم.

وقالت الدوائر المقربة من مجلس الشورى "إن "الشيخ" يحاول جاهدا إقناع معارضيه بأن مصير الحركة مرتبط بالتحالف وأنه في صورة فكه ستجد النهضة نفسها وحيدة ومعزولة في مواجهة خصوم علمانيين يسعون إلى اجهاضها سياسيا".

ولم تتردد نفس الدوائر وهي تتحدث إلى مراسل ميدل ايست اونلاين في القول "على مستوى صناعة القرار سيكون الشيخ هو الخاسر الوحيد ولكن على المستوى السياسي ستستفيد الحركة من فك تحالف أجج غضبا عارما في صفوف أبنائها".

وفي ظل مثل هذه التطورات تصاعد الجدل في أوساط الطبقة السياسية الديمقراطية وجزء هام من اتجاهات الراي العام بشأن مرحلة ما بعد التحالف.

وقال منير بن مصطفى إن "المستفيد الأول من فك التحالف هي تونس والقوى الديمقراطية التي لا ترى في النهضة سوى جزء من بقايا الإخوان في المنطقة".

ورأى بن مصطفى أن فك التحالف الذي أجهض صناعة القرار السياسي واحتكاره من شأنه أن يدفع بالقوى الديمقراطية الى التقارب مع النداء لتتشكل قوة ديمقراطية علمانية تخوض الانتخابات البرلمانية والرئاسية القادمة بنجاح".

ويرى أخصائيون في جماعات الإسلام السياسي أن "النهضة باتت بين فكي طبقة سياسية علمانية وبين غالبية اتجاهات رأي عام مازالت ساخطة على تجربة حكمها الفاشلة وما اجر عنها من أزمة كادت تجهض المسار الانتقالي الديمقراطي.

وشدد عبدالحميد بالشيخ على أن "النهضة باتت محاصرة لا تتحرك سوى في دائرة ضيقة تتكون من قواعدها الانتخابية التي لا تتجاوز 20 بالمئة فيما تتحرك مختلف القوى الديمقراطية في فضاءات أوسع تشمل ما يقارب 80 بالمئة من الناخبين".

وقال بالشيخ إن "الخارطة السياسية قادمة على إعادة رسم ملامح جديدة من أبرز تضاريسها قوى ديمقراطية متقاربة فكريا وسياسيا من جهة، وحركة إسلامية يتوجس منها غالبية التونسيين من جهة أخرى".

وخلافا لما تروج له النهضة ترى الطبقة السياسية وغالبية اتجاهات الرأي العام أن "انسحاب النهضة من الحكومة وفك تحالفها مع النداء من شأنه أن يوفر الاستقرار الحكومي والسياسي والاجتماعي من خلال بناء جبهة ديمقراطية بمشاركة النداء".

وقالت الدوائر المقربة من مجلس الشورى أنه "في حال وجود النهضة في مقاعد المعارضة فإنها ستواصل ممارسة نشاطها السياسي السلمي باعتبارها قوة سياسية".

لكن عبدالحميد بالشيخ لا يستبعد "أن تستغل النهضة موقعها في المعارضة،في حال فشلها في الانتخابات البرلمانية والرئاسية القادمة وهو أمر شبه مؤكد لممارسة شتى أشكال الضغوط على أي حكومة" لافتا إلى أن الجماعات الإسلامية عادة تستنفر الشارع وتأليبه على الحكومة والدولة لفرض مواقفها وسطوتها".

غير أن منير بن مصطفى المحلل السياسي شدد على أنه "في حال محاولة النهضة المساس بالاستقرار السياسي والاجتماعي ستلقي بنفسها في مواجهة مباشرة مع مؤسسات الدولة وأجهزتها وهي مؤسسات قوية ومهابة كفيلة بإخماد أي محاولة".

ويرى مراقبون للشأن التونسي أن "مرحلة ما بعد التحالف تمثل فرصة تاريخية أمام القوى الديمقراطية لا يجب تفويتها لتجمع شتاتها وتتكتل في إطار قوة سياسية علمانية ديمقراطية وبرامجية لتقود مشروعا وطنيا يعيد لتونس صورتها التحديثية".

 

المصدر: ميدل ايست أونلاين