"التحرش" عاد الى الواجهة في مصر والأزهر يعتبره محرمًا

الثلاثاء ٢٨ أغسطس ٢٠١٨ - ٠٥:٢٧ بتوقيت غرينتش

بعد أن لقي رجل مصري يعمل نقاشا مصرعه على شاطئ أبو يوسف في الاسكندرية، على يد أحد المتحرشين، أعلنت مشيخة الأزهر في بيان أن التحرش “محرم شرعا” ولا يجوز تبريره، في بلد يلقي فيه البعض في عدة أحيان المسؤولية على المرأة في المشاكل التي تواجهها بسبب ملابسها أو سلوكها.

العالم- مصر

وقالت المرجعية في الازهر ان “التحرش – إشارة أو لفظًا أو فعلًا- هو تصرف محرم وسلوك منحرف، يأثم فاعله شرعًا”.

وأكد الأزهر أن “تجريم التحرش والمتحرِش يجب أن يكون مطلقًا ومجردًا من أي شرط أو سياق، فتبرير التحرش بسلوك أو ملابس الفتاة يعبر عن فهم مغلوط، لما في التحرش من اعتداء على خصوصية المرأة وحريتها وكرامتها، فضلًا عما تؤدي إليه انتشار هذه الظاهرة المنكرة من فقدان الإحساس بالأمن، والاعتداء على الأعراض والحرمات”.

حادثة الإسكندرية المروعة

وسادت حالة من الجدل في مصر على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد قيام عاطل بقتل شخص حاول الدفاع عن زوجته من معاكسته لها، بشاطئ أبو يوسف غرب مدينة الإسكندرية.

ولقي رجل مصري مصرعه على شاطئ أبو يوسف، على يد أحد المتحرشين بعدما حدثت بينهما مشادة بسبب تحرش القاتل بزوجة القتيل.

وتداول رواد الشبكات الاجتماعية فيديو مصوراً من الحادثة بعد قتل الرجل، وهو غارق بدمائه على شاطئ البحر، بينما يحاول المواطنون الإمساك بالقاتل، وإبعاد زوجته عنه حتى تهدأ وتكف عن الصراخ والبكاء. 

ويسمع في الفيديو صوت رجل يقول: «اقتلوه يا جماعة»، بينما يحاول بعض الأشخاص الإمساك بالقاتل وفي أيديهم عصي خشبية، فيما يقوم آخرون بسحب الرجل المقتول من الماء بعد استنجاد الزوجة. 

كما يظهر من الصوت المسموع في الفيديو أن القاتل معروف لدى سكان المنطقة، إذ قال أحد الأشخاص: «ما إنتم عارفينه يا جدعان، ده مكنش يدخل الشط يا حسن، هيجيب لك مصيبة». 

ودشن رواد موقع التدوين المصغر "تويتر" هاشتاغ بعنوان "اعدموا المتحرش القاتل"، تصدر قائمة التريندات الأكثر تداولاً في مصر.

وطالب رواد مواقع التواصل الاجتماعي بضرورة إعدام المتحرش، بسبب الجريمة التي ارتكبها، منددين بتكرار وقائع التحرش في مصر، فيما طالب آخرون بضرورة تطبيق القانون لردع هؤلاء المجرمين.

نساء مصر وظاهرة "التحرش"

تقول 60% من النساء في مصر إنهن تعرضن لشكل من أشكال التحرش في وقت ما في حياتهن بحسب دراسة صدرت عن هيئة الامم المتحدة للمرأة ومنظمة بروموندو.

وقال 75% من الرجال و84% من النساء الذين استطلعت آراؤهم أن النساء “اللواتي يرتدين ملابس مستفزة تستحق ان تتعرض للتحرش”، على حد زعمهم.

وتزايد الجدل حول هذه المسألة بعدما نشرت امرأة مصرية شريط فيديو على الانترنت يظهر رجلا يحاول التحرش بها في أحد شوارع القاهرة. واثار شريط الفيديو موجة ردود فعل واسعة على وسائل التواصل الاجتماعي.

ورأى بعض المعلقين ان اقتراب الرجل من المرأة والطلب منها تناول القهوة معه يشكل تحرشا فيما قال آخرون ان ذلك أمر معتاد نظرا لان الرجل لم يقم باي فعل شائن!

 

أهداف سياسية وراء تضخيم "التحرش"؟!

وتكثف الجدل حول مسألة التحرش بعد انتفاضة كانون الثاني/يناير 2011 ضد الرئيس الاسبق حسني مبارك والتظاهرات في ميدان التحرير حيث كشف عن اعتداءات جنسية بفعل التغطية الاعلامية المستمرة، ما ساهم في انهاء الانكار الشعبي لوجود وقائع تحرش في البلاد، الا أن البعض يرى بان تضخيم "ظاهرة التحرش في مصر" و"عدم إتخاذ إجراءات رادعة"  له أهداف سياسية وبما أن النساء المصريات كانت لهن دور كبير في الثورة 2011 تسعى الحكومة منعهن بالتدريج من التواجد في التجمعات  في الشوارع والساحات وتخويفهن من وجود الظاهرة.

وقد أقرت السلطات المصرية قانونا يجرم التحرش الجنسي في حزيران/يونيو 2014 قبل ايام من تنصيب الرئيس عبد الفتاح السيسي في السلطة لكن العديد من النساء لا يزلن يشتكين من هذه المشكلة.

 

 عقوبة التحرش وفقا للقانون المصري

المادة 306  مكرر (أ):

يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وبغرامة لا تقل عن ثلاثة آلاف جنيه ولا تزيد على خمسة آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من تعرض للغير في مكان عام أو خاص أو مطروق بإتيان أمور أو إيحاءات أو تلميحات جنسية أو إباحية سواء بالإشارة أو بالقول أو بالفعل بأية وسيلة بما في ذلك وسائل الاتصالات السلكية أو اللاسلكية.

وتكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة وبغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تزيد على عشرة آلاف جنيها و بإحدى هاتين العقوبتين إذا تكرر الفعل من الجاني من خلال الملاحقة والتتبع للمجني عليه.

وفي حالة العودة تضاعف عقوبتا الحبس والغرامة في حديهما الأدنى والأقصى. 

المادة 306 مكرر (ب):

يعد تحرشا جنسيا إذا ارتكبت الجريمة المنصوص عليها في المادة 306 مكرر (أ) من هذا القانون بقصد حصول الجاني من المجني عليه على منفعة ذات طبيعة جنسية، ويعاقب الجاني بالحبس مدة لا تقل عن سنة وبغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه ولا تزيد على عشرين ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين.

فإذا كان الجاني ممن نص عليهم في الفقرة الثانية من المادة (267) من هذا القانون أو كانت له سلطة وظيفية أو أسرية أو دراسية على المجني عليه أو مارس عليه أي ضغط تسمح له الظروف بممارسته عليه أو ارتكبت الجريمة من شخصين فأكثر أو كان أحدهم على الأقل يحمل سلاحا تكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنتين ولا تجاوز خمس سنين والغرامة لا تقل عن عشرين ألف جنيه ولا تزيد على خمسين ألف جنيه.

 

دراسة اممية حول ظاهرة التحرش في مصر

وبرغم انتشار هذه الظاهرة بصورة كبيرة إلا أنه لا توجد إحصاءات رسمية بهذا الشأن، وذلك لأن أعداد اللاتي تعرضن للتحرش واعترفن بذلك قليلة جداً، مقارنة بمن كتمن الموضوع وفضلن إبقاء الأمر سرياً جداً.

لكن ذكرت دراسة للأمم المتحدة أن القاهرة تعتبر عاصمة البلد العربي الأكبر لناحية التعداد السكاني (94 مليون نسمة)، من أكثر المدن التي تواجه فيها النساء التحرش.

وفي ظل فقدان إحصاءات رسمية وأكيدة في هذا المجال، فقد جاء في الدراسة الاممية الصادرة في العام 2013 بحسب وكالة فرانس برس، أن 82,6% من المصريات اكدن أنهن لا يشعرن بالأمان في الشارع، خشية تعرضهن للتحرش.

شرطة نسائية أمام دور السينما لمنع التحرش 

ومع إرتفاع معدلات التحرش، انتشرت عناصر من الشرطة النسائية في مصر، في أول أيام عيد الفطر الماضي، أمام دور السينما والمقاهي والمتنزهات، للحيلولة دون وقوع حالات تحرش.

ونقلت ذاك الوقت، وسائل الإعلام عن إحدى عناصر الشرطة النسائية (لم تذكر اسمها) قولها: “مهمتنا تأمين الفتيات والسيدات للاستمتاع بالعيد دون تحرش.. من يتحرش بهن لا يلوم إلا نفسه”.

وأَضافت أن وزارة الداخلية المصرية خصصت خطوطًا هاتفية لتقديم شكاوى والإبلاغ عن حالات التحرش لسرعة نجدة الضحايا.

 

توصيات بلا تنفيذ

يشار الى ان النقاشات العامة المتعلقة بقضايا التحرش، دائما ما تنتهي بعدة توصيات مُعلقة في الهواء أشبه بتعليمات وأوامر من قادة أو نخب ولكن بلا قواعد تؤمن بها وتعمل على تنفيذها.

فدائما ما يتم في ختام أي مؤتمر أو حملة سواء كانت رسمية أو مجتمعية بالتأكيد على دور الدولة والقانون في القضاء على هذه الظاهرة الشنيعة، مع ضرورة أن يكون هناك مناهج خاصة بالتربية الجنسية في وسائل التعليم الرسمية المختلفة، وطرح قضايا النوع الاجتماعي، والعمل على نشر قيم المساواة  واحترام أجساد النساء في المجالين العام والخاص، مع مطالبة حازمة بتطبيق عقوبات قانونية رادعة على المتحرشين.

 

محمد حسن القوجاني