عطوان يتسائل: ما هي صفقة إردوغان في اللحظة الأخيرة لـ"النصرة" وما علاقتها بهجوم إدلب؟

عطوان يتسائل: ما هي صفقة إردوغان في اللحظة الأخيرة لـ
السبت ٠١ سبتمبر ٢٠١٨ - ٠٤:٣٠ بتوقيت غرينتش

إعلان السلطات التركية تصنيف "هيئة تحرير الشام" (النصرة)، التي تسيطر على أكثر من 60 بالمئة من مدينة إدلب وريفها، منظمة إرهابية، على قدم المساواة مع شقيقتها "التوأم" "الدولة الإسلامية" (داعش) يعني موافقتها على "هدر دم" هذه المنظمة، وفك أي ارتباط سري أو علني بها، تبديداً لكل الاتهامات، وإعطاء ضوء شديد الإخضرار للتحالف الروسي السوري بشن هجوم "ساحق" للقضاء عليها، وإعادة المدينة لسيادة الدولة السورية.

الرئيس رجب طيب إردوغان أدرك أن روسيا تدعم هذا الهجوم، وتضع كل ثقلها العسكري والسياسي خلفه، حتى لو تطلب الأمر حدوث مواجهة عسكرية مع الولايات المتحدة بصورة أو بأخرى، ولهذا قرر الانضمام إلى الجانب الروسي، وعدم وضع العقبات في طريقه، موجهاً رسالة قوية إلى حليفه الأميركي، وشريكه في حلف الناتو، بأنه حسم أمره بشكل نهائي، ونقل بندقيته من الكتف الأميركي إلى الكتف الروسي في الوقت الراهن، وفي الأزمة السورية على الأقل.

هذه النقلة الاستراتيجية التركية لم تكن مفاجئة بالنسبة للذين يعرفون الرئيس إردوغان، و"براغماتيته" السياسية، وتاريخه الحافل في تغيير التحالفات والمواقف إذا جاءت "المراجعات" انسجاماً مع مصلحة تركيا وفق تصوره، ومصلحته الشخصية والحزبية أيضاً، فمن تخلى عن حلب، وأدار وجهه إلى الناحية الأخرى عندما بدأ الهجوم الروسي السوري لاستعادتها قبل عامين لا يتردد في فعل الشيء نفسه، مع اقتراب إرهاصات بدء المعركة السورية الأهم والأخيرة فيها، وبدء مسيرة الإعمار التي يتطلع لأخذ الحصة الأكبر من كعكتها، وبدعم من الروس "مكافأة" له.

***

لا يستطيع الرئيس إردوغان أن يفك ارتباطه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سياسيا واقتصاديا، ويتخذ موقفاً مضادا لخططه في إدلب، كما أن الرئيس الروسي لا يمكن أن يقدم على الهجوم دون أن يكون الرئيس التركي في صفه، ولا بد أن هناك مقايضة ما حصلت سنتعرف على تفاصيلها في المستقبل المنظور، في ظل تدهور علاقاته، أي إردوغان، مع الولايات المتحدة، والحرب الاقتصادية الشرسة التي يشنها عليه الرئيس دونالد ترامب لتسريع انهيار الليرة وتقويض الاقتصاد التركي، فمن أبرز أسباب هذه الحرب انحياز إردوغان لروسيا وتوقيعه اتفاقات تجارية ترفع التبادل التجاري معها إلى 100 مليار دولار سنويا، ومد خط أنابيب الغاز الروسي "تورك ستريم"، وشراء صفقة صواريخ "إس 400" وتوطين صناعتها في تركيا، والالتزام علناً بالوقوف إلى جانب إيران في مواجهة العقوبات الاقتصادية الأميركية.

الرئيس إردوغان بدأ التمهيد لخطوة فك الارتباط رسميا، وعلنيا مع "جبهة النصرة" بإطلاقه تصريحاً قبل ثلاثة أيام أعلن فيه عزم بلاده "القضاء على الإرهاب في سوريا وإعادة الاستقرار إليها"، واضعاً حدا لموقف بلاده "الضبابي"، وتجنب تبعات الهجوم الوشيك، وأبرزها فتح حدود تركيا أمام مقاتلي جبهة النصرة، ومئات الآلاف من النازحين السوريين، ولهذا قرر الانضمام إلى المخطط الرامي إلى تصفية 10 آلاف من مقاتليها جسديا تماشياً مع الإجماع الإقليمي والدولي، خاصة أن التنظيم (النصرة) رفض الضغوط التركية بحل نفسه، والتخلي عن المقاتلين الأجانب في صفوفه.

اجتماع قمة طهران الثلاثي يوم السابع من هذا الشهر، الذي يشارك فيه الرئيس إردوغان إلى جانب نظيريه الروسي والإيراني، سيضع خريطة طريق "سوريا الجديدة الموحدة"، وإطلاق عملية المصالحة الوطنية، وبقاء الرئيس بشار الأسد في قمة السلطة لسنوات، وربما عقود قادمة، ورسم خريطة تحالف شرق أوسطي جديد، وغير طائفي، يقف في مواجهة محور الاعتدال "السني" الذي من المتوقع أن يدشنه الرئيس ترامب رسميا في مؤتمر يعقده في واشنطن في شهر تشرين أول (أكتوبر) المقبل، ويضم دول الخليج الست إلى جانب الأردن والمغرب وربما مصر أيضاً، وتكون فيه إسرائيل الشريك الخفي.

اللافت أن التحشيد ضد الحرب في إدلب، بشقيه السياسي والإعلامي، من قبل التيارين السلفي والإخواني، ما زال ضعيفاً أو شبه معدوم، بالمقارنة مع الهجومين السابقين على حلب والغوطة الشرقية، رغم أن حجم الضحايا ربما يكون أكبر بكثير في حال اشتعال "أم معارك الحرب السورية" في الأولى، أي إدلب، فالقنوات "الفضائية" تلتزم الصمت على غير عادتها، والحل نفسه ينطبق على وسائل التواصل الاجتماعي، مما يوحي بأن هناك مباركة، أو إجماعاً بالأحرى، على تصفية الجماعات السلفية المسلحة في سوريا بعد تجميعها في إدلب، وتركيا وحلفاؤها جزء أصيل فيه، ولنا في "الجزيرة" وأخواتها خير مثال.

***

عندما يكشف مايك بومبيو، وزير خارجية أميركا، بأن سيرغي لافروف نظيره الروسي الذي التقاه مؤخراً يدافع بشراسة عن هجوم وشيك في إدلب، فالكتابة على حائط المدينة واضحة، ولا تحتاج إلى تفسير أو شرح، ولا نستبعد أن نصحو غداً أو الأيام القليلة المقبلة على أنباء فتح الممرات الإنسانية لإجلاء المدنيين، تمهيداً لقصف روسي سوري سجادي للمدينة على غرار ما حدث في هجوم مماثل قاده بوتين شخصيا لإخراج المسلحين السلفيين من غروزني عام 1999 وانتهى بتدمير 95 بالمئة من العاصمة الشيشانية.

كل المفاجآت واردة في جميع الأحوال، ومن بينها حدوث انقسام أو عملية فرز في "النصرة"، وفي اللحظة الأخيرة، بين المقاتلين السوريين الراغبين بتسوية أوضاعهم والمصالحة مع السلطة، والمقاتلين الأجانب، والعذر حقن الدماء وتجنب كارثة إنسانية.

قنبلة الرئيس إردوغان بوضع "النصرة" على قائمة الإرهاب ستكون لها ارتدادات عنيفة في معظم أنحاء المنطقة، إن لم يكن كلها، وسلسلة من المصالحات، وعلى رأسها المصالحة السورية التركية التي باتت أقرب من أي وقت مضى.. والله أعلم.

* عبد الباري عطوان