"مذبحة صبرا وشاتيلا".. 36 عاماً شاهدة على إجرام الصهاينة

الأحد ١٦ سبتمبر ٢٠١٨ - ٠٥:٥٨ بتوقيت غرينتش

تعد مذبحة "صبرا وشاتيلا" إحدى أكثر الفصول الدموية في تاريخ الشعب الفلسطيني، والتي راح ضحيتها العشرات بين أطفال ونساء وشيوخ، على يد الصهاينة عام 1982 في مخيم صبرا وشاتيلا جنوب لبنان.

العالم -تقارير

المكان

صبرا هو اسم حي تابع إداريا لبلدية الغبيري في محافظة جبل لبنان، تحده مدينة بيروت من الشمال، والمدينة الرياضية من الغرب، ومدافن الشهداء من الشرق، ومخيم شاتيلا من الجنوب.

سكنت مخيم صبرا نسبة كبيرة من الفلسطينيين، لكنه لا يُعد مخيماً رسمياً للاجئين رغم ارتباط اسمه بشاتيلا الذي يعد مخيماً دائما للاجئين، إذ  أسسته وكالة غوث وتشغيل اللاجئين التابعة للأمم المتحدة (الأونروا) عام 1949، لإيواء المئات من الذين تدفقوا إليه من قرى عمقا، ومجد الكروم، والياجور في شمال فلسطين بعد النكبة عام1948.

مجزرة صبرا وشاتيلا

تمت محاصرة المخيمان بشكلٍ كامل من قبل جيش لبنان الجنوبي، والجيش الإسرائيلي الذي كان تحت قيادة وزير الحرب آنذاك أرئيل شارون، ورئيس أركان الجيش رفائيل إيتان، أما بالنسبة لقيادة القوات المحتلة فقد كانت تحت إمرة إيلي حبيقة المسؤول الكتائبي المتنفذ، حيث دخلت القوات الانعزالية إلى المخيم ونفذت هذه المجزرة من خلال قتل السكان بدمٍ بارد ودون أية نوع من أنواع الرحمة والشفقة، ويشار إلى استخدام الأسلحة البيضاء وغيرها من الأسلحة الأخرى في عمليات القتل لسكان المخيم العُزَّل، وقد تمثّلت مهمة الجيش الإسرائيلي في محاصرة المخيم وإنارته بالقنابل المضيئة في الليل المظلم، وكذلك منع هروب أهالي المخيم عن العالم، وبالتالي فإنّ "إسرائيل" قد سهلت هذه المهمة على القوّات اللبنانية المسيحية، وقد تم قتل الأبرياء الفلسطينيين دون خسارة رصاصة واحدة.

وإلى اليوم لا يعرف أحد عدد ضحايا المجزرة، التي استمرت 43 ساعة متواصلة، في منطقة صبرا ومخيم شاتيلا للاجئين الفلسطينيين قرب العاصمة اللبنانية بيروت، حيث قدّرت منظمات إنسانية ودولية عدد القتلى وغالبيتهم من الفلسطينيين إلى جانب لبنانيين بنحو 3500 الى 5000 شخص، علماً بأن 20 ألف نسمة كانوا يسكنون المخيم وقت حدوث المجزرة.

وهدفت المجزرة إلى بث الرعب في نفوس الفلسطينيين لدفعهم للهجرة خارج لبنان، وتأجيج الفتن الداخلية هناك، واستكمال الضربة التي وجّهها الاجتياح الإسرائيلي عام 1982 في لبنان؛ انتقاماً من الفلسطينيين الذين صمدوا في مواجهة آلة الحرب الصهيونية طيلة ثلاثة أشهر من الحصار، الذي انتهى بضمانات دولية بحماية سكان المخيمات العزل بعد خروج المقاومة الفلسطينية من بيروت.

لجنة تحقيق في مجزرة صبرا وشاتيلا

في الأول من نوفمبر من عام 1982م أمرت الحكومة الإسرائيلية المحكمة العليا بتشكيل لجنة من اجل التحقيق في هذه المجزرة، وقد قرر رئيس المحكمة العليا، إسحاق كاهان، أن يرأس برئاسة اللجنة بنفسه، وهذا ما يفسّر تسميتها بلجنة كاهان وفي السابع من فبراير من عام 1983 أعلنت هذه اللجنة نتائج البحث، وقد تم الإقرار أنّ وزير الحرب الإسرائيلي أرئيل شارون يحمل مسؤولية مباشرة عن هذه المذبحة بالإضافة إلى ذلك فقد انتقدت اللجنة رئيس الوزراء مناحيم بيغن، وكذلك وزير الخارجية إسحاق شامير، ورئيس أركان الجيش رفائيل إيتان وقادة المخابرات، من خلال القول بإنّهم لم يعملوا ما يمكن أن يؤدي إلى الحيلولة دون حدوث هذه المذبحة أو حتى إيقافها، وقد رفض أرئيل شارون قرار هذه اللجنة، مما دفعه للاستقالة من منصب وزير الحرب بسبب الضغوط الواقعة عليه. فيما بعد وتحديداً بعد استقالة وزير الحرب عُيِّن أرئيل شارون وزيراً بلا حقيبة وزاريّة، حيث إنّه كان عضواً في مجلس الوزراء دون وزارة معينة لـ"إسرائيل"، وأيضاً تم انتخابه فيما بعد ليشغل منصب رئيس للحكومة الاسرائيلية، وقد قام بالعديد من المجازر الأخرى في الأراضي الفلسطينية ولم يتم محاكمته على أي من هذه المجازر على الرغم من ثبوت التهم الموجهة إليه.

جريمة بلا عقاب

ولا ينسى الشاهد الفلسطيني -الموجود ذلك الوقت في المخيم- رؤيته لنساء حوامل بقرت بطونهن وألقيت جثثهن في أزقة المخيم، وأطفال قطعت أطرافهم، وعشرات الأشلاء والجثث المشوهة التي تناثرت في الشوارع وداخل المنازل المدمرة.

ويقول "كان المشهد مرعبا، فالجثث والأشلاء والدماء مبعثرة في كل مكان، والجرحى الذين تم التنكيل بأجسادهم يصرخون دون مجيب، كان المجرمون يكبلون الفتيات بالسلاسل قبل أن يغتصبوهن بوحشية ويقطعون أجسادهن بالسكاكين".

وتابع "رأيت أمام باب ملجأ عائلة مقداد في حي فرحات داخل المخيم، جثث العشرات من أهالي المخيم تكومت بصورة مخيفة، وامتزجت أشلاء ولحوم رجال وأطفال ونساء بطوب المنازل المهدمة بعد أن داستها جنازير الجرافات الإسرائيلية".

ولا يتمالك العوض دموعه عندما تستعيد ذاكرته مشهد أدمغة الأطفال التي تطايرت على جدران منزل عائلة "سرور" على مدخل المخيم، وبركة الدماء في منزل "المغربي" خلف "دكان الدوخي" التي طفت على سطحها أطراف طفل، وذلك الرجل العجوز مبتور الساق الذي قتل وربطت جثته إلى  حمار، وإلى جانبه تكومت عشرات الجثث الأخرى التي ذبحت وشوهت وألقيت فوقها "خناجر وبلطات وسواطير" كانت بعض أدوات المذبحة.

وبين بيوت وأزقة المخيم المنكوبة -كما يقول العوض- كانت هناك مجموعة من الشباب الذين يزيد عددهم قليلا عن عدد أصابع اليدين، يتنقلون وهم يحملون بنادقهم الخفيفة ويحاولون منع تقدم "القوات الغازية" في منطقة محور "الكلية الحربية" وسط المخيم.

وعملت هذه المجموعة على إنقاذ الآلاف من وسط المخيم وشماله، بعد أن أخرجوهم بأمان إلى مستشفى "غزة" ومنها إلى وسط العاصمة بيروت، وفق العوض.

ويضيف العوض "إنها أيام محفورة في الذاكرة لمجزرة رهيبة تعرض لها أبناء شعبنا الفلسطيني في صبرا وشاتيلا ارتكبتها القوى الانعزالية بدعم ومشاركة مباشرة من قوات الاحتلال الإسرائيلي بقيادة  أرئيل شارون وذهب ضحيتها ثلاثة آلاف وخمسمئة فلسطيني جميعهم من النساء والأطفال والشيوخ. إنها مجزرة العصر".