أسباب "الطلاق" بين الرئيس التونسي وحركة النهضة

أسباب
الأربعاء ٢٦ سبتمبر ٢٠١٨ - ٠٥:٣٤ بتوقيت غرينتش

أعلن الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، "نهاية" التوافق مع حركة النهضة، مشيرا إلى أن الحركة هي من أرادت ذلك. كما اعتبر أن "مصلحة البلاد" تقتضي مغادرة نجله (حافظ قائد السبسي) ورئيس الحكومة يوسف الشاهد الحياة السياسية، فيما نفت حركة "النهضة" تنكّرها للعلاقة التي وصفتها بـ "المتينة" التي تربطها بالرئيس التونسي، مؤكدة التزامها بمسار التوافق معه.

العالم- تقارير

وخلال حوار مع قناة «الحوار التونسي»، قال الرئيس الباجي قائد السبسي إن «النهضة قررت قطع علاقتها بنا لاختلافنا في مسألة بقاء الشاهد من عدمه (…) أنا دافعت على عدم إقصاء النهضة وكلفني ذلك الكثير لأنّهم اتهموني بأنني خنت الأمانة. لكن أنا رئيس دولة ولي واجبات وهي خدمة البلاد، وقد كان لي أمل لإخراج البلاد من هذه الأزمة بالتوافق مع النهضة. (لكن) النهضة نفضت يديها من الباجي قائد السبسي، لكن يدي ممدودتان للجميع من أجل مصلحة تونس لا للمصالح الشخصية أو بسبب اقتراب الانتخابات».

وحول الصراع المستمر بين نجله حافظ قائد السبسي ورئيس الحكومة يوسف الشاهد، قال الرئيس السبسي «لو يغادر الاثنان (الحياة السياسية) لن تتأثر تونس»، قبل أن يستدرك بقوله «مغادرة الاثنين في مصلحة البلاد»، كما جدد دعوته للشاهد لطرح الثقة بحكومته أمام البرلمان.

والتزم قائد السبسي بإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية المقبلة في موعدها العام المقبل، لكنه أوصى التونسيين بتغيير الدستور والقانون الانتخابي بعد انتهاء فترته الرئاسية، مشيرا إلى أنه لن يقوم بهذا الأمر الآن «حتى لا يتهمونني بالتشبث بالمنصب».

حركة «النهضة»: نلتزم بمسار التوافق مع رئيس الجمهورية

وسارعت حركة «النهضة» إلى إصدار بيان أكدت فيه «التزامها بمسار التوافق مع رئيس الجمهورية وتقديرها لدوره الوطني منذ انطلاق الثورة في إرساء ثقافة التشاور والحوار بين الفرقاء السياسيين في مواجهة خيارات التفرد والإقصاء والمغالبة، وهو ما تفاعلت معه الحركة بإيجابية منذ لقاء باريس»، كما نفت «تنكرها» للعلاقة التي وصفتها بـ«المتينة» مع الرئيس التونسي.

واعتبر القيادي في حركة «النهضة» عبد اللطيف المكي، أن إعلان الرئيس السبسي النهاية هو «محاولة للضغط على الحركة بقوّة وليس بغاية القطيعة معها»، فيما نفى نائب رئيس الحركة، علي العريض، وجود أي اتفاق أو صفقة مع رئيس الحكومة يوسف الشاهد، مشيرا إلى أن الرئيس التونسي «لا يزال أحد أهم عوامل الوحدة الوطنية، حتى وإن لم نسانده في موقفه الخاص بتغيير الحكومة”.

وفي سياق متصل، أكد موقع “ميديا بارت’’ الاخباري الفرنسي أن حزب نداء تونس  الذي  يقود الأغلبية الحاكمة ويرأسه نجل رئيس الجمهورية، على وشك الانهيار قبل عام واحد من الانتخابات القادمة.

أسباب انفصال السبسي والنهضة

خلال السنوات الخمس الماضية، كانت لقاءات الرئيس الباجي قايد السبسي والشيخ راشد الغنوشي تنتهي بالتغلب على الخلافات العويصة، لتظل تونس بمنأى عن مصائر ليبيا ومصر واليمن.

بيد أن إعلان السبسي «نهاية» التوافق مع حركة النهضة يثير التساؤلات عن جذور الأزمة ومآلاتها.

 

وبحسب المراقبين، فان الشاهد هذا هو أساس الأزمة بين النهضة والنداء، فقد استقدمه السبسي من القطاع الخاص إلى عالم السياسة، وأصبح عضوا بنداء تونس، ثم كلفه بتشكيل الحكومة في 2016.

لكن الشاهد لم يعد مجرد شاب مغمور يدين باكتشافه للسبسي، إنما تحوّل إلى لاعب سياسي مهم، ودخل في صراع حاد مع حافظ السبسي نجل رئيس الدولة، مما أدى لنزيف استقالات في حركة نداء تونس وقلّص كتلتها البرلمانية من 86 نائبا إلى 41 فقط.

أراد "السبسيان" الابن والأب إقالة الشاهد من منصبه، لكن النهضة رفضت التخلي عنه بحجة الحفاظ على استمرار تنفيذ المشاريع التنموية واستقرار المشهد السياسي قبل الانتخابات المقررة في 2019.

وإلى جانب النهضة، يحظى يوسف الشاهد بمباركة الخارج حيث ينفذ سياسات خصخصة تحظى بإعجاب المؤسسات المانحة، وإن كانت تثير حنق الاتحاد التونسي العام للشغل.

وكما حدث في مرات سابقة، حاول وريث بورقيبة وضحيته التغلب على أزمة الشاهد، لكنهما فشلا أخيرا في احتوائها إذ تتداخل فيها الأبعاد الشخصية والسياسية والاقتصادية.

ولئن كان انفصال العجوزين بات أمرا قائما، فإنه يبدو تسريحا بإحسان، يؤشر على رغبة الجانبين في تجنب أي احتقان سياسي قبل الاستحقاقات المقبلة.

تجلى ذلك في أن السبسي تمنى للنهضة التوفيق في وجهتها الجديدة ولم يشأ أيضا اللجوء لصلاحيات تخوله إقالة الشاهد، بل حثه على التوجه للبرلمان لنيل الثقة من جديد ومواصلة عمله على رأس الحكومة.

ومع تسبب أزمة الشاهد في فراق الجانبين، فإنه بات من المؤكد أن الخريطة السياسية بتونس بصدد التشكّل من جديد.

ووفق مراقبين، فإن حركة النهضة ستحتفظ بزخمها الشعبي في الاستحقاقات المقبلة، بينما تعصف الخلافات بنداء تونس، حيث انسحب كثيرون وانقسم الباقون إلى فريقين متخاصمين، أحدهما يدعم الشاهد والآخر يقف في صف حافظ السبسي نجل الرئيس.

ويعتقد الخبراء، إن حركة نداء تونس تعيش أسوأ مراحلها منذ تأسيسها وتوشك على التفكك، مما يهيئ لتحالفات سياسية جديدة قد يخرج منها الشاهد الفائز الأول.