متى ستنتهي الأزمة البرلمانية في الجزائر؟

متى ستنتهي الأزمة البرلمانية في الجزائر؟
الأربعاء ٠٣ أكتوبر ٢٠١٨ - ٠٦:٢٢ بتوقيت غرينتش

قبل سبعة أشهر من بدء الانتخابات الرئاسية المرتقبة في الجزائر، تشهد البلاد تغييرات على أعلى مستوى بشكل غير مسبوق، ففي خضمّ التغييرات التي تتمّ بالجملة داخل المؤسسة العسكريّة، جاء الدور على البرلمان الجزائري الذي يعيش معركة محتدمة بين رئيسه وبين نوّاب الأغلبية الذين يطالبون بإقالته.

العالم - تقارير

قرّر نوّاب خمس كتل برلمانيّة، من بينها الحزب الحاكم (جبهة التحرير الوطني)، تقديم عريضة مطالِبة بإقالة رئيس البرلمان الجزائري السعيد بوحجّة، إذ وقّع على العريضة 351 نائبًا من أجل إجبار بوحجّة على مغادرة منصبه، وعن أسباب هذا الحِراك جاء في بيان النوّاب: «التجاوزات والخروقات التي تمت ملاحظتها داخل المؤسسة التشريعية والتهميش المفضوح، والمصاريف المبالغ فيها والتوظيف العشوائي»، ومطالب أخرى تدور في نفس السياق.

وقد انفجرت هذه الأزمة بعد أن أصدر بوحجّة قرارًا بإقالة الأمين العام للبرلمان بشير سليماني بشكل مفاجئ، فيما أشارت بعض الصحف إلى أنّ هذه الإقالة جاءت بعد أن تصدّى الأمين العام لبعض ممارسات رئيس البرلمان ووصفها بـ«غير المشروعة».

وعن الأسباب الحقيقيّة وراء قرار السُلطة بإبعاد بوحجّة عن رئاسة البرلمان، تشير بعض المصادر الصحافيّة إلى خرقه للبروتوكولات والأعراف المتّبعة داخل مؤسسات السلطة، وتذكر المصادر حادثتين بارزتين، الأولى كانت في عيد الأضحى الماضي حين رفض بوحجّة في البداية إمضاء العيد داخل أرض الوطن والصلاة مع كبار المسؤولين في الدولة في بداية الأمر، بل فضّل إمضاءه في فرنسا لـ«أخذ أيّام للراحة» ليعود إلى الجزائر فجر يوم العيد بعد إلحاح المسؤولين، ويُغادرها إلى فرنسا بعد نهاية اليوم.

وتعرف صلاة العيد لكبار مسؤولي الدولة أهميّة كبيرة على المستوى السياسي في هذا التوقيت بالذات، إذ يتمّ نقلها على التلفزيون العموميّ من أجل التغطية على غياب الرئيس بوتفليقة الذي لا يحضرها منذ تأزّم صحّته سنة 2013.

الموقف الثاني الذي أثار سخط النافذين في الدولة كان الخرق البروتوكولي الذي قام به بوحجّة مع السفير الياباني، إذ كان من المقرّر أن يلتقي به في إطار لجنة الصداقة الجزائرية اليابانيّة، إلاّ أن بوحجّة فضّل تكليف مسؤولين آخرين بهذه المهمّة، ممّا أثار سخط السلطات ضدّه وتأكّد لديهم بأن بوحجّة لا يصلح لمنصب بهذا الحجم.

وفي وقت يصر رئيس البرلمان على عدم الاستقالة ورمي المنشفة وعدم الرضوخ للضغوطات التي يتعرض لها، تزداد الأمور ساعة بعد ساعة داخل مبنى ” زيغود يوسف ” تعقيدا، ودخلت وزارة الخارجية على خط السجال القائم بين نواب أحزاب السلطة وبوحجة ووجهت مراسلة إلى جميع السفارات المعتمدة في الجزائر تبلغهم فيها بتأجيل كل اللقاء التي كانت مبرمجة في وقت سابق مع لجان الصداقة البرلمانية.

وفي هذا السباق قال رئيس لجنة الصداقة الجزائرية اليابانية، النائب لخضر بن خلاف، في تصريح للصحافيين إن السفارة اليابانية اتصلت به وأبلغته بإلغاء نشاط لقاء بين النواب الأعضاء في لجنة الصداقة مع السفير الياباني في الجزائر الذي كان من المقرر عقده يوم الاثنين.

وقد عمّت التساؤلات عن إمكانية اندلاع أزمة دستوريّة في البلاد، إذ أنّ نوّاب الأغلبية في البرلمان من حزبي جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديموقراطيّ يتمسّكون بمقاطعة أعمال البرلمان حتى استقالة رئيسه، فيما يصرّ الأخير على رفضها، بينما لا تنصّ القوانين المنظّمة لعمل البرلمان على إمكانيّة إقالة رئيس البرلمان من طرف الأعضاء، ولا من طرف رئيس الجمهوريّة أو أيّ جهة أخرى، انطلاقًا من مبدأ الفصل بين السلطات، وبالتالي فإن منصبه محصّن من الإقالة ممّا فجّر أزمة قانونيّة وسياسية داخل أروقة الدولة.

وقد انطلق هذا التحرّك من طرف نوّاب الأغلبية بصفة مفاجئة لكلّ الطبقة السياسية والإعلاميّة، إذ أنّ البرلمان في الجزائر نادرًا ما يشهد مثل هذه المطالبات في صفوف أحزاب الأغلبية التي تُعرف بالالتزام الحزبي، خصوصًا وأنّ رئيس البرلمان السعيد بوحجّة من بين أقدم مناضلي الحزب الحاكم، جبهة التحرير الوطني، نفس الحزب الذي أطلق نوّابه هذه الحملة، كما أنّ بوحجّة كان منذ 1999 من الداعمين الأوفياء للرئيس بوتفليقة، وقد جاءت دعوة رئيس الحزب جمال ولد عبّاس لرئيس البرلمان للاستقالة باعتبارها مؤشّرًا على أنّ هذا المطلب لم يصدر عن النوّاب أنفسهم، بل هو قرار من أعلى السلطات في البلاد.

الأزمة بين بوحجّة والسلطات الجزائريّة انتلقت إلى مجال الإعلام الرسميّ، فقد نشرت وكالة الأنباء الجزائرية على غير العادة خبرًا يفيد بـ«تجميد كل نشاطات المجلس الشعبي الوطني إلى غاية استجابة السيد بوحجة لمطلب الاستقالة».

ومن غير العادة أن تتطرّق هذه المؤسسة الإعلاميّة التابعة للدولة لموضوع حسّاس لهذه الدرجة وتعلنه للملأ، ممّا يشير إلى أنّ قرار رحيل بوحجّة لا يأتي من النواب أنفسهم فحسب، بل إنّه مطلب محسوم من طرف أعلى السلطات في الدولة.

ولذلك تقرّر استخدام المؤسسات الإعلامية الوطنيّة من أجل الضغط على بوحجّة ومحاصرته أمام الرأي العام لتسريع تنفيذ مطلب الاستقالة، خصوصًا وأنّ السلطة تجد نفسها غير قادرة على إقالته بسبب الحصانة التي يتمتّع بها، ممّا اضطرّها لاستخدام كل الأدوات البديلة التي تمتلكها لإجباره على الاستقالة.

وفي وقت يؤكد رئيس كتلة حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم معاذ بوشارب، على أن الرجل على وشك الاستقالة من منصبه في غضون 36 ساعة القادمة، توحي تصريحات سعيد بوحجة أنه لن يرمي المنشفة بسهولة وأنه غير ملزم بالتجاوب مع لائحة خصومه وأن قرار الاستقالة أو التثبيت هو بيد الجهة التي عينته.

وحسب التصريحات التي نقلها النائب عن الاتحاد الإسلامي المعارض لخضر بن خلاف على لسان رئيس البرلمان بعد لقاء جمعه به مساء الأحد فإن ما يحدث ” زوبعة في فنجان ” وستعود الأمور إلى مجراها الطبيعي “.

وناشد بن خلاف الرئيس عبد العزيز بوتفليقة التدخل لإنهاء الأزمة القائمة في المجلس الشعبي الوطني.