استقالة ديمستورا والواقع السوري

استقالة ديمستورا والواقع السوري
الخميس ١٨ أكتوبر ٢٠١٨ - ٠٤:١٤ بتوقيت غرينتش

في ظل ما يجري في ادلب وما قد يجري فيها من حسم قريب، اطاحت الظروف الخاصة بالمبعوث الخاص للامين العام للامم المتحدة ستيفان دي مستورا، حيث استقال من مهمته المستحيلة بعد ان نعى الغرب ومشغلي المسلحين، مشروعهم في سورية، استقالته هذه تأتي في مسار بورصة المواقفة السياسية الاقليمية والدولية، لاعادة العلاقات مع سورية، ومغازلة قيادتها. 

العالم - قضية اليوم

خلال فترة عمله كمبعوث خاص للامين العام للامم المتحدة غرد  دي مستورا كثيرا خارج حدود مهمته، متجاهلاً دوره كوسيط أممي يستوجب منه الحيادية وعدم الانحياز، وأن يكون وسيطا حقيقيا نزيها حياديا وأن يسمي الاشياء على الارض وضمن اروقة السياسية، بأسمائها، وان يكون حريصا على ان لا يتجاوز مسؤولاياته، وان يبتعد عن طرح اي افكار او مقترحات، بناء على طلب الاخرين. 

بالطبع استقالة دي مستورا، لم تكن وليدة صدفة، او توقيت خاص، بل جاءت بعد ان اصطدم الرجل بحائط مسدود، بعد انجازات الجيش السوري على الارض، فأعلن يأسه أخيرا، وعدم قدرته على تمرير سلسلة المشاريع التي استهدفت الدولة السورية، بجغرافيتها وكيانها السياسي المستقل، والتي كانت تطبخ على بعد مئات الاميال من سورية، و بدا دي ميستورا في اكثر من مناسبة وظرف، ممثلاً للإدارة الأمريكية وجبهة النصرة أكثر منه ممثلاً للأمم المتحدة في سورية، وجميعنا يتذكر كيف كان اداء المبعوث الاممي، عشية تحرير حلب من المجموعات المسلحة، لما لمعركة حلب من اهمية خاصة، وكان المتباكي الحقيقي على مجموعات جبهة النصرة، مقترحاً خطة عمل على مجلس الأمن، تتضمن وقفا لإطلاق النار في حلب كمرحلة أولى، ثم تعميمه لاحقا على مناطق أخرى، وعندما شعر بجدية قرار الجيش بتحرير حلب، تحولت الخطة إلى تعليق مؤقت لقصف المدينة، ومقترح مناطق لـ"وقف العمليات العدائية" في أحياء حلب، وتكرار الحديث عن الحاجة لحل سياسي من خلال "مبادرة أممية موسعة غير واضحة المعالم، ولم يلتفت يومها المسمى عليه بمبعوث الامم المتحدة، لعشرات الآلاف من القذائف التي سقطت على المدنيين في حلب، وحاول لحساب الامريكي والسعودية وسواهم ، وقف تحرير المدنيين في جميع احياء المدينة من ارهاب المسحلين.

مواقف كثيرة تمر على الذاكرة سريعا، بعد سماع كلام دي مستورا عن الاستقالة، وشريط تغطية محادثات جنيف، والتي كان يعتبر دي مستورا، المنسق العام لتلك المحادثات، بوضوح كان يظهر انحيازه للمجموعات المسلحة، وكيف كانت تمرر له المقترحات عبر المبعوث الامريكي لتلك المحادثات، واجتماعاته مع قادة المجموعات المسلحة والمعارضة، القادمين تحت رعاية سعودية امريكية، ولا انسى كيف كان يتنقل بين اروقة المؤتمر، كناقل امين للارادة الامريكية، وحتى الفرنسية والبريطانية، وهذا ما يفسر توتر العلاقات بشكل دائم بين دي مستورا ودمشق، والتي اعلنت في اكثر من مناسب انه غير مرحب به في دمشق، وبالذات قبل الجولة الخامسة من مفاوضات جنيف، كما شهد مؤتمر سوتشي، خلافات مع المبعوث الأممي بشأن اللجنة الدستورية التي طالب حينها دي ميستورا برئاستها، ورفضت دمشق.

اما في هذا التوقيت، والذي اقتربت فيه ساعة الحسم العسكري والسياسي في إدلب، وبدأ الجدل العقيم حول الكثير من القضايا الخاصة بالحرب على سورية، من النهاية، نستذكر كيف تباكى ايضا دي مستورا على مصير الارهابيين في ادلب، وحشد بكل طاقته جميع ما تفتقت عنه ذهنية الخداع للمجتمع الدولي، وهذا الامر يذكرنا بحراك دي مستورا قبل تحرير حلب، والغوطة الشرقية، وداريا، والكثير من المناطق، اكتشف الرجل الذي يتقاضى راتب يصل الى اربعين الف دولار، بالاضافة الى المهمات وبدلات السفر، ان إعادة صياغة المشهد لم يعد بعيدا، وان الحفاظ على راتبه الذي كان يتقاضاه اصبح صعبا، بعد افول قدرته على التأثير، واصبح ذلك بعيدا عن متناول تصريحاته المتكررة. 

دي ميستورا المولود عام 1947 في ستوكهولم السويدية،  كان عضوا سابقا في الحكومة الإيطالية، وامضى قرابة 40 سنة في مختلف وكالات الأمم المتحدة، تم تعيينه كمبعوث الأمم المتحدة الخاص خلفاً للجزائري الأخضر الإبراهيمي، الذي قدم استقالته من المنصب، بقي طيلة الاربع سنوات التي امضى جزءا كبيرا منها في المطارات، بين عواصم مختلف الدول، تشكل استقالته في هذه الايام، اقرارا واضحا من دوائر صنع القرار في الامم المتحدة، او الولايات المتحدة الامريكية ان اللعبة السياسية التي كان يقودها محور الشر العالمي، شارفت على النهاية، وان يحزم دي مستورا حقائبه مع بداية النهاية للوجود المسلح في ادلب، له دلالات كثيرة، يجب التوقف عندها، بعد ان تغيرت المعادلة الدولية والتي ستترجم نتائجها سريعا في سورية، فالمؤشرات باتت واضحة، يكفي فقط التأمل في المشهد الدولي الذي بات يصارع من اجل عودة العلاقات مع دمشق .

حسين مرتضى - العالم