تطورات مقتل خاشقجي.. هل يعزل سلمان ولي عهده خلال مهلة شهر؟

تطورات مقتل خاشقجي.. هل يعزل سلمان ولي عهده خلال مهلة شهر؟
الأربعاء ٢٤ أكتوبر ٢٠١٨ - ٠٦:١٣ بتوقيت غرينتش

الخناق يشتد يوما بعد يوم على الرجل القوي الجديد في السعودية ووريث عرشها المرتقب محمد بن سلمان في قضية مقتل الصحفي جمال خاشقجي بسفارة بلاده في اسطنبول بداية الشهر الحالي، فهل سيتمكن بن سلمان من حسم الوضع لصالحه؟ وهل يستطيع والده تهميشه؟ وهل يمكن لحاميه الأميركي الرئيس دونالد ترامب أن يتخلى عنه؟

العالم - السعودية

ما الذي يدور في كواليس  آل سعود؟

أسئلة قال الصحفي المخضرم بصحيفة لوفيغارو الفرنسية جورج مالبرونو إنها تشغل بال الخبراء بشأن هذه المملكة التي لم تشهد أزمة بحجم أزمة خاشقجي منذ هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 في الولايات المتحدة، والتي كان 15 من أصل 19 من منفذيها سعوديون.

مالبرونو قال إن  بن سلمان يعيش -حتى قبل قضية خاشقجي- في جو من الريبة والخوف، لدرجة أنه كما يشاع يفضل قضاء فترات طويلة على يخته في البحر الأحمر، حيث يشعر بأمان أكثر من قصره في الرياض، بل إن شائعات انتشرت على الشبكات الاجتماعية في الأشهر الأخيرة تقول إنه تعرض لمحاولات هجوم.

ومنذ اندلاع قضية خاشقجي، تفاقم التوتر بين ولي العهد وبقية أفراد العائلة المالكة -وفقا لمالبرونو- ولكن ماذا يمكنهم أن يفعلوا؟ فولي العهد يحجب عنهم الملك سلمان بل ويستأثر حتى بهاتفه الخلوي، وهو ما تأكد لملك إسبانيا خوان كارلوس.

فعندما اتصل كارلوس بسلمان على هاتفه الخاص قبل سنتين، رد عليه ولي عهده بطريقة تفتقد للباقة الدبلوماسية قائلا “الملك مشغول”.

ونسب مالبرونو لصحيفة وول ستريت جورنال قولها إن عدم تمكن الأمراء من مقابلة الملك مباشرة جعلهم يلجؤون لاجتماعات سرية.

وأضاف أن أحد الأمراء القلائل الذين قابلوا الأيام الأخيرة الملك سلمان هو الأمير خالد الفيصل ابن عمه ورجل ثقته والذي أرسله إلى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

وبحسب ما يقال فإن تركيا قدمت للفيصل تسجيلًا صوتيًا قصيرًا يثبت أن خاشقجي خدر ثم قُتل قبل أن تشوه جثته، وذلك بعد وقت قصير من دخوله للقنصلية في إسطنبول في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول الحالي.

ورغم أنه من المؤكد -حسب الكاتب- أن الفيصل سلم للملك تفاصيل الرواية التركية، فإن هذا الأخير لم يتردد في تعزيز سلطات ابنه عندما عينه على اللجنة التي كلفت بالتحقيق في ممارسات جهاز الاستخبارات السعودي.

ورغم أن مالبرونو يرى أن سلمان لم يكن مستعدا لتهميش ابنه -كما تصبو لذلك تركيا والعديد من حلفاء السعودية- فإنه لفت إلى أن ذلك كان قبل أن يصعد حليفه الأميركي ترامب من نبرته ويصف الروايات السعودية بأنه “أكاذيب وخداع”.

هنا -يقول مالبرونو- ظهر القلق على  بن سلمان، وانتشر التوجس بين المحيطين به، لدرجة أنه عبر عن “صدمته” من كل هذه “الضجة” التي لا يفهمها.

لكن بعد أن استحوذ ولي العهد على جميع السلطات تقريبا بأقل من سنتين، سيحتاج والده على الأرجح للكثير من الضغط لكي يوافق على تهميشه في بنية السلطة، وإن كان ظهوره بالمنتدى الاقتصادي الأخير بالمملكة يبدو تحديا لخصومه.

وتحاول وكالات الاستخبارات الغربية الكبرى منذ أسبوعين الكشف عن مستوى تورطه ومعرفته بالجريمة التي ارتكبت بحق خاشقجي.

وينقل مالبرونو عن مصدر من أوساط الاستخبارات قوله إن “ بن سلمان كان فضفاضا عندما أمر زعيم الكوماندوز بتحييد خاشقجي” فهل سيمثل ذلك طوق نجاة له من الإعصار الذي ما زال يعصف بالسعودية؟

هل يعزل الملك سلمان ولي عهده خلال "مهلة الشهر"؟

تدور سلسلة من المؤشرات حول توقُّع حدوث تغيير داخل منظومة الحكم بالمملكة العربية السعودية؛ فمن جهة أبقى الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، الباب مفتوحاً في قضية اغتيال خاشقجي، ملمحاً إلى وجود أدلة تدين شخصية كبيرة بالجريمة، اعتبرها "رأس الهرم" بالسلطة، ومن جهة أخرى طَرَق باب "التحقيق الدولي".

الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، كرر في أكثر من مناسبةٍ فكرة ضلوع بن سلمان، في قتل خاشقجي، وذلك على الرغم من إعلان الرياض اعتقال 18 شخصاً روَّجت لفكرة أنهم جميع المتورطين في العملية، كما أن الرواية التي نشرتها عن تفاصيل الجريمة لم تقنع المجتمع الدولي، وصدرت على أثرها العديد من المواقف المطالبة بإجراء تحقيق شفاف.

ترامب نفسه، الذي يمنِّي نفسه بأن تنتهي القضية سريعاً حفاظاً على مكاسبه من الصفقات العسكرية التي عقدها مع ولي العهد السعودي، يتعرض لضغوط في ظل تزايُد الدعوات في الأوساط السياسية الأمريكية لعزل بن سلمان؛ لأنه "أصبح عبئاً على الإدارة الأمريكية"؛ ما دفع ترامب أمام هذه الضغوط لتشديد لهجته مع الرياض.

وكان آخر تصريح لترامب بشأن الأزمة، خلال مقابلة مع صحيفة "وول ستريت جورنال" نُشرت الأربعاء )24 أكتوبر(، من داخل البيت الأبيض بالعاصمة واشنطن، وجاء رداً على سؤال عما إذا كان ولي العهد السعودي متورطاً في العملية أم لا، فأجاب: "الشخص الذي يدير مثل هذه الأمور بالسعودية على هذا المستوى، هو الأمير محمد؛ ومن ثم إذا كان هناك أحد له علاقة بالحادث فسيكون هو".

مهلة الشهر .. ولماذا؟

السعودية طلبت، بحسب ما كشفه الرئيس الأمريكي لوسائل الإعلام، مهلة مدتها شهر كامل للكشف عن ملابسات قضية اغتيال خاشقجي. إلا أن ترامب قال إن هذه المهلة "طويلة جداً، ولا يوجد سبب لذلك"، على حد تعبيره.

اللافت في هذا الطلب أن من كشف النقاب عنه ليس الرياض؛ بل الولايات المتحدة الأمريكية وعلى لسان رئيسها مباشرة، كما أنه طلب شبه منتهٍ، فبحسب ما أعلنته السعودية في بياناتها، تم الكشف عن جميع المتهمين الـ18، ومن بينهم شخصيات كبيرة بالديوان الملكي وجهاز الاستخبارات العامة وأجهزة أمنية أخرى، ولم يبقَ إلا محاسبة المتورطين.

كما أن الطلب السعودي جاء بعد نحو ثلاثة أسابيع من جريمة اغتيال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في مدينة إسطنبول التركية في الثاني من أكتوبر الجاري، حيث كانت فتحت تحقيقات داخلية، كما شاركت في التحقيقات مع أجهزة الأمن التركية بالقضية.

ويرى بعض المحللين أن المهلة التي طلبها الملك سلمان من ترامب تتعلق بترتيب البيت الداخلي السعودي، وتكهنت بعض المصادر الغربية وأخرى في المعارضة السعودية، بأنها قد تكون من أجل تنحية ولي العهد واختيار بديل له، لا سيما أن بقاءه يشوّه سمعة المملكة ويهز صورتها ومكانتها في العالم. وسيتأكد هذا الأمر في حال كانت أنقرة أطلعت الملك سلمان، بالفعل، على أدلة دامغة تدين نجله.

صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية نقلت، مؤخراً، عن مصدر دبلوماسي سعودي قوله إن هيئة البيعة في السعودية اجتمعت سراً لاختيار ولي لولي العهد. وقالت الصحيفة إنه في ضوء الضغوط الدولية المتزايدة التي سبَّبها مقتل الصحفي جمال خاشقجي، بدأت هيئة البيعة منذ أيام، النظر -وبأعلى درجات الاهتمام- فيما سمتها "قضية بن سلمان الذي تحوم حوله الشكوك".

سيناريو وردي وانقلاب أبيض

لعل من بين السيناريوهات، التي يصفها البعض بـ"الوردية"، أن يكون بن سلمان هو الشخص "الذي يتحمل مسؤولية أخطاء من يعملون معه"، ويطلب خلال "مهلة الشهر" التنحي على خلفية هذه الفضيحة، دون إدانته أو توجيه أي تهمة إليه، ووضع حد للأزمة بتثبيت التهم على الفريق المنفِّذ للجريمة.

قد يبدو هذا أحد الحلول، لكن الآخرين يعتبرونه بعيد المنال، لا سيما أن بن سلمان يتمتع بصلاحيات واسعة في بلاده؛ بل هو قادر على عزل والده وتولي الحكم عنوة، سواء تم له ذلك بطريقة "طبيعية"، أو من خلال تنفيذ "انقلاب أبيض".

في حين من المحتمل أن يلجأ الملك السعودي، في السيناريو الثالث، إلى تقليص حجم الصلاحيات الواسعة التي يتمتّع بها ولي العهد والحد من سلطاته، وإجراء تعديلات تضمن توزيع السلطات على دائرة أوسع من الأمراء؛ دون تلبية الملك لدعوات تنحية ولي العهد واستبداله، كما تدعو لذلك أوساط سياسية متنفذة في الكونغرس الأمريكي، وبعض قيادات الدول الأوروبية.

غير أن مثل هذا السيناريو سيكون مؤقتاً، خصوصاً أن بن سلمان سيظل وفقه ولياً للعهد وسيتسلم الحكم بعد والده، لكن يبقى السؤال الأهم وهو: هل تصمد الرياض أمام هذه العاصفة العالمية ضدها؟ أم ستنتهج السياسة التي أعلنها مجلس الوزراء السعودي، معقباً على قضية خاشقجي حرفياً: "سنحاسب كائناً من كان"؟

بن سلمان في ورطة.. أين بن زايد؟

العلاقات السعودية الإماراتية تمرّ اليوم بأخطر مراحلها وأكثرها حساسية بعد الورطة التي دخلها ولي العهد السعودي إثر اعتراف السعودية بتورط عناصر من أجهزتها الأمنية والعسكرية في مقتل خاشقجي.

أنكرت السعودية في البداية قتل خاشقجي في قنصليتها، وأصرت على أنه غادرها بعد وقت وجيز من دخوله، تنادت دول عربية عديدة -من بينها الإمارات- تدور عادة في فلك السياسة السعودية لإصدار بيانات تنديد باستهداف السعودية، وبعد اشتداد الضغوط العالمية على الرياض اعترفت بمقتل الرجل واتهمت فريقا قالت إنه أرسل للتفاوض مع خاشقجي بإساءة التفويض والمبادرة بقتل الرجل دون توجيه سابق. ومثل ما حدث في المرة السابقة، كانت الدول ذاتها ومنها الإمارات جاهزة لإصدار بيانات دعم وتأييد للموقف السعودي الجديد.

ومع اشتداد الأزمة وتزايد الضغوط على بن سلمان، اتجهت الأنظار بشكل خاص إلى الإمارات للمساهمة في إنقاذ الحليف السعودي من ورطته، خصوصا أنها الأقرب جوارا والأوثق تحالفا وذات نفوذ على الساحة الدولية، ولأنها بالذات ترتبط بعلاقات وثيقة مع عدد من جماعات الضغط في الولايات المتحدة الأميركية التي يأتي منها النصيب الأكبر حاليا من الضغوط على بن سلمان.

هل بدأت الإمارات في الابتعاد؟

كان من اللافت أن ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد التزم الصمت خلال هذه الأزمة، وتوارى عن الأنظار العالمية، بل ألغى زيارتين خارجيتين إحداهما إلى فرنسا، كان بالإمكان أن يستغلهما في تخفيف الضغط الدولي عن رفيقه بل "تلميذه"، كما ذكرت صحيفة واشنطن بوست في مقال سابق لها، حيث ذكرت أن الروابط أو العلاقات التي تجمع وليَّي عهدي أبو ظبي والسعودية هي علاقة المعلم (بن زايد) بالتلميذ ( بن سلمان).

ومن المرجح أن بن سلمان كان يعوّل على "معلمه" في الوقوف الحازم إلى جانبه في أزمة عويصة وثقيلة كهذه، لكن الواضح أن الإمارات لم تلق بثقلها في هذه الأزمة إلى جانب السعودية.

ويذهب بعض المحللين إلى أن ابن زايد بدأ في الابتعاد عن صديقه المقرب وحليفه الأوثق بن سلمان بعد أن تضافرت المواقف الدولية على الإشارة إليه وتحميله مسؤولية مقتل خاشقجي، وبعد تصاعد الدعوات الغربية لإبعاده عن ولاية العهد في السعودية.

ويشير بعض هؤلاء المحللين إلى أن الإمارات لم تلق بثقلها خلف السعودية إلا في أزمة قطر ودعم انقلاب مصر، بينما انخرطت معها في تحالفات أخرى لتحقيق مآرب خاصة مثل الحرب في اليمن، ولكن صوتها كان أكثر خفوتا فيما يتعلق بأزمات السعودية على المستوى الغربي، مثل أزمتها مع كندا.

نصيحة ابوظبي لابن سلمان.. اعترف

وفي هذه الأزمة بالذات لم تقم الإمارات -على الأقل حسب ما ينشر في وسائل الإعلام- بتحركات لافتة لتخفيف الضغط على الحليف السعودي، ولم يقم ابن زايد حتى بزيارة دعم للرياض، ولم تخرج المواقف الإماراتية المعلنة من قضية خاشقجي عن دائرة التضامن العام الذي استوت فيه مع دول عربية أخرى أضعف صوتا وأقل تأثيرا في المشهد الدولي.

واقتصرت المساهمة الإماراتية المعلنة على بعض التسريبات والوصفات والاقتراحات التي وجدت صداها سريعا في ردود الفعل السعودية، وفي تغير الرواية السعودية بشأن ما جرى لخاشقجي.

ففي غمرة الإنكار السعودي لأي معرفة بمصير خاشقجي، ظهر قائد شرطة دبي السابق ضاحي خلفان ليحث السعودية بشكل غير مباشر على تجاوز حالة الإنكار وليقدم لها في الوقت ذاته وصفة للحل، فكتب على صفحته على تويتر "لو افترضنا أن موظفا في القنصلية السعودية في تركيا اعتدى على خاشقجي في خلاف على استصدار شهادة.. أدى ذلك الاعتداء إلى وفاة خاشقجي.. فمن المؤكد أن الشجاعة الأخلاقية التي نعرفها في السعوديين أن يقروا بصحة الواقعة ويقيموا الحد على المعتدي.. ويسلموا جثة المجني عليه إلى ذويه".

وكانت المفارقة أن السلطات السعودية تبنت "المقترح" ذاته، وأقرت للمرة الأولى بمقتل خاشقجي في سفارتها، وأرجعته إلى حصول خلاف بين خاشقجي والفريق المفاوض.

ولكن "التوجيه الإماراتي" لم يقف عند هذا الحد، فقد استبق المغرد الإماراتي الشهير حمد المزروعي -القريب من دوائر صنع القرار في أبو ظبي- القرارات الملكية السعودية فجر السبت الماضي بإعفاء مسؤولين، وقبل أن يعلم أحد بأن هناك قرارات ستصدر بالتغريد "ترقبوا.. لا حد يرقد".

وبغض النظر عن مستقبل العلاقات بين الطرفين، فمن الراجح أن ما بعد مقتل خاشقجي لن يكون مثل ما سبقه، سواء على المستوى الداخلي في السعودية أو على مستوى علاقاتها الإقليمية والدولية.

وإذا كان الناشط الإماراتي حمد المزروعي نصح الجميع ليلة السبت الماضي بأن لا يناموا، فمن الراجح كذلك أن هناك أسبابا أخرى لعدم النوم، فعشرات النشطاء بالمملكة باتوا يخشون مصيرا مثل مصير خاشقجي الذي غرد بهدوء ورزانة عن المشهد السعودي فاستحق -في الزمن السعودي الجديد- قص الجناحين، والأكيد أيضا أن القتلة المفترضين ومن أصدر لهم أمرا لا ينعمون بالنوم ولا راحة البال وسط أزمة سياسية عالمية تضيق دائرتها على العنق الملكي في السعودية كل يوم.

المتهم الرئيس باغتيال خاشقجي يغرِّد!

ولم تدع الترسيبات الأمنية والتحقيقات الأولية حول مقتل خاشقجي، مجالاً للشك في تورط مسؤولين كبار في الديوان الملكي وعلى رأسهم سعود القحطاني، الذي كان مستشاراً لولي العهد قبل أن يعفى من منصبه مؤخراً.

ورغم إعفاء الملك سلمان للقحطاني من منصبه إثر تورطه في الجريمة، لا يزال المستشار المقال طليقاً ويغرد عبر حسابه في "تويتر"، في وقت كشفت آخر تسريبات الأمن التركي أنه تحدث مع خاشقجي عبر سكايب قبل مقتله بلحظات ودعا فريق الاغتيال السعودي المكون من 15 شخصاً إلى تقطيعه وطالبه بإحظار رأسه إلى المملكة.

ورغم أنه حذف جميع المناصب من التعريف الشخصي له بموقع "تويتر"، غرّد القحطاني مستنكراً تفاؤل المغردين بإقالته، قائلاً: "المنصب بمفهومنا هو تكليف ومسؤولية وطنية، بينما هم يرونه وسيلة للاسترزاق ووزيادة الأرصدة البنكية. كل سعودي هو جندي ولائه لله ثم لمليكه ووطنه. لا يمكن أن يفهموا الفرق. فهي أشياء لا تشترى".

وبحسب تقرير بثته قناة العربية السعودية (شبه الرسمية) يوم 21 أكتوبر 2018 عبر حسابها في "تويتر"، "فقد شكل نائب رئيس الاستخبارات السعودية اللواء أحمد عسيري فريقاً أمنياً من 15 شخصاً بهدف إقناع خاشقجي بالرجوع إلى المملكة"، والغريب أن التقرير أشار صراحة إلى دور القحطاني في اختيار العقيد ماهر مطرب، أحد أعضاء الفريق، بحجة التفاوض مع خاشقجي، كون تربطه علاقة خاصة مع الصحفي المغدور.

ورغم إعلان الرياض توقيف الـ15 و3 موظفين بالقنصلية، لم تتطرق لاعتقال القحطاني وعسيري، رغم أن إقالتهما جائت بسبب القضية.

ويضيف التقرير، أن "القحطاني أعطى الفريق أوامر بالتصرف دون الرجوع إلى القيادة"، وادعت العربية في تقريرها أن الخطة كانت تقضي باصطحاب خاشقجي خارج إسطنبول والتفاوض معه للعودة إلى بلاده، قبل ان يقول مطرب، بحسب التقرير لخاشقجي: "سنقوم بتخديرك ونأخذك إلى المملكة"، وهو ما رفضه خاشقجي حتى انقض الفريق عليه ليقوم الخبير في التشريح صلاح الطبيقي بالتعامل مع معالم الجريمة واخفاء الجثة بمساعدة متعاون محلي.

والأسبوع الماضي، نقلت وكالة "رويترز" للأنباء عن مصدر عربي رفيع المستوى قالت إنه ذو علاقات مع العائلة المالكة في السعودية، أن القحطاني المقال، هو من أدار عملية قتل خاشقجي داخل قنصلية بلاده في إسطنبول.

وبالإضافة إلى عمله كمستشار في الديوان الملكي، يشغل القحطاني رئاسة مجلس إدارة الإتحاد السعودي للأمن السيبراني والبرمجة والدرونز.

واكتفت السلطات السعودية بإلقاء اللوم على الفريق الذي نفذ العملية في إسطنبول بينما غض الطرف عن المسؤولين الأساسيين في المملكة وهما القحطاني عسيري، واكتفت بإعفاؤهم من مناصبهم، وفي محاولة لإبعاد التهم عن ولي العهد، شكلت لجنة بإشرافه لإعادة هيكلة جهاز الاستخبارات بينما تؤكد تقارير أمريكية وتركية وغربية تورطه في الجريمة.

وفي سياق المهام التي كانت تُوكل لسعود القحطاني، فإن المستشار المثير للجدل أشرف على استجواب وإهانة رئيس الوزراء اللبناني، سعد الحريري، وأرغمه على الاستقالة عندما زار الرياض، بعدما استقبله في غرفة، "وأمر فريقه بضربه، ووجَّه إليه شتائم، وأجبره على تقديم استقالته عبر الإعلام السعودي الرسمي"، بحسب ما كشفت وسائل إعلام غربية.

ومع تضارب روايات المملكة حول مقتل خاشقجي، لم تقتنع دول الغربية أو الولايات المتحدة أو حتى التركية لما تقوله السعودية لحد الآن، فيما اقترح الرئيس التركي محاكمة الـ18 شخصاً الموقوفين في السعودية في إسطنبول، ودعا أيضاً إلى إجراء تحقيق دقيق في مقتل خاشقجي من قِبل لجنة عادلة ومحايدة تماماً، ولا يشتبه في أي صلة لها بالجريمة، وهو ما يبدو مطلباً منطقياً في ظل وجود أبرز المتهمين "حراً" ولو في العالم الافتراضي.

وجميع الأسماء التي طرحتها مصادر سعودية رفيعة لوسائل الإعلام تأتي لوقف أي اتهام للمسؤول الأول، في حين تؤكّد شخصيات دولية بارزة أن تورّط رجال الصف الأول بالعملية يؤكّد التهمة على ولي العهد.

الحريري والقنصل ونجلا خاشقجي

وتتعاظم أهمية الصور في حالات تعطّش الجمهور للحقائق، وجرى ذلك مؤخراً بقضية خاشقجي، منذ اختفائه، ثم تأكيد اغتياله، حتى زيارة أبنائه للملك السعودي وولي العهد، كما ظهر تحليل الصورة بقضية استقالة رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري في السعودية.

ومنحت إطلالات المسؤولين السعوديين، التي كانت شحيحة منذ اندلاع أزمة خاشقجي، أهميةً كبيرة للمَشاهد والصور الواردة، وتعامل الجمهور معها كقراءة لما يجري، وكأن هناك سراً كبيراً يُفحص من خلال الإيماءات والحركات، وفق ما يقول حسام شاكر، الكاتب والمحلل في الشؤون الدولية وقضايا الاجتماع والمسائل الإعلامية.

ويضيف شاكر "واضح أن الموقف الرسمي السعودي ليس في وضع مريح على الإطلاق، والدبلوماسية السعودية غابت عن المنصات، ولم تُحدّث جمهورها المباشر السعودي والعربي ما أوحى بوجود مأزق".

وأثار كل ما يحدث الفضول، وسلّط الأضواء على الصور والمشاهد القليلة التي نُشرت مع التوسع في تأويلها، وكانت هناك إشارات يمكن التقاطها تعكس قدراً كبيراً من الارتباك والاضطراب في التعامل مع الموقف، فالمسؤولون الذين كانوا بالسابق يظهرون إعلامياً في ظروف مريحة، باتوا يظهرون بمواقف مأزومة، وفق ما يرى المحلل.

مشاهد القنصلية مثلاً كانت ذات تأثير كبير، وأعطت انطباعاً يوحي بحالة ارتباك معينة، إذ بدا فيها زيغ للبصر، وعدم تجاوب بشكل جيد بين اتجاه النظر والطرف المخاطب، وكذلك جلسة القنصل وطريقة وضع يديه بعضها فوق بعض، فضلاً عن فتح الخزائن الذي أثار فضولاً كبيراً.

ويعود هذا إلى شيء آخر فضلاً عن إخفاء الحقيقة، وهو يرتبط بالموقف، إذ إن القنصلية كانت مغلقة سابقاً، وبات عليها الآن أن تُكشف للناظرين، وأخفق الإعلام الرسمي بشكل كبير بهذا الأمر.

ويقول المحلل شاكر إن "القنصلية ذاتها بإسطنبول أصبحت تتصدر أغلفة العالم والصحف من خلال شقي الباب عندما ينفتح قليلاً ويظهر منه رأس يلتفت، وعبّر ذلك بصفة رمزية عن حال دولة بكاملها لا مجرد مقرّ قنصلية صار موضوعاً في بؤرة المتابعة العالمية".

سلاح ونظرات تحدٍّ وحزن

عقب مشهد القنصلية، وتأكيد انكشاف كذب الرواية السعودية بنفيها اغتيال خاشقجي، سارع ناشطون لتحليل مشهدٍ آخر لنجلَي خاشقجي اللذين التقيا بالملك السعودي سلمان بن عبد العزيز وابنه ولي العهد.

وفي كل مرة يكون لدى الجمهور شغف في معرفة الحقائق والتنبؤ بها.

ووسط الشبهات التي تحيط بولي العهد حول مسؤوليته عن عملية الاغتيال، ظهر الملك سلمان ونجله وهما يستقبلان أفراداً من عائلة خاشقجي داخل القصر الملكي، عصر الثلاثاء 23 أكتوبر.

وقالت جهات حقوقية إن صلاح، نجل خاشقجي، أُجبر على لقاء الملك ونجله.

وخلال تحليل الصور التي نشرت لهذا اللقاء، لفت ناشطون ومحللون الانتباه إلى حالة الحارس المسلح الذي يضع يده على سلاحه، بالإضافة إلى صورة ولي العهد واضح لصورة ونظراته غير المتصلة بروح التعازي، ومصافحة صلاح، وعدم شدّ قبضة يده على يد ولي العهد.

وبدا في الصورة ولي العهد واقفاً كالنادم على فعلته، ووالده بجانبه كمن يقول لصلاح لن يحدث هذا مرة أخرى، ويتعهد بذلك، وفق ما قال ناشطون.

كما ظهر "صلاح" في ثوب دون كَيٍّ، ومن غير العادة أن يجري شخص لقاء مع المسؤولين السعوديين بحالة الثوب الذي يرتديه نجل خاشقجي، وفق ما قال ناشطون.

وفسروا هذه الحالة بأنه إما جُلب على عجل، أو تشاجر معهم رافضاً القدوم.

وكشفت شبكة "سي إن إن" الأمريكية النقاب عن منع السلطات السعودية نجل خاشقجي من السفر خارج المملكة منذ 3 شهور، من خلال إبطال جواز سفره.

ونقلت الشبكة، في 13 أكتوبر الجاري، عن مصادر مقربة من عائلة خاشقجي، أن نجله الأكبر صلاح غير قادر على السفر خارج المملكة، دون إعطائه أي تفسيرات حول أسباب المنع من قبل السلطات السعودية.

 بدلة الحريري

وتعود الذاكرة عقب هذا اللقاء إلى احتجاز رئيس الوزراء اللبناني، سعد الحريري، في السعودية، بشهر نوفمبر 2017، حين أعلن استقالته من هناك.

وقبل معرفة ظروف وجوده في السعودية وإعلان استقالته، اتُّهمت المملكة بأنها تحتجزه لديها، وتابع العديد من الصحفيين والسياسيين الصور والمقاطع التي تنشر له خلال وجوده هناك.

ووجهت إحدى الصحفيات اللبنانيات سؤالاً لممثل السعودية في الأمم المتحدة، عبد الله المعلمي، خلال لقاء له، حول ملابس الحريري وارتداءه لذات البدلة، ما يشير إلى وضعه رهن الإقامة الجبرية.

ورد عليها العلمي، قائلاً: "لست مسؤولاً عن خزانة ملابس الحريري"، ووصف الاتهامات الموجّهة للسعودية بفرض الإقامة الجبرية عليه، بأنها "مضحكة".

إلا أن الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، كشف بعدها أن الحريري كان محتجزاً في العاصمة الرياض، وقال إنه لو لم تتدخل بلاده في أزمة احتجازه "لربما كانت هناك حرب الآن في لبنان".

وعقب هذه المواقف المتلاحقة، يرى المحلل شاكر أن "الرياض استثمرت عبر العلاقات العامة والإعلام وتحسين الصورة، ثم فجأة باتت تشهد انهيارات جسيمة في صورتها العالمية على مرأى من الجميع".

وبين أن "ما يروي تعطش الجمهور للحقيقة أو يجعله يقتنع بعدم الذهاب بعيداً في تأويل الصورة، هو حصوله على رواية متماسكة من الرياض"، مؤكداً أن "اضطراب الحكايات يدفع الجمهور إلى تشكيل فرضياته ونسج تأويلاته، وخاصة مع وجود إشارات متعددة لما جرى بالقنصلية من قتل وملابسات مفزعة".

وسيواصل الجمهور متابعة الصور والمشاهد التي تتعاقب في هذه القضية الساخنة ومحاولة تأويلها على طريقته، خاصة إن واصلت القيادة السعودية احتجابها، وهو ما ظهر بوضوح في إلغاء كلمة ولي العهد في مؤتمر مستقبل الاستثمار الذي انطلقت أعماله الثلاثاء، ما سيحفز الجمهور على التقاط إشارات أكثر، وإن لم تكن قطعية الدلالة إلا أنه يُستأنس بها، وفق ما يرى شاكر.

ويقول في هذا السياق أيضاً: "نلاحظ بوضوح الفجوة الهائلة بين الصور الرسمية الدعائية النمطية التي تدفع بها العواصم العربية، والصور التي يبدو بها المسؤلوون في لحظات الحقيقة الصعبة؛ الأولى منمقة ومختارة بعناية، والثانية تعكس صورة الواقع، وهو ما يتضح مثلاً في الموقف الحرج للغاية الذي ظهر فيه القنصل".

تفتيش بئر ورصد سيارة دبلوماسية

ومن ضمن تطورات قضية خاشقجي ذكرت وسائل الإعلام التركية، أن السلطات السعودية، الأربعاء، سمحت بعد منعها سابقا، بإجراء تفتيش جديد داخل بصر يقع داخل قنصلية الرياض في إسطنبول.

وقالت قناة "NTV" التركية، إن سلطات الرياض سمحت للشرطة التركية بتفتيش البئر.

وكانت القناة ذاتها، أعلنت في وقت سابق الأربعاء، أن السلطات السعودية رفضت إعطاء الإذن للشرطة التركية بالتفتيش مجددا في القنصلية.

وكانت السلطات قد فتشت القنصلية ومقر إقامة القنصل في إسطنبول من قبل في إطار التحقيق في مقتل خاشقجي.

وبعد نفي على مدى أكثر من أسبوعين، أعلنت السعودية في مطلع هذا الأسبوع مقتل خاشقجي داخل القنصلية.

وقالت صحيفة يني شفق التركية إن السلطات أيضا حصلت على تصوير يظهر إحدى سيارات القنصلية السعودية في غابات بلغراد التي يعتقد أنه تم التخلص من جثة خاشقجي فيها، قبل يوم من جريمة مقتله.

وتظهر كاميرات مدخل الغابة سيارة القنصلية بتاريخ الأول من تشرين الأول/ أكتوبر أثناء دخولها الغابة في ما يعتقد أنها تجهيز لعملية قتل خاشقجي.

وكانت وسائل إعلام تركية كشفت سابقا أن سيارات القنصلية السعودية قامت بعمل "بروفة" قبل يوم من ارتكاب الجريمة التي راح ضحيتها الكاتب والإعلامي السعودي.

وقالت الصحيفة إن السلطات قامت بتفريغ ما مقداره ألفي ساعة تصوير من كاميرات عدة في مدينة إسطنبول.

ونشرت شبكة "سي أن أن" الأمريكي رصد الكاميرات التركية لمصطفى مدني، الذي كانت مهمته التمويه والإيحاء بأن خاشقجي غادر القنصلية، بعد ارتداء ملابسه التي تجول فيها بإسطنبول وتخلص منها في منطقة السلطان أحمد قبل أن يعود للفندق الذي كان يقيم فيه.

دماء خاشقجي على يدي بن سلمان

وقال مستشار للرئيس التركي يوم الأربعاء إن يدي بن سلمان "عليهما دماء" خاشقجي، فيما يعد التصريح الأكثر صراحة حتى الآن لشخصية مرتبطة بالرئيس التركي عن الأمير السعودي في هذه الواقعة.

وألقت الرياض باللوم على ما وصفته بأنه عملية مارقة في مقتل الصحفي السعودي البارز وقالت إن الأمير محمد لم يكن على علم بالواقعة.

وكتب النور جيفيك، وهو أحد مستشاري أردوغان، في صحيفة يني بيرليك "إنها وصمة تصل إلى ولي العهد. خمسة على الأقل من فريق الإعدام أذرع بن سلمان اليمنى، وهم أناس لم يكونوا ليتصرفوا دون علمه".

وأضاف "حتى إذا أنقذ الرئيس الأمريكي ترامب بن سلمان، فإنه في أعين العالم شخص موضع شبهات دماء خاشقجي على يديه".

وجيفيك واحد من مستشاري أردوغان الكُثر وهو ليس مستشارا بارزا. ولم يتضح على الفور ما إذا كانت آراؤه التي كتبها في الصحيفة تعكس آراء أردوغان الذي أكد في خطابين ألقاهما يومي الثلاثاء والأربعاء على ضرورة ألا يفلت المسؤولون عن قتل خاشقجي من العدالة "بدءا ممن أمروا به وانتهاء بمن نفذوه".