تداعيات أزمة تشکيل الحکومة علی الساحة اللبنانية

تداعيات أزمة تشکيل الحکومة علی الساحة اللبنانية
الخميس ٢٢ نوفمبر ٢٠١٨ - ٠٣:٥٥ بتوقيت غرينتش

منذ ستة اشهر ولبنان يعيش أزمة سياسية لتشكيل الحكومة سبق أن مر بها في السنوات الماضية. ولم يتمكن رئيس الوزراء المكلف سعد الحريري بعد من تأليف الحكومة الجديدة بعد الانتخابات البرلمانية التي شهدتها البلاد في مايو 2018.

العالم- تقارير

وأثار التأخير مخاوف بشأن الاقتصاد اللبناني المثقل بالديون، فضلا عن زيادة الخلافات مع "إسرائيل" حول حقول الغاز والنفط في مياه متنازع عليها في البحر الأبيض المتوسط. لهذا يتعين تشكيل حكومة جديدة قبل أن يشرع لبنان في إصلاحات مالية كبرى وعلاج مسألة ديون البلاد.

ان عقدة "السنّة المستقلين" تتعقّد، والتسوية تبدو صعبة المنال. الحريري ثابت على رفض تمثيلهم من حصته والوزير جبران باسيل، المكلّف من رئيس الجمهورية بالتفاوض، فتَح باباً جديداً في مأزق تشكيل الحكومة، معيداً الكرة الى ملعب رئيس الوزراء المكلّف. وقد حملَ كلامه إشارة تشدّد تجاه من يقول بأن الحلّ يجب أن يأتي من جانب الرئيس عون.

فقبول الأخير بمنح المقعد السنّي من حصته إلى سنّة يعني عملياً أن الأخير سيكون قد منح مقعداً من حصته للنواب السنّة المستقلين. وبذلك، تنخفض حصته إلى 4 وزراء، بالإضافة الى وزير للرئيس نجيب ميقاتي. إذاً، نقلَ وزير الخارجية العقدة من كونها عقدة بين الحريري والسنّة المستقلين، الى عقدة بين رئيسي الجمهورية والحكومة.

وتحت هذا العنوان يمكن القول إن جولة المشاورات التي بدأها باسيل لم تفضِ الى حلّ، خصوصاً أن مصادر في تيار المستقبل أكدت أن «الحريري لن يقبل حصة ليسَ فيها تنوّع طائفي من جهة، ومن جهة أخرى فإن استرجاع وزير سنّي من رئيس الجمهورية يعني التراجع عن الإتفاق مع الرئيس ميقاتي» بحسب المصادر.

واعتبرت المصادر أن ما قاله باسيل يعني "رسالة مباشرة الى الحريري تقول إن المشكلة عنده وعليه هو أن يدبّر نفسه".

وكان حزب الله قد ذكر في رسالة بعثها لرئيس الوزراء المكلف سعد الحريري، بأنه لن يسلم أسماء وزرائه الثلاثة الذين سيمثلونه في التشكيلة الوزارية، إذا لم يضمن أن الحريري موافق على أن اللقاء التشاوري للنواب السنة الستة ممثلين في هذه التشكيلة بأحد الوزراء، بحيث لا تصدر مراسيم الحكومة في هذه الحال من دون وزراء الحزب، کما أكد أعضاء تكتل النواب السنة المستقلين تمسكهم بمطلب تمثيلهم في الحكومة اللبنانية.

وأكد الرئيس اللبناني، ميشال عون، الأربعاء، أن بلاده لم تعد تمتلك رفاهية إضاعة الوقت في أزمة تشكيل الحكومة. وقال عون، في خطاب ألقاه بقصر بعبدا بمناسبة ذكرى عيد الاستقلال في لبنان، موجها دعوة لكل المسؤولين والأحزاب والتيارات والمذاهب بالبلاد: "لننبذ خلافاتنا، ونضع مصالحنا الشخصية جانبا، ونبرز حس المسؤولية تجاه من أوكلنا مصيره".

واعتبر عون أن المواطن اللبناني "سئم الوعود ويكاد ييأس من تناتش المصالح، وملّ عدم اكتراث أصحاب القرار بمخاوفه وبطالته وحقوقه وأحلامه المكسورة"، وأضاف مشددا: "من واجبنا أن نطمئنه إلى غده، أن نتآلف في المجلس النيابي والحكومة وننكب ليلا ونهارا على التخطيط والعمل لإنقاذ وطننا اقتصاديا، واجتماعيا، وبيئيا وأخلاقيا".

وقال الرئيس عون: ” لن ندع البلاد تئن اكثر، ولن نتراخى في مواجهة الفساد والفاسدين، ولن نتراجع عن وعود الاصلاح والتنمية المستدامة، وايجاد فرص العمل لشبابنا..

وفي هذا السياق أشار نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم إلى أن "لبنان اليوم ينتظر تشكيل الحكومة"، وأضاف: "في قناعتنا أن بوصلة التشكيل عند رئيس الحكومة وسبيل المعالجة أن يوزر واحدا أو ما يرضى عنه اللقاء التشاوري من السنة المستقلين أو ما يرضيهم من حصة الوزراء السنة الستة".

وقال الشيخ قاسم في حديث له الاربعاء : "لا تضيعوا البوصلة وتضيعوا الناس فهذا هو الطريق الحصري للحل وهو تمثيل السنة المستقلين في تشكيلة الحكومة التي نسأل الله أن تنجز بسرعة"، وتابع: "هؤلاء السنة الستة لهم خلفية شعبية حقيقية بالأرقام والأدلة ومع وجود قاعدة اسمها تشكيل حكومة وحدة وطنية لا يمكن أن يكتمل عقد الوحدة الوطنية إلا أن يكونوا ممثلين فيها".

وشدد الشيخ قاسم على انه لا يمكن تجاوز السنة المستقلين في تشكيل الحكومة والمعني الأول بسكة التشكيل هو رئيس الحكومة الذي يستطيع أن يأخذ الموقف الإيجابي في كيفية تمثيلهم وأن يمهد للحل"، وتابع" "كما أنه يستطيع أن يقول لا أريد أن أمثلهم ولا اريد أن أدخل في الحل وهذا يعني أنه يعقد الأمور ولا يريد أن يصل إلى تشكيل الحكومة".

واشار الشيخ قاسم الى ان هناك وقائع على الأرض يجب الاعتراف بها فهناك قوى سياسية لها تمثيلها الشعبي. واضاف: "كل واحد لديه رصيده يستطيع أن يستفيد من رصيده وليأخذ كل واحد حصته من خلال قرار وحكم الناس في المستقبل".

لبنان يعيش اليوم أزمة تشكيل الحكومة. انها ليست جديدة أو فريدة من نوعها، وليست مستعصية علی العلاج أيضا، إذ سبق أن عاشها لبنان وجربها في الاعوام الماضية، ولكنها تخسر الوقت وتؤخر انطلاق عجلة الاقتصاد إلی الأمام، وتحول دون العکوف علی الانتاج ومتابعة مصالح البلاد وشؤون المواطنين.

ولبنان قد أثبت مرارا بأنه قادر علی تجاوز الأزمات وأنه عصي علی الاستسلام والخنوع لکن بشرط أن يتسم قادة وشعبا بالحکمة اللازمة في هذه الظروف الخطيرة والمعقدة وأن یکونوا يدا واحدة علی من سواهم وأن يقدموا کل ما بوسعهم لرقي البلاد وازدهاره في ظل حکومة تتمتع بالشعبية وتلبي مطالب المواطنين اللبنانيين وتمثل جميع الفئات والشرائح السياسية والدينية.   

د. نظري