تونس على صفيح ساخن بسبب أزماتها

تونس على صفيح ساخن بسبب أزماتها
الإثنين ٢٦ نوفمبر ٢٠١٨ - ٠٥:٣٤ بتوقيت غرينتش

تعيش تونس منذ فترة ليست بقصيرة، موجة من الازمات السياسية آخرها التعديل الذي شهدته الحكومة، ترافقها ازمة اقتصادية خانقة، فيما يرجح خبراء تدخل بعض الجهات الاقليمية في الشأن التونسي وراء هذه الازمات، بهدف إفشال تجربة الانتقال الديمقراطي في تونس.

العالم- تونس

قبل أقل من شهرين أعلن الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي فجأة انتهاء التوافق الذي صنعه مع رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي، وقال إن ذلك كان بطلب من الحركة التي أكدت بدورها أنها متمسكة بهذا التوافق الذي يُنظر إليه باعتباره عاملا أساسيا في نجاح تجربة الانتقال الديمقراطي في تونس عقب الأزمة الخطيرة التي هددت هذا المسار عام 2013.

وجاء إعلان السبسي على خلفية تمسك النهضة باستمرار حكومة يوسف الشاهد حفاظا على استقرار البلاد، وقد رأى في هذا الموقف تحالفا مع الشاهد وانتصارا له في خلافه مع نجل الرئيس.

الاتحاد العام التونسي للشغل يدعو لإضراب عام

اما الان تشهد تونس احتجاجات اقتصادية حيث أعلن الاتحاد العام التونسي للشغل كبرى النقابات العمالية في تونس عن اضراب عام يشكل كامل المؤسسات الاقتصادية والوظيفة العمومية في 17 يناير/ كانون الثاني المقبل احتجاجا على السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي تنتهجها الحكومة.

وقررت الهيئة الإدارية للاتحاد، في بيان عقب اجتماع عقدته السبت، "الإعلان عن خطوة تصعيدية جديدة ضد الحكومة إضرابا عاما في الوظيفة العمومية والقطاع العام كامل يوم 17 كانون الثاني/يناير 2019".

وأرجع  البيان سبب اللجوء إلى خيار الإضراب كمحصلة لما وصفها بـ"تعمق الأزمة الشاملة التي دخلتها البلاد للخيارات الخاطئة للحكومات المتعاقبة وتمسّكها بمنوال تنمية فاشل متأتي من وصفات خارجية لا تصلح إلاّ لمزيد تخريب النسيج الاقتصادي للبلاد، وتفاقم الوضع الاجتماعي وتعمق الحيف (الظلم) الاجتماعي وتدهور المقدرة الشرائية لعموم التونسيات والتونسيين وتزايد البطالة وتوسّع الفقر والأمّية وارتفاع نسبه وانتشار الجريمة والتهريب والفساد والهجرة غير النظامية وازدياد تهميش الجهات المفقّرة وتردّي الخدمات الاجتماعية في الصحّة والتعليم وغيرها ، وتبخّر الوعود الزائفة والمشاريع الوهمية واستمرار التجاذب السياسي من أجل التموقع على حساب المصلحة الوطنية ومصلحة الشعب".

وكان الأمين العام لاتحاد الشغل نور الدين الطبوبي قد هدد الخميس الماضي، بتصعيد الإضراب وتوسيعه الى مختلف القطاعات في حال لم تستجب الحكومة برئاسة يوف الشاهد سريعا لمطالب العمال والتراجع عن سياسات الاقتصادية والاجتماعية التي تنتهجها الحكومة.

ونفذ الاتحاد إضراب عاما شمل المدارس والجامعات المستشفيات العامة إضافة للوزارات، بعد ان لم تفلح جولة من المفاوضات حول الزيادة في أجور الموظفين الحُكوميين، بين الاتحاد العام التونسي للشغل والحكومة.

واستبقت الحكومة الإحتجاجات بالتأكيد في بيان على احترام الحق في الإضراب والتظاهر السلمي وفق ما يكفله الدستور والقوانين، قائلة انها لا تملك القدرة على تمويل الزيادات وحذرت من أن صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والبنك الأفريقي للتنمية والاتحاد الأوروبي سيتوقفون عن دعم الاقتصاد التونسي في حال عدم التزام الحكومة بالإصلاحات المطلوبة.

وحثت حركة نداء تونس الحكومة على عدم إغلاق باب التفاوض مع الاتحاد العامّ للشغل، ودعت إلى التوصل لحلول تراعي التوازنات الماليّة العامّة للدّولة، وتضمن للعمال والموظفين القدرة على مواجهة التضخم.

كما دعت حركة النهضة الحكومة ومختلف الأطراف إلى استئناف ومواصلة الحوار، لضمان أفضل السبل للنهوض بالأوضاع الاجتماعية باعتبارها مسؤولية مشتركة.

ويعاني الاقتصاد التونسي من تحديات اقتصادية، على الرغم من تحقيقه نموا 2.6 بالمائة خلال الأشهر التسعة الأولى 2018، مقابل 1.9 بالمائة في الفترة نفسها 2017.

وتتمثل هذه التحديات في تراجع أسعار الصرف، وارتفاع التضخم، وصعود عجز الميزان التجاري، وتباطؤ نمو الاستثمار الأجنبي، وضغوط يمارسها صندوق النقد الدولي بضبط فاتورة الأجور، وزيادة الضرائب، تحد من قدرة تونس على مواجهة أية مصاريف جديدة. ومن ناحية اخرى تعتبر الحكومة أن منظومة دعم الفئات الفقيرة تعاني "فسادا كبيرا، أدى إلى تضخم فاتورة الدعم الحكومية، مقدرة أن "80 بالمائة من موازنة الدعم تذهب إلى غير مستحقيه".

وتهدف الحكومة إلى خفض فاتورة أجور القطاع العام إلى 12 فاصلة 5 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي عام 2020 من حوالي 15 فاصلة 5في المئة الآن، وهو أحد أعلى المعدلات في العالم حسب صندوق النقد .

حزمة إجراءات لمواجهة التهرب الضريبي وغسيل الأموال

وفي سياق تحسين الاداء الحكومي أعلن رئيس الحكومة يوسف الشاهد اتخاذ حزمة من الإجراءات لمواجهة التهرب الضريبي وغسيل الأموال وتمويل الإرهاب، قائلا خلال تقديمه بيان الحكومة والتقرير العام لمشروع ميزانية الدولة لسنة 2019 أمام مجلس الشعب، السبت، إن الحكومة اتخذت قرارا بتفعيل لجنة للتحكم في الأسعار، والعمل على تشجيع استهلاك المنتجات التونسية للحد من العجز التجارى وتحسين قيمة الدينار، مضيفا "نسعى إلى تخفيض نسبة العجز في الميزانية والوصول بها إلى 3.9 % فى العام المقبل".

وأشار إلى أن قانون المالية لعام 2019 لا يوجد به ضرائب جديدة، مشددا على الاستمرار فى الإعفاء من الضريبة على الدخل أو من الضريبة على الشركات لمدة 4 سنوات.

وأكد الشاهد أن مشروع قانون المالية الجديد يتضمن إجراءات هامة لدعم القطاع السياحى من بينها إعادة الهيكلة المالية للفنادق السياحية التي تواجه صعوبات مالية.
وأوضح أن الحكومة خصصت مليار دينار للجانب الاجتماعي مقارنة بميزانية عام 2018، ومضاعفة الاعتمادات المخصصة لبرنامج التنمية المحلية، وزيادة الاعتمادات المخصصة لصندوق التشغيل لسنة 2019 بـ150 مليون دينار، والعمل على فتح 22 وحدة طبية جديدة بداية من الشهور الثلاثة الأولى من 2019.

التدخل الاقليمي في الشؤون التونسية

ويرى خبراء ان الامارت تحاول منذ سنوات التدخّل في الشأن السياسي الداخلي التونسي، بقوة المال والإعلام، للتأثير في مسار الانتقال الديمقراطي والمشهد السياسي بصفة عامة، وذلك على الرغم من مرور نحو 8 سنوات على اندلاع الثورة التونسية، في 17 ديسمبر عام 2010.

التدخّل الإماراتي في الشأن التونسي الداخلي لم تبدأ فصوله اليوم، فبعد أشهر قليلة من نجاح انتخابات المجلس التأسيسي، نهاية العام 2011، التي فازت فيها حركة النهضة الإسلامية بالأغلبية، وانتخاب المنصف المرزوقي رئيساً لتونس حينها، بدأت الدولة العميقة بالتعاون مع حلفائها بأبوظبي في إعداد خطة محكمة لإفشال تجربة الانتقال الديمقراطي بتونس.

كما ذكرت تقارير إعلامية أن الإمارات والسعودية ضغطتا على تونس لكي تقطع علاقاتها مع قطر بسبب مقاطعتهما لها، مقدمين وعوداً كبيرة إذا ما قررت الاصطفاف معهم في أزمتهما مع قطر.

ويؤكد الخبراء طالما تعنتت مواقف الاطراف السياسية في الشؤون التونسية لن تشهد البلاد الاستقرار، لكن هناك املا ان يتنبه العقلاء الى مصلحة بلادهم لكي يمروا بها لبر الامان.