في أيام السترات الصفراء.. الاحتجاجات تصل الى تركيا ولبنان

في أيام السترات الصفراء.. الاحتجاجات تصل الى تركيا ولبنان
الأحد ٢٣ ديسمبر ٢٠١٨ - ٠٧:١٥ بتوقيت غرينتش

فيما نودّع أيام 2018 الأخيرة، والذي كان عصيبًا على بعض شعوب العالم، لم يدع الشعبان التركي واللبناني هذا العام يفوت دون الخروج في احتجاجات شعبية تزامناً مع صيحة احتجاجات شعبية تجوس القارة العجوز، وأشهرها في فرنسا التي يقودها أصحاب "السترات الصفراء".

العالم - تقارير

تظاهرات السترات الصفراء التي كانت حديث العالم خلال الأسابيع الماضية، فقدت اليوم زخمها في أسبوعها السادس، ولم تعد بنفس الحشد، التي كانت عليه في الأيام السابقة، لكن في تركيا تظاهر آلاف الأتراك، يوم السبت، في شوارع مدينة إسطنبول احتجاجًا على غلاء المعيشة، وارتفاع معدلات التضخم في بلاد الأناضول.

المحتجون رفعوا لافتات يشيرون من خلالها إلى احتجاجات السترات الصفراء، التي كان موطنها فرنسا، وامتدت إلى بلجيكا وهولندا، كما هتفوا بشعاراتٍ كان من بينها "عمل، خبز، حرية"، و"الأزمة لهم والشوارع لنا".

ولم تقتصر التظاهرات على اسطنبول فقط، بل امتدت لمدن بورصا وأدرنة ويالوفا والتي نظمتها بحسب مصادر تركية "كونفدرالية نقابات موظّفي القطاع العام".

المتظاهرون أرادوا تذكير الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بالاحتجاجات الحاشدة التي شهدتها تركيا في يونيو 2013، بالهتاف باسم شهر يونيو، حينما انطلقت احتجاجات شعبية على مشروع أردوغان، الذي كان حينها يشغل منصب رئيس الوزراء، الذي كان يهدف لبناء مركز تسوق في حديقة جيزي قرب ميدان تقسيم في وسط إسطنبول.

اسباب الازمة التركية...

تركيا تودع عام 2018 كما بدأته بأوضاع اقتصادية صعبة، فكان الاحتجاجات متنفسًا للأتراك للتعبير عن استيائهم من الأوضاع الراهنة، حيث من مطلع العام الجاري، والذي أوشك على الانتهاء، وتركيا تعيش أوضاعًا اقتصاديةً تختلف عن السنوات الماضية، فقد هبطت العملة المحلية "الليرة" إلى أدنى مستوياتها، وأدى ذلك إلى زيادة معدلات التضخم في أسعار السلع هناك.

الاقتصاد التركي تأثر هذا على وقع رسومٍ إضافيةٍ، كانت أشبه بالعقوبات، فرضتها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على سلع تركية، بسبب أزمة القس الأمريكي آندرو برانسون، وتعرض العملة المحلية في النصف الأول من العام إلى فقد 40% من قيمتها.

ورغم انتهاء أزمة القس الأمريكي بالإفراج عنه ورحيله إلى الولايات المتحدة، فإن الاقتصاد التركي ظل على كساده وركوده، دون أن يتعافى بعد، ولم تقم أيضًا واشنطن بإعفاء تركيا من الرسوم الإضافية إلى غاية الآن.

"السترات الصفراء" تصل إلى لبنان...

وفي العاصمة اللبنانية بيروت لم يختلف المشهد كثيرا حيث تظاهر مئات اللبنانيين، اليوم الأحد، على غرار احتجاجات "السترات الصفراء" احتجاجا على تردي الأوضاع المعيشية ورفضا للواقع السياسي، في تحرك جاءت الدعوات إلى المشاركة فيه عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

تجمع المتظاهرون في ساحة الشهداء، في وسط العاصمة اللبنانية، بعد قرابة أسبوع على انطلاق دعوات للاحتجاج عبر مواقع التواصل الاجتماعي، في حين لم يتبن أي طرف سياسي الدعوة إلى هذه التظاهرة، التي يقول المشاركون فيها إنهم تحرّكوا من تلقاء أنفسهم.

ورفع المتظاهرون، الذين ارتدى بعضهم سترات صفراء، تيمّنا بحركات "السترات الصفراء" في فرنسا، لافتات تفاوتت في شعاراتها بين "إسقاط النظام" و"مكافحة الفساد" و"إقرار قانون استرداد الأموال المنهوبة"، فيما رفع أحد المتظاهرين لافتة تطالب بـ"الإسراع في تشكيل الحكومة" وأخرى تدعو إلى "إسقاط الحكومة".

ويشهد لبنان أزمة سياسية حادة تحول دون تشكيل حكومة جديدة بعد تحوّل الحكومة الحالية إلى تصريف الأعمال على أثر إجراء الانتخابات البرلمانية في البلاد في مايو/أيار الماضي.

وقال محمد (22 عاما — طالب جامعي) لوكالة "سبوتنيك" إن "هذه المظاهرة تعكس ألم الناس من سياسات الطبقة السياسية التي أفقرت الشعب ونهبت أمواله"، موجهاً الدعوة إلى "كل لبناني بصرف النظر عن انتمائه السياسي والطائفي إلى الاحتجاج لأننا كلّنا في الهمّ واحد".

أما يارا (30 عاما — موظفة) فقالت لـ"سبوتنيك"، إن "النزول إلى الشارع هو أضعف الإيمان لمواجهة هذا الواقع السيء، الذي يريد المسؤولون أن يفرضونه علينا إلى الأبد".

وأضافت "طالما أن شيئا لم يتغيّر في هذا البلد، فعلى الكل أن يرفع صوته للمطالبة بإنهاء هذه المهزلة المستمرة منذ سنوات"، مشيرة إلى أن "هذه المظاهرة العفوية تظهر أن الشعب اللبناني ما زال حيا، ولن يقبل بأن تُسرق حقوقه".

وعلى وقع الهتافات الاحتجاجية، سار المتظاهرون من ساحة الشهداء، التي انتصبت فيها شجرة ميلاد ضخمة، كانت موضع جدل خلال الفترة الماضية بعدما تردّد أن تكلّفت، إلى جانب زينة ميلادية أخرى في بيروت حوالي المليون دولار أمريكي، باتجاه ساحة رياض الصلح المجاورة، والواقعة على بعد أمتار قليلة من السراي الحكومي ومقر مجلس النواب.

وأنشد المحتجون أغنية قديمة للفنان الراحل حسن علاء الدين، المعروف بلقب "شوشو"، تقول كلماتها "شحاين يا بلدنا، قالوا عنا شحادين… جوعانين يا بلدنا وما عنا رز ولا طحين".

وعلى مقربة من تمثال رياض الصلح، أحد رموز استقلال لبنان عن الانتداب الفرنسي، تجمّع بضعة شبان للحديث عن الحركة الاحتجاجية، وسط جدال حول جدوى البقاء في الشارع، والشكوى من الشعارات "العشوائية"، وعدم مشاركة الأحزاب في التحرك.

وقال أحد الشبان لوكالة "سبوتنيك" إن "التظاهرة اليوم تتسم بطابع عفوي، فليست هناك جهة معيّنة دعت إليها، فالكل حضر اليوم للتعبير عن وجعه، ولم يحرّكه أحد"، مضيفا "المسألة بسيطة للغاية، هناك شعب موجوع، استجاب لدعوات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بعيدا عن التسييس الذي ألحق الضرر في السابق بالحراك المدني"، في إشارة إلى التحرّكات الشعبية التي شهدها لبنان في صيف العام 2016، على خلفية أزمة النفايات.

وأضاف الشاب "أنا وغيري من المتواجدين هنا، شاركنا في تظاهرة الأسبوع الماضي، وسنشارك في أي تظاهرة ترفع صوت الناس".

وكان الشاب يشير إلى التظاهرة التي نظمها "الحزب الشيوعي اللبناني" في بيروت، يوم الأحد الماضي، احتجاجاً على السياسات الاقتصادية، والتي شارك فيها قرابة ستة آلاف شخص.

ولم تشهد التظاهرة أيّ أعمال عنف، في ما عدا قيام بعض الشبان برشق القوى الأمنية، التي انتشرت لحماية مقري البرلمان والحكومة، بعبوات المياه البلاستيكية، ما استدعى تدخلاً سريعا من قبل عدد من المتظاهرين الآخرين لاحتواء الموقف، ومنع تطوّره إلى مواجهات كتلك التي شهدتها بعض التظاهرات المتصلة بالحراك المدني، والتي استخدمت خلالها القوى الأمنية في السابق قنابل الغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه لتفريق المحتجين.

ومع ذلك، فإنّ حالة الغضب لدى الكثير من المتظاهرين تصاعدت عند وصولهم إلى ساحة رياض الصلح، حيث ردد بعضهم هتاف "ثورة… ثورة".

من جانبها، قالت الوكالة الوطنية للإعلام الرسمية اللبنانية، إن المتظاهرين أحرقوا عدد من مستودعات النفايات، في علامة على احتجاجهم على عدم حل أزمة القمامة، التي اندلعت بسببها تظاهرات قبل عامين تقريبا.

كما أشارت الوكالة اللبنانية إلى أن التظاهرات أسفرت عن مواجهات عنيفة بين المتظاهرين وقوات الجيش، التي سعت إلى فتح الطرق التي أغلقتها الاحتجاجات.

الجيش اللبناني يعلق على المظاهرات

أصدرت قيادة الجيش اللبناني بيانا يدعو فيه المتظاهرين إلى الالتزام بالتظاهر السلمي وعدم التعدي على الأملاك العامة والخاصة.

وأكدت قيادة الجيش في البيان أن الاعتداء على الأملاك العامة والخاصة يخرج عن الإطار القانوني وغير مسموح به.

ودعت المتظاهرين إلى عدم الخروج عن السياق المطلبي للتظاهرة، مؤكدة احترامها لحق التظاهر السلمي وحرية التعبير عن الرأي وأحقية المطالب المعيشية التي يطالب بها المتظاهرون.