حصاد بن سلمان في 2018

حصاد بن سلمان في 2018
الأربعاء ٢٦ ديسمبر ٢٠١٨ - ٠٦:٢٧ بتوقيت غرينتش

منذ صعود نجم محمد بن سلمان وتوليه ولاية العهد، تعاظمت الانتقادات بشأن الحصاد الفعلي الذي قادت المملكة إليه وخلال عام2018، قدم بن سلمان صورة للعالم عن السعودية بأنها دولة تنتهك فيها حقوق الإنسان، كما أسهم بخسارة بلاده عدداً من حلفائها وأصدقائها، رداً على اغتيال الصحفي جمال خاشقجي والحرب في اليمن التي تقودها بسبب قتل الآلاف من المدنيين اليمنيين، وتسببها بمجاعة.

العالم - السعودية

ولقد كان العام 2018 صاخبا للغاية بالنسبة لولي العهد السعودي وقد ذهب من كونه مصلحا، إلى تلقي اللوم بالإجماع من قبل مجلس الشيوخ الأمريكي على القتل المتعمد لخاشقجي وينظر اليه الآن على أنه مستبد خطير ومتهور متورط في جرائم حرب ومجاعة جماعية.

ومن المرجح أن يكون المجتمع السياسي والإعلام أكثر عدائية تجاهه في عام 2019.

وأسهم بن سلمان خلال 2018 فی فسخ العديد من الاتفاقات العسكرية والاقتصادية والثقافية والإعلامية رداً على اغتيال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في إسطنبول التركية وانتهاكات حقوق الإنسان داخل السعودية.

فمرت السعودية بعد مقتل خاشقجي بضغط دولي كبير، وسط اتهامات مباشرة لبن سلمان بالمسؤولية عن القتل، من خلال إعطاء الأوامر إلى فريق الاغتيال، ولكنه قدم عدداً من المقربين منه كـ"أكباش فداء".

وتوصلت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية إلى أن قتل خاشقجي كان بأمر مباشر بن سلمان، وهو ما دفع مجلس الشيوخ الأمريكي للتصديق بالإجماع على قرار يحمله مسؤولية القتل.

ساهمت تلك الجريمة بعواقب عملية على السعودية إذ أعلنت الحكومة الألمانية، في نوفمبر الماضي، إلى جانب الدنمارك وفنلندا والنرويج، توقفهم بالكامل عن توريد الأسلحة إلى السعودية، وذلك احتجاجاً على مقتل خاشقجي، كما فرض عقوبات على 18 سعودياً مرتبطين بالقضية.

وفي اليمن تقود السعودية حرباً منذ أن كان بن سلمان ولياً لولي العهد في 2015، ولم تحقق المملكة بها أي إنجازات عسكرية على الأرض، بل خسرت الكثير من المناطق، وواصل اليمنيون قصف العمق السعودي بعشرات الصواريخ الباليستية.

وحصل بن سلمان مؤخراً على ضربة موجعة من الكونغرس الأمريكي، من خلال تصويته على مشروع قانون ينهي دعم واشنطن للحرب التي تخوضها بلاده في اليمن، بموافقة 56 سيناتوراً على مشروع القانون ورفض 41.

وتعد حرب اليمن إخفاقاً ينضم إلى إخفاقات ولي العهد السعودي، الذي ورط بلاده في هذه الحرب التي تبلغ تكلفتها نحو 200 مليون دولار يومياً، أي 72 مليار دولار سنوياً، و216 مليار دولار في ثلاث سنوات، وفق مجلة التايمز البريطانية.

وتقول الأمم المتحدة إن 16 مليون يمني معرضون الآن لخطر سوء التغذية، وهي أسوأ كارثة إنسانية في العالم منذ الحرب العالمية الثانية، وهي أيضا مبادرة سياسية بتوقيع بن سلمان.

وإذا لم تتوجه الحرب إلى وقف شامل لإطلاق النار بحلول أوائل يناير/كانون الثاني، فمن المرجح أن يتخذ "الكابيتول هيل" إجراءات أخرى لمعاقبة ولي العهد وإنهاء التدخل الأمريكي في حربه في اليمن.

ونستطيع أن نضيف إلى قائمة مشاكل ولي العهد تلك الأزمات غير المبررة التي افتعلها مع الدول الأجنبية الغربية، وتدرس كندا، وهي أحد ضحايا نوبات غضب ولي العهد في عام 2018، إلغاء صفقة أسلحة بقيمة 15 مليار دولار لصالح الحرس الوطني السعودي، وإذا فعلت أوتاوا ذلك، فإنها ستكون أكبر صفقة سلاح يتم إلغاؤها مع المملكة.

وخلال 2018 أيضاً، سجلت السعودية اعتقال المئات من الدعاة ونشطاء حقوق الإنسان، بتهم الإرهاب والتحريض، مع محاكمات غير عادلة ولا تخضع للقوانين المتعارف عليها دولياً، فيما توفي بعضهم تحت التعذيب أو بسبب غياب العناية الطبية.

وخلال هذا العام، شكل بن سلمان صورة للعالم عن السعودية بأنها "دولة قمعية" تنتهك فيها حقوق الإنسان، ويُقتَل المعارضون فيها بمجرد معارضتهم للحكم وأوامر قادة المملكة، أو يزج بهم في السجون، وصولاً لمعاقبتهم بأحكام طويلة ومشددة تصل إلى الإعدام، بحسب ما تصف منظمات دولية.

كذلك، قدمت النيابة العامة السعودية طلب الحكم بإعدام خمسة نشطاء في مجال حقوق الإنسان، كانت قد اعتقلتهم مؤخراً ضمن حملة السلطات القمعية، حسب ما كشفته منظمة "هيومن رايتس ووتش" وجماعات حقوقية أخرى.

وعمل الإعلام السعودي طيلة العام، بمختلف أدواته المرئية والمكتوبة، والإعلام الاجتماعي من خلال ما يعرف بـ"الذباب الإلكتروني"، على تجاوز الإخفاقات الكبيرة لبن سلمان، وتجنب الحديث عنها، والعمل على تصدير إنجازات شكلية لولي العهد، وتصويره بأنه "البطل" الذي سيقود المملكة إلى بر الازدهار.

وحاول الإعلام الموجه للسعودية إلصاق وصف "البطل" ببن سلمان، خلال 2018، ولكن المعطيات على الأرض تعاكس ذلك من حيث الخسائر العديدة لبلاده، وخاصةً الاقتصادية منها.

وسجل بن سلمان إنجازات "بذخ" شخصي خلال هذا العام، حيث كُشف أنه اشترى قصر لويس الرابع عشر التاريخي في فرنسا قبل عامين بملبغ 300 مليون دولار، ويختاً ضخماً بمبلغ خيالي، وهو ما أكده عضو مجلس الشيوخ الأمريكي بيرني ساندرز، الذي صرح بأن "ولي العهد السعودي اشترى في أبريل الماضي يختاً بقيمة نصف مليار".

ويقول كبير الباحثين في مركز العلاقات عبر الأطلسي بجامعة جونز هوبكنز السفير روبرت هانتر ان محمد بن سلمان تحدث كثيرا عن الإصلاح وقام بحملة علاقات عامة في الغرب، وتتلخص إيجابيات سياسته في أنه داخليا سمح بدور السينما وقيادة النساء للسيارات وأعلن خطة لتطوير اقتصاد البلاد لكنه واصل السياسات السعودية التقليدية التي ترمي لتعزيز الوهابية، وهو يعمل مع إسرائيل لتحجيم الفلسطينيين، إضافة إلى حصار قطر والمطالبة بإغلاق الجزيرة.

وأضاف أن الرياض تؤثر على سياسات أميركا في عهد دونالد ترامب الذي أكد صراحة –قبل أيام- أنه لا يمكنه خسارة المليارات المتحصلة من صفقات السلاح مع السعودية، وهو بذلك يتخلى عن قدرة واشنطن على صنع سياسات المنطقة ويتركها في يد رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو.

أما الكاتب والباحث الأول في مركز الجزيرة للدراسات لقاء مكي فقد أكد أن السعودية في السنتين الأخيرتين خالفت سياساتها القديمة المحافظة وغير المتدخلة في شؤون الغير، بل أصبحت تُحدث صخبا في الإقليم باتباعها سياسات متهورة وقد تجلى ذلك خارجيا في حرب اليمن التي خلفت 13 مليون شخص مهدد بالموت في أسوأ مجاعة منذ قرن حسب الأمم المتحدة، فلمن مصلحة هذه الحرب؟ كما خسرت الرياض لبنان، وكذلك قطر التي أطلقت الرياض النار على قدمها بحصارها لها.

وأوضح أن سبب تلك السياسات الخاطئة هو تغييب المؤسسة السياسية التقليدية لصالح القصر الملكي ومستشاري بن سلمان الذين هم من أصحاب الثقة لا الخبرة، وهذا عكس مستشاري ملوك السعودية السابقين.

وأكد أنه بعد ما جرى لخاشقجي لا بد أن تتغير أشياء في نمط صناعة السياسات السعودية بضغوط دولية، وربما يتم تغيير أشخاص أيضا من المستوى الثاني أو الثالث في نظام الحكم.

هل ستُبقي السعودية على سياستها الخارجية كما هي في 2019؟

وقد توقَّع موقع ستراتفور الأميركي أن تستمر السياسة الخارجية للسعودية في عام 2019، وأنها ستكون مثلما هي في عام 2018، ولن تشهد تغيراً كبيراً في هذا المضمار.

وقال الموقع الأميركي، ان أولويات السياسة الخارجية للمملكة لم تتغير في جوهرها، وفي منطقة تعاني من الصراعات تبقى المملكة متمسكةً بالحفاظ على أمنها من التهديدات المتمثلة في الفكر الجهادي، المشاعر المعادية للحكومة والتهديدات الأمنية الخارجية.

وعلى الصعيد الخليجي لا تزال السعودية تأمل في فرض نفوذها على قطر، كما يتضح في استمرار الحظر الذي تفرضه دول مجلس التعاون الخليجي على الدوحة، لكن قرار الرياض الأخير باستضافة آخر قمة للمجلس على مستوى زعماء الدول -رغم أن قطر اختارت أن يمثلها ممثلها في الجامعة العربية وليس الأمير بنفسه- يشير إلى مساعي المملكة لإغواء الدوحة بالعودة إلى المظلة الإقليمية.

ورغم أن المملكة لن تتردد في استخدام المزيد من القوة العسكرية في اليمن إن شعرت بأنها لن تعاني من أي تداعيات دبلوماسية على علاقاتها مع حلفائها الغربيين، رغم ذلك، فإن فظائع الحرب على اليمن قد خلقت درجةً كافية من الضغط الدولي، تجبر الرياض على الخضوع لمحادثات السلام التي فتحت المجال أمام حل سياسي للصراع الذي طال أمده.