أسباب التغييرات في السعودية

أسباب التغييرات في السعودية
الجمعة ٢٨ ديسمبر ٢٠١٨ - ٠٥:٥٥ بتوقيت غرينتش

صعود موقوف سابق، إلى رأس الدبلوماسية السعودية، وإبعاد وزيري الإعلام والحرس الوطني، ونقل رئيس الهيئة الرياضية المقرب من ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان. تلك جملة من التغييرات جاءت في نهاية عام صعب للمملكة، شهدت في أشهره الأخيرة أكبر أزمة في تاريخها الحديث، عقب مقتل الصحفي "جمال خاشقجي".

العالم - السعودية

وهذه ثاني تغييرات تشهدها السعودية، منذ مقتل خاشقجي، في أكتوبر/ تشرين الأول 2018، حيث أعلنت المملكة مسؤوليتها عن الجريمة في 20 من الشهر ذاته، وتم إبعاد عدد من المسؤولين بينهم المستشار بالديوان الملكي سعود القحطاني، ونائب مدير الاستخبارات أحمد عسيري.

وجاءت التعديلات، في وقت تتواصل فيه الضغوط الدولية على الرياض على خلفية مقتل خاشقجي وهو الأمر الذي أثَّر سلباً في صورة المملكة بالخارج، وأدخلها في أزمة علاقات مع عدد من الدول.

وترى وول ستريت جورنال أن ملك السعودية تحرك لدعم ابنه وولي عهده واحتواء التداعيات السياسية بعد مقتل خاشقجي، وذلك بترقية حلفائه وإحاطته بمستشارين ذوي خبرة.

وأشارت الصحيفة إلى سلسلة الأوامر الملكية التي أصدرها الملك السعودي البالغ من العمر 82 عاما بترقية مساعدي ولي العهد الذين يثق بهم بمن فيهم بعض من تتهمهم الاستخبارات الأميركية باحتمال التورط في قتل خاشقجي.

وقالت وول ستريت جورنال إن هذه التحركات تظهر أن النظام الملكي السعودي يدعم ولي العهد على الرغم من الانتقادات الدولية الواسعة التي أعقبت مقتل خاشقجي.

وتعليقا على هذه الترقيات تقول بيكا واسر -وهي محللة سياسية متخصصة في الشرق الأوسط بمؤسسة راند- "على السطح يبدو أن الكثير قد تغير، لكن هذه التحركات هي مجرد واجهة إلى حد كبير، ولكن تظل قبضة بن سلمان قوية على السلطة".

وأضافت "الملك سلمان لا يتطلع إلى تقويض محمد بن سلمان بل تعزيزه بإحاطته بمستشارين من الجيل القديم".

وكان الجبير، السفير السابق لدى الولايات المتحدة ووزير الخارجية منذ أبريل/نيسان 2015، أحد أشد المدافعين عن ولي العهد، الذي حمَّلته وكالة الاستخبارات الأميركية "سي آي إيه" ومجلس الشيوخ الأميركي مسؤولية مقتل الصحافي.

ورأى محمد يحيى، الباحث بمركز الخليج (الفارسي) للأبحاث، أنه "لا يمكننا عدم ربط خاشقجي بأي تطورات، رغم أن التغييرات الحكومية أمر اعتيادي تشهده (المملكة) كل 4 سنوات".

وتزعزعت صورة بن سلمان، الذي تولى منصب ولي العهد في يونيو/حزيران 2017، بالخارج بعد هذه التوقيفات، ولاحقاً بسبب قضية خاشقجي، رغم حملة التغييرات الاجتماعية التي تشهدها المملكة في عهده والتي شملت خصوصاً السماح للمرأة بقيادة السيارة.

ولا يزال ولي العهد يحتفظ بكل مناصبه بعد التعديل الأخير، وأبرزها ولي العهد، ووزير الدفاع، ونائب رئيس الوزراء، ورئيس مجلس الشؤون الأمنية والسياسية، ورئيس مجلس الشؤون الاقتصادية.

وكانت المملكة أعلنت الأسبوع الماضي، موازنتها لعام 2019، والتي اعتُبرت الأكبر في تاريخ المملكة، لكنها توقعت عجزاً جديداً للسنة السادسة على التوالي بقيمة 35 مليار دولار.

واعتبر خبراء اقتصاديون أن السعودية ستسجل عجزاً أعلى من المتوقع ونمواً اقتصادياً أقل مما تلحظه الموازنة، بسبب تراجع أسعار النفط.

وكتب علي الشهابي، مؤسس "معهد الجزيرة العربية" القريب من الحكم، على تويتر، أن ولي العهد "يُحكم قبضته على السلطة بتعيينه حلفاء ووزير جديد للحرس الوطني".

ورأى يحيى أن التغييرات نصت على "تعيين أمراء شبان وكذلك رجال دولة مخضرمين. هناك جهد لإيجاد توازن بين وتيرة الإصلاحات السريعة ومؤسسات الحكومة".

وقال محلل عربي لوكالة الأناضول، ان التغييرات لن تكون الأخيرة، مشيرا إلى أن ملف خاشقجي، كلمة السر فيها، وستظل تحوم حول بن سلمان، حتى تقبل المملكة بذهابه كما تطالب مؤسسات غربية أو تتمسك به بصورة نهائية لتولي مقاليد الحكم.

فيما يرى محلل ثان بارز، أن التغييرات السعودية تحمل تطمينات للرأي العام وللاستهلاك الداخلي، وتمكين "بن سلمان، وترضية للعائلة المالكة، خاصة بعد أزمة خاشقجي.

التغيير الأول في أكتوبر/ تشرين الأول 2018، أطاح بـ"القحطاني"، و"عسيري"، المقربين من "بن سلمان"، وأبقى على الأخير، ومنحه صلاحيات لهيكلة الاستخبارات.

بينما جاء التغيير الثاني، الخميس، بأوامر ملكية، ليبقي على صلاحيات ولي العهد السعودي، ومنصبيه نائبا لرئيس مجلس الوزراء، ووزيرًا للدفاع، وترأس إعادة تشكيل مجلس الشؤون السياسية والأمنية، رغم الاتهامات الكثيرة التي لاحقته ارتباطا بقضية خاشقجي، وأبرزها من الشيوخ الأمريكي، والذي رفضتها المملكة مؤخرا.

وشهد التغيير وفق مراقبين، تقليم أظافر مقربين بارزين من بن سلمان، وخفض من مناصبهم، كوزير الخارجية السابق عادل الجبير، أو إبعاد وزير الحرس الوطني خالد بن عبدالعزيز العياف، أحد أبرز مسؤولي الوزارات العسكرية السيادية والمعنية بالتدخل لحفظ واستقرار الأوضاع ومواجهة أي عدوان خارجي.

ولم يسلم رئيس هيئة الرياضة السابق، تركي آل الشيخ، المقرب من بن سلمان من التغييرات، بعد فترة قصيرة من انتقادات كثيرة لاحقته في إدارة ملف الرياضة ببلاده وعربيا، وكذلك وزير الإعلام السابق، عواد بن صال".

وكان اللافت أيضا، هو استقدام موقوف سعودي سابق من توقيفات فندق ريتز كارلتون الشهير في نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، هو إبراهيم العساف، الذي شغل منصب وزير المالية سابقا، ووضعه على رأس وزارة الخارجية، في ظل ظروف تشهد تطورات دولية كثيرة مرتبطة بخاشقجي.

وكعادة المراسيم الملكية لا تقدم أسباب استبعاد ذلك أو تخفيض منصب آخر، ولا يعتاد الإعلام الخاص أو الرسمي على تناول مثل هذه الأمور الحساسية بالبلاد الذي يحكم عبر عائلة تعد أطول نظام ملكي مستقر بالعالم العربي.

المحلل المصري "مختار غباشي"، نائب رئيس المركز العربي للدراسات السياسية والاستراتيجية، يقول: "كلمة السر في هذه التغييرات التي تأتي في نهاية العام هي خاشقجي".

ويضيف: "إدارة المملكة لهذا الملف بدرجة أو أخرى لم يكن مرضيا، ولأجل ذلك نقل وزير الخارجية، لوزير دولة معناه لا رضا على هذا الأداء في هذه القضية تحديدا".

ويتابع: "هذه القضية خلقت ضغوطا على السعودية من الجانب الأمريكي الذي صارت علاقة مؤسساته بالمملكة تكاد تكون متوترة للغاية، فكان لازما هذه التغييرات".

ويمضي قائلا "وزير حرس وطني أو وزير الخارجية لهم جزء كبير في ملف خاشقجي وتركي آل الشيخ كان محل جدل في إدارته لملف الرياضة".

ويرى أن ملف الخارجية السعودية مرتبط بثوابت لديها، معروفة من زمن، والمال السعودي يلعب دورا كبيرا في هذه العلاقات، وبالتالي مجيء أي شخص سيكون مرتبطا بهذه الثوابت.

ويؤكد أن "المال السعودي في ملف خاشقجي لم يستطع احتواء الأزمة وكذلك مسؤولون منهم الجبير لم يستطيعوا إدارته".

ويذهب إلى أن التغيرات تحمل دلالة تخص "بن سلمان"، قائلا: "كل التغييرات في النهاية لم تمس ولي العهد".

ويستدرك "محمد بن سلمان، ليس خطا أحمرا ولكن محطة أخيرة هل ستتحمل المملكة الضغوط التي تمارس عليها من المؤسسات الأمريكية ومن الخارج في ذهاب محمد بن سلمان؟ هل سيتم تغيير هذا الوضع وفي النهاية يتم تبديله؟ هذا هو السؤال".

ويضيف: "أتصور أن المستقبل يحمل تغييرات جديدة، والكل يترقب، تغييرات لا ترضى طموح الغرب وبالتالي هناك".

ويتابع: "محمد بن سلمان، ذهب وبقيت تلك كل التغييرات كلّ هؤلاء فلا مشكلة، فالقضية عند المؤسسات الأمريكية والغرب بعيدا عن الإدارة هو بن سلمان، متى سيذهب وهل هناك قادم ليحكم وماذا ستكون علاقاته مع واشنطن؟ أسئلة تبحث عن إجابات".

المحلل البارز في الشأن الخليجي "عبد الله باعبود"، يرى ، أن التغييرات السعودية تحمل تطمينات للرأي العام وللاستهلاك الداخلي، وترضية للعائلة المالكة خاصة بعد أزمة المملكة الأخيرة.

وحول دلالة وصول العساف، لمنصب وزير الخارجية بديلا عن الجبير، يضيف: العساف، رجل اقتصادي، ومهم أن تقول السعودية إنها أعفت عنه بعد إثبات براءته، وهذا التغيير أتوقع له علاقة بجلب بالاستثمار للمملكة، خاصة وأنه مسؤول يتحدث بلغة المستثمرين".

ويتوقع "باعبود"، الأستاذ الزائر بجامعة "حمد بن خليفة"، أن ما حدث مع الجبير، متعلقا بأزمة المملكة الأخيرة، وعدم القدرة على حماية بن سلمان، أو أن يتفرغ للتحدث باسم الوزارة، أو المملكة.

ومتطرقا إلى إعادة تشكيل المجلس الأمني والاقتصادي برئاسة ولي العهد، يتوقع باعبود، أنه لن يحمل تغييرا في السياسات، ولا في الوجوه، في ظل السعي من وقت لآخر لتمكين محمد بن سلمان.

من جانبهم يرى كتاب سعوديون، أن إعادة تشكيل مجلس الشؤون السياسية والأمنية برئاسة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، تتوافق مع رؤية المملكة 2030.

وقال الكاتب السعودي خالد المجرشي، إن التغييرات التي أجريت بالسعودية هي دورية، حيث يتم إعادة تشكيل المجلس كل 4 سنوات، من خلال الحل أو تجديد الثقة.

من ناحيته قال الكاتب السعودي أحمد الحناكي، إنه من الصعب الإجابة عن أسباب التغييرات الوزارية، خاصة إذا حدثت في بلد بحجم المملكة العربية السعودية، وكانت بعض التغييرات تشمل وزراء أو مسؤولين أو أمراء مناطق.

وأضاف في تصريحات خاصة إلى "سبوتنيك"، قائلا: "بالمقابل نعلم جيدا أن لا دخان بلا نار".