ادانات سياسية وشعبية واسعة لزيارة ترامب السرية للعراق

ادانات سياسية وشعبية واسعة لزيارة ترامب السرية للعراق
الأربعاء ٠٢ يناير ٢٠١٩ - ٠٦:٤٥ بتوقيت غرينتش

خلسة، ومن دون مقدمات، دخل الرئيس الاميركي ترامب، العراق، برفقة زوجته، ومستشاره لشؤون الامن القومي جون بولتون، وتوجه مباشرة الى قاعدة "عين الاسد" الجوية، ليبقى هناك مدة ساعتين فقط، حيث هنأ جنوده بعيد الميلاد، والتقط معهم الصور التذكارية، دون ان يلتقي بأي مسؤول عراقي، الامر الذي أثار ردودا واسعة علی الصعيد السياسي العراقي وعند الجمهور.

العالم- تقارير

وتناول مختلف الشخصيات السياسية في العراق وايران هذه الزيارة المفاجئة والسريعة، وأعربوا عن أسفهم لما قام به الرئيس ترامب واعتبروه انتهاکا صارخا لسيادة العراق وتجاوزا لكل المعايير والضوابط الاخلاقية والعرفية والدبلوماسية.

ومن جملة هؤلاء رئيس البرلمان الايراني علي لاريجاني، الذي اعتبر طريقة زيارة ترامب للعراق بانها تكشف عن طبيعة السلوك الاميركي المتغطرس، لافتا الى الرد الجاد على ذلك من قبل الشعب العراقي الابي ومختلف فئاته ومكوناته السياسية.

ولفت لاريجاني الی نزعة الامريکان الاستكبارية والحمقاء واعتبر الزيارة التي قام بها الرئيس الاميركي الى العراق بعيدا عن العرف الدبلوماسي، وهو الامر الذي لقي ردا جادا من الشعب العراقي الابي وجميع الفئات السياسية العراقية حتى ان بعضها طالب في الرد على الاهانة باخراج القوات الاميركية من العراق.

من جهته اعتبر الرئيس الايراني حسن روحاني الزيارة السرية القصيرة التي قام الرئيس الاميركي للعراق خلسة وتحت جنح الظلام بمثابة هزيمة لاميركا.

وخلال اجتماع الحكومة اليوم الاربعاء قال الرئيس روحاني: الاميركيون يدّعون منذ العام 2003 بانهم انقذوا العراق وافغانستان ولكن لو كان هذا الادعاء صائبا لماذا لا یقومون بزيارة العراق بصورة رسمية وعلنية ليروا كيف يستقبلهم العراقيون في شوارع بغداد والبصرة؟ !.

واضاف: ان تقوموا بزيارة قاعدة عسكرية صغيرة بصورة سرية وتحت جنح الظلام وتلتقطوا الصور مع عدد من العسكريين وتلقوا خطابا قصيرا ثم تخرجوا من العراق بعد ساعة او ساعتين فذلك يعني هزيمتكم.

وخاطب الرئيس الايراني قادة البيت الابيض قائلا: ان هذا الامر مؤشر كذلك الى انكم لم تحققوا النجاح وتعرفون بان الشعب العراقي غير راض عنكم ولا تتجرأون على الظهور بينهم، فيما لا جراة لكم على الذهاب اساسا الى سوريا ولبنان واليمن، اذن ففي اي دولة بالمنطقة وبين اي من شعوبها تحظون بالشعبية؟.

واعرب الرئيس الايراني عن امله بان تشكل هذه الدروس عبرة لاميركا لتكف عن التدخل في شؤون الشعوب خاصة فلسطين وقضية القدس الشريف المتعلقة بالعالم الاسلامي والمسلمين جميعا وان تعمل في اطار القوانين والقرارات عبر الاتعاظ من الماضي.

وأما علی الصعيد المحلي العراقي فقد خلّفت الزيارة، عاصفة سياسية وامنية في العراق، وأثارت ردود فعل غاضبة من قبل قوى سياسية وفصائل مسلحة. وان ما قالته اوساط وشخصيات سياسية عراقية يكفي للتدليل على ان العراقيين اصبحوا يفهمون ويعرفون جيدا نوايا واشنطن الحقيقية واهدافها.

ووفق المصادر فان قوى سياسية عراقية تواصل حراكها لإقناع البرلمان باتخاذ موقف من وجود القوات الامريکية في العراق على خلفية زيارة ترامب الاخيرة، الأمر الذي رأت مصادر سياسية أنّه قد يتحوّل إلى ورقة لابتزاز رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي ، ودفعه باتجاه قبول وزراء أمنيين من كتل محددة.

وردا علی أداء الرئيس ترامب غير اللائق فقد أعرب تحالف البناء (ممثل لأغلب فصائل الحشد الشعبي) في بيان له أن "زيارة ترامب انتهاك صارخ وواضح للأعراف الدبلوماسية وتُبين استهتاره وعنجهيته وتعامله الاستعلائي مع حكومة العراق وهذا الأمر مرفوض جملة وتفصيلا".

وأردف: "هذه الزيارة تضع الكثير من علامات الاستفهام حول طبيعة التواجد العسكري الأمريكي والأهداف الحقيقية له وما يمكن أن تشكله هذه الأهداف من تهديد لأمن العراق".

ودعا التحالف "الحكومة العراقية لرفض هذه الزيارة وإبلاغ الأمم المتحدة بها واستدعاء السفير الأمريكي في بغداد على وجه السرعة".

و اعتبر عضو البرلمان العراقي عن تحالف "البناء" حامد عباس، أنّ "الوجود الأميركي في البلاد، وغموض سياسة ترامب التي لا تتبنى استراتيجية واضحة، ستكون أبرز التحديات التي تواجه العملية السياسية العراقية خلال عام 2019"، لافتاً، في تصريح صحافي، إلى أنّ "الجدل بشأن وجود قوات أميركية في قواعد عسكرية بدأ يتزايد بشكل كبير".

وأوضح عباس أنّ "هذا الأمر تحوّل إلى هاجس يقلق كثيراً من العراقيين في العام الجديد"، مشيراً إلى "وجود تحدٍّ آخر يتمثّل في ضرورة وجود تشريع ينظم علاقة العراق بالدول المتحالفة معه، والبلدان المجاورة".

کما أصدرت كتلة الإصلاح والإعمار في مجلس النواب بيانا استنكرت فيه الزيارة، وقالت: "الانتهاك الصارخ لرئيس أمريكا ترامب لسيادة العراق ودخوله إلى قاعدة عين الأسد في الأنبار، وكأن البلاد ولاية من ولاياته، دون أي احترام لسيادة الدول، أصبح عقد جلسة طارئ لمجلس النواب أمرا محتما لبحث هذا الانتهاك".

وأضاف: "يجب إيقاف هذه التصرفات الهوجاء من ترامب، الذي يجب أن يعرف حدوده، فإن الاحتلال الأمريكي للعراق انتهى ويجب أن يحضر لهذه الجلسة الطارئة لمجلس النواب رئيس الحكومة عادل عبد المهدي بصفته القائد العام للقوات المسلحة ووزير الخارجية العراقي محمد علي الحكيم ورئيس أركان الجيش بالوكالة عثمان الغانمي لبحث موضوع تمركز القوات الأمريكية في العراق والقواعد العسكرية الأمريكية".

وشددت الكتلة النيابية، في بيانها على أن "انسحاب القوات الأمريكية من سوريا ليس مسوغا أو مبررا لبقاء القوات الأمريكية في العراق وجعله قاعدة تابعة لها في المنطقة والشرق الأوسط".

من جهته، قال عضو المكتب السياسي لحركة "عصائب أهل الحق"، محمود الربيعي: إن "دخول ترامب للعراق بهذه الطريقة دليل على استهتار أمريكا باستقلال وسيادة وهيبة الدولة، وهو ما يدعونا للتأكيد على ضرورة الإسراع بإقرار قانون إخراج جميع القوات الأجنبية من العراق، وهو الهدف الذي سبق لنا وأن حققناه بالمقاومة المسلحة".

من جهته، قال المتحدث الرسمي باسم حركة "النجباء" العراقية، هاشم الموسوي: "على الأحمق ترامب أن يعي أن سيادة العراق جاءت بالدماء، وأن القواعد العسكرية لا تبنى في بلد المقاومة والشهداء".. "أصبح واجبا على الحكومة الآن، طرد القوات الأمريكية، لأن وجودها يمس سيادة العراق".. "ترامب يريد اختزال سيادة العراق في قاعدة عين الأسد. "

و أكد النائب في البرلمان فالح الخزعلي، أن "على ترامب أن يعلم أن العراق بعد عام 2014، ليس كما قبل ذاك وعلى الحكومة إخراج القوات الأمريكية من العراق".. "العراق المنتصر ليس ولاية أمريكية وعلى السيد عادل عبد المهدي تحمل مسؤولياته بما ينسجم مع المادة 50 من الدستور العراقي".

وشدد الخزعلي على أن "القيادات الأمريكية التي انهزمت في العراق تريد العودة إليه مجددا تحت أي ذريعة وهذا ما لا نسمح به مطلقا، وزيارة ترامب للقوات الأمريكية في العراق تدل على أنها قوات غير استشارية ولا تدريبية وعلى الحكومة تحمل مسؤولياتها".

ولفت الی ان زيارة "ترامب لقاعدة عسكرية أمريكية بدون مراعاة الأعراف الدبلوماسية يكشف حقيقة المشروع الأمريكي في العراق".
وأضاف أن "رد العراقيين سيكون بقرار البرلمان بإخراج قواتك العسكرية رغما عن أنفك وإذا لم تخرج فلدينا الخبرة والقدرة لإخراجها بطريقة أخرى تعرفها قواتك التي أجبرت على الخروج ذليلة في 2011".

من جانبه، علق المتحدث باسم كتائب حزب الله بالعراق جعفر الحسيني بأن "زيارة ترامب المفاجئة إلى قاعدة عين الأسد تعني أنه لا يشعر بالأمان لإعلان زيارته إلى العراق".

ان سلوك ترامب، اذا كان يعكس في جانب منه غرورا وغطرسة واستخفافا بالسياقات الدبلوماسية، فانه يعبر في جانب اخر منه عن شعور كبير بالخوف، وبانخفاض شعبيته وشعبية بلاده عند العراقييين وشعوب المنطقة. ولعل هذا الشعور متأت من ادراك حجم الجرائم التي اقترفتها بلاده في العراق وغيره من بلدان المنطقة، وما خلفته تلك الجرائم من مآس وويلات ومشاعر سلبية لدى معظم هؤلاء کما انه ينتج عن ادراك مدى الرفض الواسع من قبل العراقيين خاصة للوجود الاميركي في بلادهم.

ان امريکا انسحبت من العراق قبل سبعة اعوام بعد ان تکبدت خسائر کبيرة في الارواح وبعد أن تجاوز عدد الجرحی في جيشها الثلاثين الفا. فکيف بإمکان مثل هذه الدولة البغيضة عالميا ان تلقی الترحاب وحسن الوفادة في موطن حضاري طالما عانی من الاحتلال الامريکي وتداعياته؟!

د.نظري