عطوان: لماذا نتوقع نتائج عكسية للغارات الإسرائيلية على سوريا؟ وما علاقتها بجولة بومبيو؟

عطوان: لماذا نتوقع نتائج عكسية للغارات الإسرائيلية على سوريا؟ وما علاقتها بجولة بومبيو؟
السبت ١٢ يناير ٢٠١٩ - ٠٤:٣٠ بتوقيت غرينتش

لم تفاجئنا الغارات الصاروخية الإسرائيلية العدوانية التي استهدفت بلدة الكسوة ومحيط مطار دمشق الدولي، فنحن ندرك جيدا أن تل ابيب هي المتضرر الأكبر من تعافي سوريا وصمود جيشها، واستعادته معظم الأراضي السورية إلى سيادة الدولة.

العالم - سوريا


ولكن ما فاجأنا أمران: الأول، فرحة بعض العرب وشماتتهم المعلنة تجاه هذا العدوان على عاصمة بلد يرفع لواء العروبة، والثاني، هو تزامن هذا العدوان مع جولة مايك بومبيو، وزير الخارجية الأمريكي في عدة دول عربية، أبرزها دول مجلس التعاون الست إلى جانب الأردن ومصر والعراق، أضيفت إلى هذه الجولة في محاولة لإصلاح الضرر الذي أحدثته "زيارة الخلسة" للرئيس دونالد ترامب لقاعدة "عين الأسد" في غرب الأنبار، دون التشاور مع القيادة العراقية، ووحدت معظم ألوان الطيف العراقي ضد أمريكا "المحررة".
مثل الغارة السابقة المماثلة في أواخر شهر كانون أول (ديسمبر) الماضي، لم تجرؤ الطائرات الإسرائيلية المغيرة على اختراق الأجواء السورية، وأطلقت صواريخها من الأجواء اللبنانية، لأنها تدرك جيدا أنها ستواجه ردا قويا أبرز عناوينه إسقاطها، مثلما تم إسقاط إحدى نظيراتها من طراز "إف 16" قبل ما يقرب من العام.

البيان العسكري السوري الذي كشف عن هذا العدوان منذ بدايته بكل شفافية، أكد أنه تم التصدي، وإسقاط ستة من ثمانية صواريخ أطلقتها الطائرتان المغيرتان من الأجواء اللبنانية، ولم تصب أي من أهدافها، ونحن نرجح هذه الرواية ونأخذها بعين الاعتبار، لأن القدرات العسكرية السورية ازدادت قوة رغم كل الغارات الإسرائيلية السابقة التي زادت عن 220 غارة في السنوات الأخيرة، مضافا إلى ذلك أنها، أي الغارة الإسرائيلية، لم تفلح مطلقا في التأثير على ترسانة "حزب الله" من الصواريخ التي تضخمت ووصلت إلى أكثر من 150 ألف صاروخ ازدادت دقة، وقدرة تدميرية، هذا إذا لم يكن العدد تزايد في ظل أنباء عن تسريع وتيرة التصنيع الداخلي لهذه الصواريخ في الفترة الأخيرة.

جولة الوزير بومبيو العربية الحالية تمثل حماية لـ"إسرائيل"، وتشكيل حلف "الناتو العربي السني" الذي سيوفر الغطاء لأي عدوان محتمل، ولم يتردد وزير الخارجية الأمريكي في القول في خطابه الذي ألقاه في الجامعة الأمريكية في القاهرة قبل يومين بأن بلاده لن تسمح بتحويل سوريا إلى لبنان أخرى، و"ستعمل على احتفاظ إسرائيل بقدرات عسكرية تمكنها من الدفاع عن نفسها في مواجهة تهديد ترسانة حزب الله من الصواريخ".

أربع سنوات من الحرب ضد حركة "أنصار الله" في اليمن لم تنجح في القضاء عليها، أو حتى تقليص قدراتها القتالية، رغم ضخامة القوة العسكرية ومئات ومليارات الدولارات التي أنفقت في هذه الحرب، وفاجأتنا هذه الحركة، والكثيرين غيرنا، قبل بضعة أيام في قصف منصة احتفال رئيسية بعرض عسكري في قاعدة "العند" في لحج التي تعتبر الأكثر تحصينا في المنطقة بأسرها، وعبر طائرة مسيرة (درون)، طالما سخر منها وقدراتها بعض المحليين العسكريين والسياسيين، وبالتالي لا نعتقد أن هذه الغارات الصاروخية الإسرائيلية ستؤثر على سوريا وقدراتها العسكرية، أو "الوجود الإيراني فيها"، بل ستعطي نتائج عكسية تماما، حيث ستؤدي إلى التفاف مئات الملايين من العرب حولها، باعتبارها مصدر التهديد الأهم والأكبر والوحيد في المنطقة للمشروع الاستيطاني العدواني الإسرائيلي.

الانسحاب الأمريكي من سوريا الذي بدأ فعليا الجمعة، يؤكد هزيمة المشروع الأمريكي في المنطقة برمتها، فهو يتوازى مع انسحاب وشيك من أفغانستان، وبعدها العراق، ولا نكشف سرا عندما نقول أن القيادة العراقية التي التقاها الوزير بومبيو أثناء زيارته الخاطفة، وغير المعلنة لبغداد قبل يومين أبلغته صراحة رفضها استخدام أي قواعد عسكرية في بلدها ، وطالبته بسحب القوات الأمريكية في أسرع وقت ممكن، (تعدادها 5500 جندي).

بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء ووزير الدفاع الإسرائيلي، يريد أن يظهر بمظهر القوي، تعزيزا لفرص فوزه في الانتخابات التشريعية القادمة، ولتحويل الأنظار عن اتهامات الفساد الموجهة له ولزوجته، ولكنه لن يفلح في أي من البندين، فـ"إسرائيل" التي يتزعمها باتت مرتبكة قلقة، والمستوطنون فيها باتوا يفتقدون إلى الأمن والاطمئنان وهم يرون أنفسهم محاطين بغابات من الصواريخ من كل الجهات.

القيادة السورية تكظم الغيظ، وتمتص هذه الضربات العدوانية الإسرائيلية لأنها لا تريد الخروج عن أولوياتها وأجنداتها الاستراتيجية في التركيز على جبهتها الداخلية، واستعادة جميع الأراضي السورية المتبقية خارج سيادة الدولة، وهي تدرك حتما أن الحرب مع دولة الاحتلال الإسرائيلي حرب طويلة الأمد وسيتم خوضها في إطار استراتيجيات محكمة، وليس من خلال ردود الفعل غير المدروسة، مثلما أكد لنا أحد المقربين منها.

لا نعتقد أن جولة بومبيو التي أكد فيها أن بلاده قررت الانتقال من مرحلة احتواء إيران إلى مهاجمتها ستكلل بالنجاح، ونستبعد أن تحقق أي من أغراضها باستثناء حلب ما تبقى من مليارات في خزائن بعض دول مجلس التعاون، والشيء نفسه نقوله عن مؤتمر بولندا المقترح لبحث شؤون الشرق الأوسط، وهو المؤتمر الذي يذكرنا بمؤتمرات "أصدقاء سوريا" التي شارك فيها أكثر 65 دولة بزعامة أمريكا في عدة عواصم غربية وعربية.

فإذا كانت منظومة "أصدقاء سوريا" فشلت في تغيير النظام في سوريا، فهل ستنجح "منظومة بولندا" الجديدة في تغيير النظام في سوريا؟

لدينا شكوك كثيرة جدا نحن الذين لم نتوقع مطلقا ومنذ اليوم الأول نجاح منظومة "أصدقاء سوريا".. والأيام بيننا.

عبد الباري عطوان - رأي اليوم