الانقسامات العربية.. ومدى تأثيرها على قمة بيروت التنموية

الانقسامات العربية.. ومدى تأثيرها على قمة بيروت التنموية
الأحد ٢٠ يناير ٢٠١٩ - ٠٣:٤٨ بتوقيت غرينتش

افتتحت في بيروت القمة العربية الاقتصادية وسط مناخ من الخلافات والازمات السياسية بين الدول العربية، انعكس بتخلف 19 قائدا عربيا عن حضور القمة ولم يحضر من الزعماء العرب سوى أمير قطر ورئيس موريتانيا ورئيس الدولة المنظمة. ودعا لبنان في كلمة الافتتاح الى توفير الشروط اللازمة لعودة اللاجئين السوريين إلى بلدهم من دون انتظار التوصل إلى حل سياسي.

العالم - تقارير

تستضيف بيروت "القمة العربية التنموية الاقتصادية والاجتماعية" في دورتها الرابعة في ظل غياب الغالبية الساحقة من الرؤساء والقادة العرب، حيث يحضر الى جانب الرئيس اللبناني ميشال عون كل من أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني والرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز، فيما مثل رؤساء حكومات ووزراء قادتهم المتغيبين. واعتذر عدد من الرؤساء في الأيام الأخيرة عن الحضور من دون تقديم أسباب واضحة، آخرهم الرئيسان التونسي والصومالي.

وافتتح الرئيس عون أعمال قمة بيروت التنموية في الواجهة البحرية لبيروت، والبداية كانت مع كلمة وزير المال السعودي محمد بن عبدالله الجدعان الذي أكّد أن المملكة ستعيد اقتراح دمج هذه القمة مع القمة العربية، مكرراً شكرها للبنان.

ثم ألقى الرئيس عون كلمة الافتتاح، ورحّب فيها بالوفود العربية قائلاً: "أيها الأخوة، أهلاً بكم ضيوفاً في بلدكم، وإخوة أعزاء تلتقون في هذه القمة لمجابهة التحديات الاقتصادية والتنموية التي تواجه بلداننا، فعسى أن تتكلّل جهودنا بنجاح يلبي طموحات شعوبنا وآمال الاجيال الطالعة، وأن نخطو خطوة على طريق النهوض والإزدهار وتعزيز العمل التنموي العربي المشترك".

وتابع: "لقد ضرب منطقتنا زلزال حروب متنقّلة... لسنا اليوم هنا لنناقش أسبابها والمتسبّبين بها والمحرّضين عليها، إنّما لمعالجة نتائجها المدمّرة على الاقتصاد والنمو في بلداننا والتي عادت بنا أشواطاً الى الوراء".

وتساءل: "أين دولنا من مسيرة تحقيق الأهداف العالمية للتنمية المستدامة، من القضاء على الفقر، إلى محاربة عدم المساواة والظلم، في وقت تُهدم البيوت على رؤوس أصحابها، وتنتهك حقوق الشعوب بالحرية والعيش الكريم، وينتشر الدمار، ويغادر الملايين أوطانهم نحو دول هي أصلا تنوء تحت أحمالها وتضيق بسكانها؟".

وأسف عون "لعدم حضور الإخوة الملوك والرؤساء ولهم ما لهم من عذرٍ لغيابهم"، وقال: "إن انعقاد هذه القمة في بيروت في هذه المرحلة الدقيقة التي تعيشها المنطقة هو تأكيد على دور لبنان ورسالته في محيطه والعالم".

وتابع: "كنا نتمنى أن تكون هذه القمة مناسبة لجمع كل العرب، فلا تكون هناك مقاعد شاغرة، وقد بذلنا كل جهد من أجل إزالة الأسباب التي أدت الى هذا الشغور، إلا أن العراقيل كانت للأسف أقوى".

وقال عون إن "لبنان يدعو المجتمع الدولي الى بذل كل الجهود الممكنة وتوفير الشروط الملائمة لعودة آمنة للنازحين السوريين الى بلدهم ولا سيما إلى المناطق المستقرة، أو تلك المنخفضة التوتر، من دون أن يتم ربط ذلك بالتوصل إلى الحل السياسي".

وتقدر السلطات اللبنانية وجود نحو مليون ونصف مليون لاجىء سوري يعيش غالبيتهم في ظروف صعبة، ويثقلون كاهل الاقتصاد اللبناني الهش أصلاً.

وتُعد قضية اللاجئين من أبرز النقاط الواردة في جدول أعمال القمة الاقتصادية، والتي يطالب لبنان بإقرار بند حول ضرورة عودتهم.

وطغت على التحضيرات للقمة خلال الفترة الماضية نقاشات حول إمكان دعوة سوريا لحضورها. ودعا وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل الجمعة خلال اجتماع الوزراء العرب الى إعادة سوريا إلى جامعة الدول العربية.

وبحسب صحيفة "الوطن" السورية، فإن الانقسام العربي حول عودة سوريا إلى مقعدها في ​الجامعة العربية​، وعدم دعوتها للمشاركة في ​القمة العربية​ التنموية الاقتصادية والاجتماعية في دورتها الرابعة في ​بيروت​، والتي رفضت دعوة حضور مراسم افتتاحها، ساهم بجعلها قمة هزيلة وبإفراغها من مضمونها قبل انطلاقها.

وذكرت الصحيفة انه سبق الأشهر القليلة لانعقاد "قمة بيروت" تصاعدت الأنباء عن جهود عربية لإعادة سوريا إلى مقعدها في الجامعة العربية وإمكانية مشاركتها في "قمة بيروت"، لكن ذلك لم يحصل بسبب الخلافات حول ذلك بين ​الدول العربية​، بل أكدت تقارير إعلامية أن ​الولايات المتحدة​ ضغطت على دول عربية من أجل عدم دعوة سوريا.

وتقول الصحيفة السورية "بدا لافتاً أيضاً خلو جدول أعمال القمة من بند مخصص لبحث عودة سوريا إلى الجامعة أو حتى بحث المشاركة في إعادة الإعمار رغم أن القمة عربية تناقش موضوعات اقتصادية".

وفي نفس السياق، قال وزير الخارجية والمغتربين في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل، خلال اجتماع وزراء الخارجية والوزراء المعنيين بالمجلس الاقتصادي والاجتماعي التحضيري للقمة العربية التنموية، الذي عقد الجمعة، إن "سوريا هي الفجوة الأكبر في مؤتمرنا".

وأضاف باسيل: "نشعر بثقل فراغها ويجب أن تكون في حضننا بدل أن نرميها في أحضان الإرهاب كي لا نسجل على أنفسنا عاراً تاريخياً بتعليق عضويتها بأمر خارجي".

وقاطعت ليبيا من جهتها القمة الاقتصادية لما اعتبرته إساءة لها بعد تمزيق ناشطين من حركة أمل، العلم الليبي. وكانت حركة أمل دعت الى عدم استقبال الوفد الليبي، وقالت إن المسؤولين في طرابلس لم يقوموا باللازم لكشف تفاصيل اختفاء الإمام موسى الصدر في ليبيا في العام 1978 خلال حكم معمر القذافي.

وعقد وزراء الخارجية والاقتصاد العرب الجمعة اجتماعاً تمهيدياً لبحث جدول أعمال القمة، وأعدوا مشاريع قرارات تتعلق بـ29 بنداً، وبين مشاريع القرارات المطروحة، بالإضافة إلى قضية اللاجئين، دعوة الدول الأعضاء والمؤسسات المالية والجهات المانحة لـ"تقديم دعم فني ومادي للجمهورية اليمنية" يسهم في إعادة الاعمار.

وبالنسبة الى الاتحاد الجمركي العربي، الذي كان من المفترض إقامته في العام 2015 بعد بحثه في دورات سابقة آخرها في الرياض في 2013، ينص أحد مشاريع القرارات على دعوة الدول العربية إلى الإسراع في استكمال المتطلبات اللازمة لإقامته.

ومن المفترض أيضاً بحث تطورات إقامة منطقة للتجارة الحرة، التي دعت إليها دورات سابقة للقمة من دون أن تطبق فعلياً على الأرض.

من جهته، أعلن وزير خارجية الكويت الشيخ صباح الخالد الصباح خلال الجلسة الافتتاحية مبادرة لإنشاء صندوق للإستثمار في مجال التكنولوجيا والاقتصاد برأس مال قيمته 200 مليون دولار بمشاركة القطاع الخاص.

هذا وركزت صحف عربية بنسختيها الورقية والإلكترونية على التحديات التي تواجه القمة العربية التنموية الاقتصادية والاجتماعية، التي افتتحت أعمالها في العاصمة اللبنانية بيروت. وشدد معظم الصحف على أن التحدي الأبرز الذي يواجه القمة هو انعقادها وسط مناخ من الخلافات والأزمات بين العديد من الدول العربية، مما حدا بعدد من المعلقين بالتشديد على ضرورة إنهاء هذه الخلافات قبل الخوض في أي تنمية اقتصادية واجتماعية.

ويرى المراقبون أن الوضع العربي اليوم هو في أدنى مستوياته من التشرذم والتبعية، وتعمل الولايات المتحدة كل جهدها من أجل إفشال أي جهد عربي مشترك يكون لصالح شعوبهم، غير أنها تدفع بالدول العربية مع "إسرائيل" لعقد قمة أخرى في وارسو ببولندا، من أجل التصدي المشترك لإيران وروسيا، والعمل من أجل تنفيذ المصالح الأمريكية البحتة. لذا فان القمة الحالية في بيروت لن تؤدي إلى أي نتيجة فعلية سوى إصدار بعض البيانات التي تتكرر في كل قمة ولا يتم تنفيذ أي شيء منها.