ألا يخجل العرب من تكرار عبارة سيطرة إيران على أربع عواصم عربية؟

ألا يخجل العرب من تكرار عبارة سيطرة إيران على أربع عواصم عربية؟
الأحد ١٧ فبراير ٢٠١٩ - ٠٢:٤٩ بتوقيت غرينتش

الجملة التي تثير الغيظ، وترفع ضغط الدم، هي تلك التي يرددها بعض المسؤولين والكتاب والمعلقين العرب سواء في مقالات الصحف، أو في مقابلات علي شاشات التلفزة، تتلخص في أن إيران تسيطر علي أربع عواصم عربية، ويذكرون دمشق وصنعاء وبغداد علي رأسها.

العالم- العالم الاسلامي

قد يكون أحد المسؤولين الإيرانيين هو صاحب حقوق النشر، باعتباره أول من قالها، وتلقفها بعض العرب المعادين للمشروع الإيراني، ولكن تكرارها بطريقة مملة، تدين قائليها ودولهم أكثر مما تدين إيران.

إذا كانت إيران تسيطر علي هذه العواصم العربية، ونحن نشك في ذلك، فهذا راجع إلي غياب المشروع العربي، وانتشار الفساد، وإهدار آلاف المليارات في الترف وتمويل خزائن الدول الغربية عبر صفقات أسلحة لم تستخدم مطلقا إلا ضد الشقيق العربي.

الحكومات العربية التي تعتبر إيران هي الخطر الأكبر وليس إسرائيل، هي التي انخرطت في مشروع التدمير الأمريكي في العراق واليمن وسورية وليبيا، سواء بالتمويل الذي وصل إلي أكثر من 300 مليار دولار علي الأقل (مصاريف الحرب في اليمن التي تدخل عامها الخامس الشهر المقبل وحدها تصل إلي 7 مليار دولار شهريا، حسب معهد بروكنغز الأمريكي)، أو توفير الغطائين السياسي والإعلامي لهذا المخطط التدميري.

إيران ورغم أربعين عاما من الحصار الأمريكي، أقامت دولة مؤسسات وطورت صناعة عسكرية جبارة عمادها الصواريخ الباليستية، مثلما طورت برامج نووية جبارة استخدمتها كورقة ضغط لتركيع الغرب وأمريكا.

سبعون دولة اجتمعت في وارسو يوم الخميس الماضي بزعامة الولايات المتحدة لمواجهة إيران، وبتحريض من دولة الاحتلال الإسرائيلي، وكانت النتيجة بيانا باهتا، وخلافات عميقة، ومقاطعة أوروبية، وغياب روسيا والصين والهند، والحكومات الإسلامية والدولية الشريفة، وكان وزراء الخارجية العرب مثل الزوج المخدوع يهربون من أسئلة الصحافيين خجلا وعارا.

ألا يسأل هؤلاء الذين يتوجون نتنياهو حليفا، وحاميا لهم، أنفسهم عن الأسباب الحقيقية التي جعلت إيران العدو الأخطر بالنسبة إلي إسرائيل وأمريكا؟ أليس الاحتلال الإسرائيلي للأرض الفلسطينية والمقدسات العربية الإسلامية والمسيحية في القدس المحتلة؟ ألا تجعل هذه الحقيقة التي بات الرضع العرب يعرفونها، أن إيران دولة وطنية في نظر قطاع كبير من الرأي العام العربي؟

لو تحالفت إيران مع العدو الإسرائيلي ضد العرب والمسلمين، لما احتشدت كل هذه الدول بالعصا الأمريكية ضدها، ولكانت إيران الدولة “المدللة” بالنسبة إلي الغرب والشرق معا، ولفرضت الجزية علي كل الممالك والإمارات العربية في منطقة الخليج [الفارسي] بضوء أخضر أمريكي إسرائيلي.

انه أمر مهين أن يتحدث عرب عن سيطرة إيران علي أربع عواصم عربية، مهينٌ لهم، لأن هذا الحديث يكشف فشلهم وقصورهم الذي أدي إلي هذا الوضع العربي المخجل، وعليهم أن يكفوا عن البكاء واللطم، والبحث عن استراتيجيات وبرامج عمل وتسليح تعود بالأمة إلي ينابيع الكرامة والوطنية، وتحصن مدنها وعواصمها، من أي نفوذ أجنبي.

من يريد مواجهة النفوذ الإيراني لا يذهب إلي بنيامين نتنياهو متذللا طالبا الحماية، ويتوجه زعيما علي المنطقة بأسرها، ويقدم له كل الطاعة والولاء، بل يمتلك أسباب القوة ويسعي لبناء مشروع عربي مقاوم يعيد للأمة ريادتها.

في مؤتمر وارسو باع بعض العرب المسجد الأقصي وكنيسة القيامة، وكل مدينة القدس المحتلة، مثلما باع أبو عبد الله الصغير غرناطة إلي فرديناند وإيزابيلا، ولكن مع فارق أساسي أن أبو عبد الله الصغير الأندلسي قدم مفاتيح المدينة نادما وباكيا، بينما “أحفاده” في وارسو قدموا مفاتيح القدس لنتنياهو وهم مبتسمون وفرحون.. وإنها قمة المأساة، وذروة البؤس والهوان.

عبد الباري عطوان/راي اليوم