قرارات البشير.. ومحاولاته لإخراج السودان من أزماته

قرارات البشير.. ومحاولاته لإخراج السودان من أزماته
السبت ٠٩ مارس ٢٠١٩ - ٠٩:٣٤ بتوقيت غرينتش

اتخذ الرئيس السوداني عمر البشير، مؤخرا قرارات هامة وأجرى تغييرات في مناصب عليا من الدولة، منها إحالات للتقاعد وترقيات في الجيش، فيما أمر بإطلاق سراح جميع المعتقلات المحتجزات منذ بداية الازمة. ويرى المراقبون قرارات البشير محاولة منه لاحتواء أزمة الاحتجاجات المستمرة في البلاد منذ أشهر والتي تهدد بإسقاط حكومته التي لازال متمسكا بها منذ 1989.

العالم - تقارير

يشهد السودان منذ 19 ديسمبر من العام الماضي، احتجاجات واسعة ضد السلطة الحاكمة في عدد من مدنه بينها العاصمة الخرطوم في ظل تدهور مستوى المعيشة خاصة، اندلعت بعد مضاعفة الحكومة أسعار الخبز ثلاث مرات. وطالب المتظاهرون باستقالة الرئيس السوداني عمر البشير، الذي ألقى من جانبه بمسؤولية التظاهرات على "متآمرين" دون أن يسميهم.

ويواجه السودان صعوبات اقتصادية متزايدة مع بلوغ نسبة التضخم نحو 70% وتراجع سعر الجنيه السوداني مقابل الدولار الأمريكي وسائر العملات الأجنبية.

وفي أحدث التطورات، وجه البشير، بمناسبة اليوم العالمي للمرأة (8 مارس)، بإطلاق سراح جميع المعتقلات اللاتي احتجزن خلال موجة الاحتجاجات التي تمر بها البلاد منذ ديسمبر الماضي.

وكلف البشير مدير جهاز الأمن والمخابرات، الفريق أول صلاح عبدالله قوش، بهذا التوجيه، وذلك خلال خطاب ألقاه مساء الجمعة أمام حشد من الإدارات الأهلية والقيادات السياسية والشبابية والطلابية شرقي السودان.

وأشار البشير إلى أن المشاورات حول تشكيل الحكومة الجديدة مستمرة، متعهدا بأن تكون حكومة كفاءات دون أي محاصصة سياسية أو قبلية أو جهوية.

وأضاف: "الآن نتشاور لتشكيل الحكومة، وسنختار الأفضل والأجدر للقيادة، والقوي الأمين لكل منصب".

وتابع الرئيس السوداني: "نحن ننقل البلاد إلى مرحلة جديدة، وفضلت إحياء الأمل في نفوس الشعب السوداني، بتعيين محمد طاهر آيلا، رئيسا للوزراء في البلاد".

وقال البشير إن "البلاد تقبل على مرحلة جديدة خالية من المحاباة والمحاصصة لذا جاء اختيار الولاة من العسكريين لكونهم محل إجماع الشعب السوداني وأبنائه الذين يقدمون أرواحهم ودماءهم رخيصة فداء للوطن وللشعب الكريم"، حسب تعبيره.

إحالات للتقاعد وترقيات في الجيش

وفي نفس السياق، أصدر الرئيس السوداني أمس الجمعة قرارات تم بموجبها ترقية عدد من الضباط في رتب مختلفة إلى الرتبة الأعلى، وإحالة عدد محدود من الضباط إلى التقاعد.

وقال بيان صادر من القوات المسلحة إن "هذه القرارات راتبة وفق قانون القوات المسلحة واللوائح المنظمة لخدمة وترقي ضباط القوات المسلحة لسنة 1993 تعديل 2007".

وأصدر البشير في السادس والعشرين من فبراير الماضي، أيضا عددا من المراسيم والقرارت الجمهورية بترقية وإحالة عدد من قيادات الجيش للتقاعد. ونص القرار حينها، على تعيين الفريق أول مراقب جوي ركن عصام الدين مبارك حبيب الله وزيرا للدولة في وزارة الدفاع.

كما أعفت الرئاسة السودانية، قبل أيام قليلة، محافظ البنك المركزي السوداني "محمد خير الزبير"، وتكليف "حسين يحيى جنقول" بالمنصب. وتأتي إقالة محافظ البنك المركزي، بحسب الخبراء، ضمن إجراءات يقوم بها رئيس الوزراء الجديد "محمد طاهر ايلا" لإعادة هيكلة القطاع الاقتصادي في البلاد ووقف التدهور الاقتصادي الحاصل.

ويعتبر المحللون، أن الاحتجاجات هي أكبر تحد يواجهه البشير منذ توليه السلطة في انقلاب قبل نحو 30 عاما، وهي أوسع نطاقا وأطول مدة من موجتي احتجاج في سبتمبر أيلول 2013 ويناير كانون الثاني 2018.

وتهدد الاحتجاجات بدفع السودان إلى أزمة عميقة بعرقلتها محاولة البشير منع حدوث انهيار مالي وزعزعة استقرار بلد تحدق به صراعات داخلية.

ويقول المحلل المستقل محمد عثمان "ما نشاهده اليوم هي الموجة الثانية والأقوى للاحتجاجات التي اجتاحت السودان في سبتمبر 2013. الإحباط من ارتفاع كلفة المعيشة يتصاعد وهو الآن يخرج عن نطاق السيطرة مجددا".

والبشير من أطول زعماء المنطقة بقاء في السلطة، وخرج خلال سنين حكمه الذي تجاوز الثلاثين، سالما من عقوبات أمريكية استمرت 20 عاما وتجاهل إدانة من المحكمة الجنائية الدولية في اتهامات بجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية في دارفور.

وتأتي الاحتجاجات بينما يسعى الزعيم البالغ من العمر 75 عاما جاهدا لدعم وضعه اقتصاديا وكذلك سياسيا، ويضغط لرفعه من القائمة الامريكية للإرهاب.

ويقول خبراء اقتصاديون إن إدراج السودان على تلك القائمة يمنع تدفق الاستثمارات التي كان يأمل اجتذابها والدعم المالي الذي أراد الحصول عليه عندما رفعت العقوبات الأمريكية في أكتوبر تشرين الأول 2017.

في ظل غياب الاستثمارات والدعم المالي يزيد السودان على نحو سريع من المعروض النقدي لتمويل عجز الميزانية، مما أدى إلى ارتفاع كبير في التضخم الذي بلغ رسميا نحو 70 في المئة وتراجع حاد في قيمة عملته.

ويقول الصحفي والمحلل السياسي فيصل محمد صالح الذي يعمل انطلاقا من الخرطوم "الارتباك في السياسة السودانية الخارجية والانتقال من حلف لآخر بسبب الازمة الاقتصادية الحادة في البلاد والرئيس البشير يريد الحصول على عون اقتصادي سريع".

وتسارعت تلك المشكلات الاقتصادية، وهي من الأسباب الرئيسية في حالة الاستياء والسخط التي تعتمل منذ سنوات، بعدما فقد السودان ثلاثة أرباع إنتاجه من النفط بعد انفصال الجنوب عام 2011.

وذكر أمجد فريد الطيب الناشط والمتحدث باسم حركة "التغيير الآن" السودانية أن المشكلات الاقتصادية مرتبطة ارتباطا وثيقا في أعين المحتجين بالفساد وسوء الإدارة في النخبة الحاكمة وحزب المؤتمر الوطني الحاكم، حسب قوله.

وقال "حزب المؤتمر الوطني وجه معظم الميزانية الوطنية خلال الثلاثين عاما الماضية نحو جهاز الأمن والجيش وقلص التمويل للخدمات الاجتماعية والتعليم والصحة".

وأضاف الطيب "لذلك هؤلاء الأشخاص الموجودون حاليا في الشوارع ليس لديهم شبكات حماية اجتماعية وهم عزل في معركة مع المصير... وليس لديهم ما يخسروه".

في ظل ما تعانيه الأحزاب السياسية من ضعف وعجز لا يوجد قائد للاحتجاجات. فالمتظاهرون يتجمعون في بلدات وأحياء منفردة ويلتفون على الحظر المفروض على وسائل التواصل الاجتماعي لتبادل المعلومات على الإنترنت.

ويواصلون الاحتشاد مرددين شعار "الشعب يريد إسقاط النظام"، على الرغم من استخدام قوات الأمن شتى الوسائل لتفريقهم.

وقال الطيب زين العابدين أستاذ العلوم السياسية بجامعة الخرطوم إن مرور السودان بأسوأ أزمة اقتصادية منذ استقلاله عام 1956 يهدد البشير بأن يواجه مصير حكام شموليين آخرين أطيح بهم قبل ثمانية أعوام ما لم يغير حزب المؤتمر الوطني مرشحه للرئاسة قبل الانتخابات المقررة العام المقبل.

وأضاف "تقلل الأزمة الاقتصادية والسخط الشعبي من فرص الرئيس عمر البشير للترشح لانتخابات 2020 والأفضل للحزب الحاكم أن يبحث عن مرشح اخر وأن يقوم بتسوية سياسية مع المعارضة لأن هذا هو الخيار الوحيد لكى يستمر بقاء الحزب الحاكم في المعادلة السياسية في البلاد حتى لا يلقى مصير الأحزاب الحاكمة في دول الربيع العربي".

لكن البشير لا يظهر أي إشارة على التنحي. واقترح نواب في برلمان الخرطوم، الذي يهيمن عليه حزب المؤتمر الوطني، تعديلا دستوريا الشهر الماضي لمد فترات الرئاسة التي تشترط تنحي البشير في 2020.

وعلى الرغم من تعهداته بإجراء إصلاحات اقتصادية ودعوته لضبط النفس والإعلان عن تشكيل لجنة لتقصي الحقائق، فإن المحتجين يرون ذلك خطوات رمزية.