هجوم نيوزلندا ...إرهاب أبيض وإرهاب أسود!

هجوم نيوزلندا ...إرهاب أبيض وإرهاب أسود!
الأحد ١٧ مارس ٢٠١٩ - ٠٦:٠٤ بتوقيت غرينتش

53 شخصا راحوا ضحية إرهابي أسترالي قرر "تخاذ موقف لضمان مستقبل أفضل لأبناء جلدته"! فراح يفرغ رصاص رشاشه على المصلين أثناء صلاة الجمعة، في مسجدين بمدينة كراست تشيريش، شرقي نيوزلندا، مصورا عمليته الإرهابية بكل هدوء يبثها للآخرين عبر الأنترنت ليتابعوها معه.

العالم- تقارير

لكن في حين شعر العديد في العالم بالأسى والصدمة والذهول لما حدث، وفيما سارع رؤساء دول عديدة إلى إدانة الهجوم ووصفه بالإرهابي، كان هناك من شكلوا الوجه الآخر لردود الأفعال التي خلفها؛ إذ رفعوا القبعة للإرهابي وأيدوه وهنؤوه على نحو لا يخلو من التطرف والكراهية.

يتقدم هؤلاء النائب الأسترالي، السيناتور فرازر أنينغ، الذي نشر بيانا عقب الهجوم ألقى فيه باللوم على المسلمين والإسلام قائلا: "لنكن واضحين؛ فربما كان المسلمون هم الضحايا اليوم، وعادة يكونون جناة… إنهم في العالم كله يقتلون الناس باسم عقيدتهم".

واعتبر النائب أن السبب الحقيقي في ما حدث أصلا "هو برنامج الهجرة الذي يسمح للمسلمين المتعصبين بالهجرة إلى نيوزلندا"، على حد تعبيره.

وعلى نحو لا يقل فداحة عما قام به الإرهابي تارانت، "احتفت" تعليقات على الشبكات الاجتماعية، من جنسيات مختلفة، بالهجوم الإرهابي بل و"هنأت" الجاني.

كتب أحدهم مثلا أن الإرهابي "قام بعمل جيد"، فيما منحه آخر"وسام الشرف"، وذكر آخر أنها "المرة الأولى التي يتم فيها تبادل الأدوار"، أما أحد المعلقين فذهب إلى أن "وجود مسجدين في المدينة لوحده يعتبر استفزازا".

ويشبه ذلك إلى حد كبير التبرير الذي يجده بعض المسلمين للعمليات الإرهابية التي يقوم بها المتطرفون منهم ، ففي نهاية المطاف، الإرهاب والكراهية أمة واحدة.

وكنتيجة لهذا الفكر وأمثاله فإن الأبرياء العزل هم ضحايا صراع بين الإيدويولوجيات؛ فتارة يكون ذلك بواسطة إيدويولوجية قومية وعنصرية مثالها الحادث النيوزيلندي ‏وتارة يكون العامل الإيديولوجي الديني هو الفاعل ونموذجه نحر طفل شيعي في المدينة المنورة بواسطة فرد يحمل إيديولوجية دينية، أو عمليات تنظيم داعش أو من يحمل أفكارهم في السويد والنرويج وفرنسا والشرق الأوسط.

وأثار امتناع العديد من وسائل الإعلام الغربية -خصوصا في بريطانيا وفرنسا- عن وصف مجزرة نيوزيلندا بالعمل الإرهابي، غضب العديد من السياسيين والنشطاء، وعدّوا ذلك مثالا للعنصرية المؤسسية في الغرب.

وتجاهلت أبرز وسائل الإعلام الأمريكية، وصف مذبحة المسجدين في نيوزيلندا، بالعمل الإرهابي أو الإسلاموفوبي.

وتجنبت وسائل إعلامية كنيويورك تايمز، وواشنطن بوست، وول ستريت جورنال، وسي إن إن، استخدام عباراتي الإرهاب والإرهابي في نقل خبر المذبحة.

كما تجنبت كل من هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) وصحيفة ديلي ميرور في بريطانيا، فضلا عن صحيفتي لوفيغارو ولو باريزيان وإذاعة فرانس إنفو في فرنسا؛ وصف العمل الوحشي بالإرهاب، مما أثار انتقادات واسعة.

وقد ذهبت ديلي ميرور أبعد من ذلك من خلال "الثناء على الإرهابي" منفذ المجزرة برينتون تارنت، عبر إبراز تصريحات لأصدقائه قالوا فيها إنه كان مدربا لطيفا يقدم برامج رياضية مجانية للأطفال.

وتعليقا على الخبر، قال أحد نشطاء تويتر -ويدعى مات وين- إن الصحيفة ذاتها وصفت منفذ هجوم في الولايات المتحدة بالداعشي المجنون.

وبدوره، قال الناشط آدم ولكر -عبر تويتر- إن ديلي ميرور ابتعدت عن القيم الأخلاقية الصحفية، واصفا الصحافة الغربية بأنها "مثال للعنصرية المؤسسية".

وتكرر المشهد ذاته مع صحيفتي لوفيغارو ولو باريزيان وإذاعة فرانس إنفو الفرنسية التي امتنعت عن وصف المجزرة -التي راح ضحيتها الجمعة 53 شخصا- بالعمل الإرهابي، مع حرصها على تكرار وصف هجوم باريس في 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2015 بالعمل الإرهابي.

في المقابل انتقدت بعض الصحف البريطانية تقصير الغرب في تقديم الإسلام الصحيح. واستعرضت صحيفة صنداي تلغراف ما دار، حسب التقارير، بين العجوز المسلم اللاجئ من أفغانستان داوود نبي الذي رحب بالقاتل عند باب المسجد قائلا "أهلا أخي"، وعندما فتح المعتدي النار، تلقاها الرجل المسن ذو الـ 71 عاما.

وقالت صنداي تلغراف "هذا هو الإسلام الذي ربما نادرا جدا ما ينعكس في الثقافة الشعبية (في الغرب)، إسلام كرم الضيافة، والعطف والإحسان والتضامن والسماحة والرحمة".

وطالب الصحيفة أنه "من الضروري مواجهة الفاشية ليس فقط بالأمن الصارم والعمل الشرطي، ولكن أيضا بالنقاش الفكري التفصيلي، فهو ككل الأكاذيب لا يصمد أمام النقاش الدقيق. وقد هزمه العالم من قبل وسوف يفعلها مرة أخرى".

كما ضربت رجلا قتلت زوجته في هجوم المسجدين بنيوزيلندا، مثالا نادرا في التسامح الاسلامي، عندما قال إنه عفا شخصيا عن السفاح اليميني الذي أزهق أرواح 50 شخصا على الأقل وأوقع عشرات المصابين.

وحسبما نقلت فرانس برس، فإن الزوج الذي يبلغ من العمر 59 عاما ونجا من الموت في الحادث، قال إنه "لا يشعر بالكراهية تجاه برنتون تارنت" مرتكب الجريمة الشنيعة، وحين سئل حول ما إذا كان يعفو عن القاتل أجاب:"بطبيعة الحال، العفو والكرم والحب واللطف والإيجابية هو أفضل ما يمكن القيام به".

وقد اثار الحادث مشاعر الآلاف حول العالم، ومن بينهم أشهر نجوم هوليوود نيوزيلنديي الأصل، والذين نشر معظمهم بيانات نعي، ومنهم المخرج تايكا وايتيتي، والنجم سام نيل، إلى جانب المخرج والمنتج العالمي بيتر جاكسون، والذين استنكروا جميعًا الحادث معلنين وقوفهم إلى جانب المسلمين في بلادهم والتأكيد على حريتهم.

كما انتقد النجم البورتوريكي ريكي مارتن تغطية الإعلام العالمي للحادث وعلق: "الرجل الذي قام بقتل أكثر من 40 شخصًا وما يقرب من 20 مصابًا، كل الإعلام الغربي وصفه بالقاتل والمتطرف وليس بالإرهابي.. لماذا؟ لأنه ببساطة ليس مسلمًا".

ويتوقع المراقبون أن يكون هذا الهجوم الإرهابي هو بداية لموجة من العمليات الإرهابية ضد المسلمين المهاجرين، لذا فلابد من التكاتف الدولي ضد الإرهاب والمتطرفين من خلال وضع سياسات رادعة لانتشار هذه العمليات تحت مسمى جرائم الكراهية فينبغي أن يهتم الساسة والصحافة بهذا الأمر. لقد خلقوا بيئة يمكن أن ينمو فيها التطرف، ومن واجبهم الآن تهميشه وإبعاده عن المشهد. لقد حان الوقت لاتخاذ موقفٍ، وتوجيه رسالة واضحة مفادها أن الكراهية ليس لها مكان في المجتمع، والتوقف عن توفير مساحة تعبير للمتطرفين.